معركة شاقة: صراع لبنان مع الكوليرا لم ينتهِ بعد

بقاء الكوليرا مرجح بلا إصلاح جدي لقطاع المياه في لبنان

شايا لوغلن

15 كانون الأول، 2022

إن ظننت أن تفشي الكوليرا في لبنان “تحت السيطرة”، بحسب تصريح وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض الأسبوع السابق، يجب أن تفكر أكثر في الموضوع. بينما سجل لبنان عددًا أقل من حالات الإصابة بالكوليرا والوفيات الجديدة في الأسابيع القليلة الماضية، فإنه من السابق لأوانه الاحتفال بذلك. تروي أرقام الإصابات الرسمية بالكوليرا جانبًا واحدًا من القصة، أما بالنسبة لقطاع المياه والصرف الصحي فإنه يخبرنا قصة أخرى. من الحتمي أن المعركة مع الكوليرا بعيدة كل البعد من أن تنتهي.  

 قطاع معلق بخيط   

فضح انتشار الكوليرا سلبيات كبيرة في قطاع المياه المنهار في لبنان. لقد عانى القطاع بسبب عقود من الإدارة الكارثية حتى ما قبل بدء الانهيار المالي في عام 2019، وساعد الممولون العالميون القطاع على مواصلة عمله بواسطة قروض ضخمة ومساعدات، ثم تراجع الممولون في ظل الأزمة الاقتصادية عندما أدى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية إلى توقف عمل مؤسسات المياه في أربع محافظات لبنانية، وهي: بيروت، البقاع، الشمال والجنوب، بعدما أصبحت غير قادرة على توفير خدمات المياه العامة الأساسية.  

تجاوب الممولون مع طلب الإغاثة مرة ثانية مع وصول الكوليرا إلى لبنان، وتدخل عدد كبير من المنظمات العالمية لوقف انتشار المرض عبر حملات تلقيح وتوعية وتأمين نفط ومادة الكلورين. ضمن هذه المساعدات، وعد الاتحاد الأوروبي بهبة قدرها 800 آلف يورو بهدف تأمين “مياه مجتمعية وتدخلات بالصرف الصحي والنظافةفي المناطق التي تنتشر فيها حالات الكوليرا، كما سرّعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مساعداتها لمؤسسات المياه الرسمية الأربع التي تكافح لتعمل في لبنان.   

لقد زاد تفشي الكوليرا من اعتماد لبنان على المجتمع الدولي، وألقت الحكومة اللبنانية ووزارة الطاقة والمياه بمسؤولية أكبر على عاتق الممولين والمجتمع الدولي. صرّحت مستشارة وزير الطاقة والمياه سوزي حويك لـ”بديل عن وجود بعض الفجوات في القطاع، بيد أنها أقرت بأهمية الدعم المقدم من المجتمع الدولي.   

وقالت حويك: “فشل الممولون بمساعدتنا على تأمين مصادر الطاقة. أي على تأمين النفط بشكل أساسي”، وأضافت موضحة أن “المساعدة ليست كافية. ويجب في نهاية المطاف تأمين المياه. والطريقة الوحيدة لإنجاز ذلك في بعض الأماكن هي عبر ضخ المياه الذي يتطلب النفط”.  

ما زال تأمين النفط حلًا مؤقتًا حتى الآن رغم توزيع ما يقارب 277 ألف ليتر منه لمؤسسات المياه والصرف الصحي في لبنان. سيبقى قطاع المياه معلقًا بخيط رفيع حتى تعبّد الدولة الطريق للإصلاح.    

انقطاع اتصال واضح  

تفشت الكوليرا في ثماني أقضية لبنانية مصيبة 5.105 شخصًا حتى الآن، ولقى 23 حالة مصرعهم من إجمالي الحالات المشكوك بها والمؤكدة. شكّل اللاجؤون السوريون الذين يعيشون في مخيمات غير رسمية منتشرة في لبنان نسبة كبيرة من المصابين بالكوليرا، خاصة أنها تفتقد للمياه النظيفة والبنى التحتية للصرف الصحي أو إدارة المياه الملوثة، وأدى ذلك إلى إلقاء اللوم على السوريين لهذا التفشي.  

لكن وفق السياسات الحكومية المتبعة منذ فترة طويلة، لم توصل المخيمات غير الرسمية بخدمات المياه العامة والصرف الصحي. تعتبر هذه السياسة جزءًا من قرار الحكومة لمنع إنشاء أي مخيمات للاجئين السوريين على الأمد البعيد. لذلك، بقي اللاجؤون السوريون معتمدون على الجمعيات غير الحكومية والمنظمات العالمية أو على مافيا توزيع المياه غير المنظمة المعروف تلاعبها بجودة المياه. بحسب فحوصات مياه أجريت مؤخرًا في المخيمات غير الرسمية، فإن 83% من المياه ملوثة مقارنة مع 52.5% من الفحوصات التي أجريت على المياه في شبكات المياه العامة.  

