في ظلّ أسوأ أزمة مياه يشهدها لبنان منذ عقود، ومستقبل لا يعدُ إلّا بمزيد من شحّ المياه تبدو استراتيجية الحكومة للحفاظ على تدفّق المياه، للأسف، حسنة النيّة لكن غير قابلة للتطبيق. ومع تهديد مقوّمات العيش في البلاد يصبح من الضروري أن يُحسِن لبنان تخطيطه المائي. والمسار الأفضل ممكن، شرط أن يتخلّى القادة عن الذهنية القديمة التي تعتبر مشاريع البنى التحتية الجديدة علاجاً سحرياً، وأن يلتزموا بدلاً من ذلك بالعمل الشاق على إصلاح الحوكمة وإدارة الطلب ومكافحة التلوث.
لطالما كان لبنان “غنياً بالمياه” مقارنة بجيرانه، لكن أحداث العام الماضي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الصورة ــ ومعها غزارة الأمطار ــ لم تعد قائمة. فقد أعلن وزير الطاقة والمياه جو صدي الشهر الماضي أنّ معدّل الأمطار لعام 2025 بلغ أقل من نصف المعدّل السنوي للبلاد. وحتى لو كان هذا العام استثناءً، فإن تسارع تغيّر المناخ يرسم أفقاً بعيد المدى جافّاً إلى حدّ مخيف: إذ يُتوقّع أن ينخفض معدّل الهطول السنوي في لبنان بنسبة قد تصل إلى 20% بحلول عام 2040 و 45% بحلول عام 2090.
وفي خطوة استباقية أصدرت الحكومة اللبنانية العام الماضي النسخة المحدَّثة من الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه 2024–2035 وهي إطار سياسات شامل يهدف إلى مواجهة تحدّيات المياه عبر تحديث القطاع على مدى عقد من الزمن. هذا التحديث يعد تحسّناً ملحوظاً مقارنة بالنسخة السابقة، فهو يقيّم بوضوح الضغوط المتزايدة على الموارد المائية ويتوقّع أن يفاقم تغيّر المناخ الإجهاد المائي بحلول عام 2035، كما يؤكّد على أهمية الموارد غير التقليدية والتخطيط المتكامل. غير أنّ الاستراتيجية، بما تتضمّنه من رؤى واسعة، ما زالت تفتقر إلى توجيهات عملية وخطوات ملموسة لتحويل هذه الرؤية إلى واقع. علاوةً على ذلك فإن تُصوّر الاستراتيجية نقص المياه كمشكلة مستقبلية، وهو ما يتجلّى في إخفاقها في تحديد العجز المائي الوطني القائم، يُخفي حقيقة أنّ لبنان يعاني بالفعل من انعدام الأمن المائي.
أزمة المياه في لبنان ناجمة عن تحديات كمية ونوعية في آن: فالمياه غير كافية، وجزء كبير من الإمدادات القائمة ملوّث. ومع ذلك لا تقدّم الاستراتيجية معالجة جدّية وفعّالة لمسألة التلوث.