وأعلنت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الأسبوع الفائت أن أربع من عشر عينات مياه من البقاع تحتوي على الكوليرا، وأوضحت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن للتلوث علاقة وثيقة بـتصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة”، وتنتشر في المناطق التي تقع في مصب مخيمات النازحين السوريين أو منافذ الصرف الصحي أو المستشفيات“.  

للأسف، يمكن للوضع أن يسوء. سيبدأ الشتاء عمّا قريب، ومن المتوقّع أن تتساقط أمطار غزيرة مع سيول من مياه الصرف الصحي التي تجرف معها النفايات والمياه الملوثة غير المعالجة. تخلق هذه الشروط بيئة ممتازة لتفشي الكوليرا.  

وضع مقزز 

يعتبر تفشي الكوليرا تذكيرًا صارخًا بأن لبنان يحتاج إلى حلول مستدامة لشبكات الصرف الصحي. لكن الخطوة القادمة التي خطّطت لها الحكومة لا تطمئن.  

من المتوقّع أن يسلم مجلس الإنماء والإعمار مسؤولية جميع محطات معالجة المياه اللبنانية إلى مؤسسات المياه الإقليمية كما نص القانون 221 في عام 2000. لكن المؤسسات على وشك الانهيار، إذ إنه وسط أزمة لبنان الاقتصادية لا تستطيع هذه المؤسسات شراء الأوراق والأقلام، ولا حتى دفع أجور موظفيهم، كما أن المؤسسات ليست مستعدة لتحمّل أعباء إضافية بدون تعزيز الموارد المالية والإنسانية أو فرض تعرفة مناسبة على الصرف الصحي.  

دفع الممولون الملايين لمساعدة اللبنانيين على تحسين شبكة الصرف الصحي، فقد حصلت الحكومة اللبنانية على قروض ومنح تبلغ قيمتها أكثر من 1.5 مليار دولار أميركي بين عامي 1990 – 2021. يقول مدير مبادرة “غربال” وهي مجموعة مناصرة لـ”بديل” إن: “المبلغ مهوّل”. مرة أخرى سيتدخل المجتمع الدولي لمساعدتنا بمرحلة الانتقال التي نمر بها مؤخرًا.  

وقالت حويك لـ”بديل” إننا: “نعمل عن كثب على هذا الموضوع مع المجتمع الدولي لأنه سيدعمنا ماليًا لإنجاز هذا المسار التحوّلي”، وأضافت “سنبني قدرات الموظفين ونقوم بالإصلاحات الضرورية لقطاع المياه لإنجاز تحوّل قطاع الصرف الصحي بشكل مناسب وتحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات ككل”.

يشهد لبنان في جميع القطاعات نتائج سياساته قصيرة النظر التي تولّد مشاكل بنيوية على المدى البعيد.

على مفترق طرق 

يشهد لبنان في جميع القطاعات نتائج سياساته قصيرة النظر التي تولّد مشاكل بنيوية على المدى البعيد. وبينما يتفاخر الأبيض بانخفاض حالات الكوليرا اليوم، فقد ألقى باللوم بدون حجل في أول فترة انتشار الكوليرا على المجتمع الدولي وأزمة اللجوء السوري، وذلك في مؤتمر صحفي حول بداية تفشي المرض في أوكتوبر (تشرين الأول) الماضي. 

وقال الأبيض للمراسلين: “انخفضت المساعدات التي نتلقاها من شركائنا الدوليين تحت ذرائع متعددة”، وتابع مضيفًا “طبعًا، لا نقبل هذه الأعذار لأننا نعتقد أن أزمة اللاجئين التي استمرت 11 عامًا ليست مسؤولية لبنان وحده، لكنها أيضًا مسؤولية المجتمع الدولي بشكل أساسي”.  

يحب على الحكومة إلقاء اللوم على نفسها لخروج الأمور "عن السيطرة".

يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرق. يمكن أن يكمل السياسيون إلقاء اللوم على بعضهم والآخرين من جهة رغم النتائج الكارثية التي تؤثر على المجتماعات الأكثر هشاشة في البلد، أو يمكن لمجلس النواب أن يعامل مشاكل المياه كأولوية للأجندة الوطنية، ويقوم بالإصلاحات اللازمة مثلما ذكرت استراتيجية قطاع المياه الوطنية التي نشرتها وزارة الطاقة والمياه مؤخرًا.  

حتمًا، بلا إصلاح حقيقي لقطاعي المياه والصرف الصحي، لا يمكن أن تلوم الحكومة إلا نفسها عندما تخرج الأمور “عن السيطرة”.   

*شارك في كتابة هذا التقرير: كونور كانسو   

المواضيع ذات الصلة