وبعد عامين ونصف، وثلاثة رؤساء وزراء ورأس مال متفجر، لا تزال المليارات عالقة في البنوك بقبضة النخبة الحاكمة المهيمنة في لبنان منذ 30 عاماً، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في 15 مايو (أيار) ستتاح للبنانيين فرصتهم الأولى للتغيير الديمقراطي في البلاد منذ انتفاضة أكتوبر 2019 والأزمة المالية، ومع ذلك، سواء اختاروا الحرس القديم أو الدم الجديد فإنهم سوف يحققون مبتغاهم في ذلك اليوم حسب استطلاع جديد لأكثر من 4600 ناخب مؤهل أجرته منظمة أوكسفام.
ويبدو أن اللامبالاة منتشرة بين الناخبين على نطاق واسع، حيث أشار 54% من المستطلعين إلى إنهم سيصوتون في الانتخابات البرلمانية، في حين أن نسبة المشاركة الفعلية في الاقتراع قد تختلف بشكل كبير، حيث تضيف هذه الإحصائية مؤشرات تاريخية اتجاه نصف الناخبين للإدلاء بأصواتهم في يوم الاقتراع، كما يبدو أن الأشهر القليلة الماضية كانت محورية في تعزيز الدعم للمرشحين المستقلين مقارنة بالاستطلاع السابق الذي أجرته مؤسسة كونراد أديناور في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، حيث تضاعف عدد المستجيبين الذين يعتزمون التصويت بشكل مستقل، ومن بين أولئك الذين يقولون الآن إنهم سيفعلون ذلك في الانتخابات القادمة، قال 48% إنهم سيصوتون لمرشحين مستقلين، تم تعريفهم في هذه الدراسة على أنهم من المرشحين الذين لم يدخلوا البرلمان من قبل.
قد يبدو ذلك بمثابة نعمة للمعارضة مع مرشح واحد شبه مستقل في المنصب، لكن الرقم يتغير بشكل كبير عند احتساب دوائر المناطق الحضرية كدائرة بيروت على سبيل المثال لا الحصر، حيث قال 66% من المسجلين للتصويت في تلك المناطق إنهم سيصوتون لمرشحين مستقلين، مقابل 51% في دائرة الشوف-عاليه، وأقل بقليل من 20% في دائرة صور-الزهراني، وتشير هذه النتائج كما هو متوقع إلى أن هذه الدوائر هي الأكثر احتمالاً لرؤية المستقلين يفوزون بمقاعد بينما الأحزاب التقليدية في الجنوب ستقضي على المعارضة.
تم تقديم نظام التصويت بالتمثيل النسبي (PR) في عام 2017 ليستبدل نظام الفائز بالأغلبية، ويسمح هذا النظام بتخصيص المقاعد على أساس حصة الأصوات، ومن الناحية النظرية يجب أن يخدم مرشحي الأقليات ويشجع إقبال الناخبين، ومع ذلك من الناحية العملية قدم نظام الفائز بالأغلبية العديد من التحذيرات التي تقوض قشرته التقدمية، ويشير كبير مساعدي الأبحاث في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات كريستوف كيروز إلى وجود عاملين رئيسيين يلحقان الضرر بالمرشحين المستقلين في النظام الانتخابي، وهما عتبة انتخابية عالية أولاً، والتلاعب بالدوائر الانتخابية والتوزيع الطائفي ثانياً، ولكن نظام التصويت بالتمثيل النسبي يحتاج إلى عتبة انتخابية منخفضة (أقل من 5%) لتحقيق نتائج عادلة للمرشحين المستقلين.
وتعتبر العتبة الانتخابية في لبنان عالية للغاية حيث تتراوح من 7.7% إلى 20%، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تمتلك صور-الزهراني عتبة انتخابية تبلغ 14%، في حين أن مرشحي الشوف-عاليه بحاجة إلى 7.7% من الأصوات للحصول على مقعد برلماني، مما يزيد ارتفاع عتبة الانتخابات من صعوبة حصول المرشحين المستقلين على مقعد، على عكس المرشحين التقليديين الذين لديهم موارد وتحالفات وآليات دعم أكبر، كما يساهم التلاعب في الدوائر الانتخابية والحصص الطائفية بشكل كبير في ترسيخ الأحزاب التقليدية، بالإضافة إلى التلاعب في الدوائر الانتخابية “لتعظيم فوائد التحالفات الانتخابية القادمة”، فقد تم التلاعب القانون بالحدود حول تمركز الأغلبيات الطائفية بشكل واضح، مما قلل بشكل فعال من التنوّع الديني والأيديولوجي للمنطقة إلى نقطة تكون فيها أصوات الأقليات أو المعارضة ضئيلة للغاية.
ومن المحتمل أيضاً أن يفسر التاريخ الحديث الفجوة بين الريف والحضر، حيث شارك 35% فقط من الناخبين المؤهلين في بيروت في انتخابات عام 2018، ومنذ ذلك الحين وبعد انفجار يوم الرابع من أغسطس (آب) 2020، وتركّز الاحتجاجات والاعتصامات والمناقشات المدنيّة في العاصمة فإنه من المحتمل أن تدفع هذه الأحداث إلى مضاعفة الإقبال المتوقع، وفي الوقت ذاته لطالما قدمت الأحزاب التقليدية مثل حزب الله وحركة أمل خدمات اجتماعية، كما الحال على سبيل المثال لا الحصر مع التعليم والرعاية الصحية والتمويل الصغير لأعضائها في الجنوب، بينما كانت الدولة غائبة منذ فترة طويلة، وفي النهاية يؤيد الاقتراع في الشوف-عاليه الحجة القائلة بأن الناخبين يشاركون أكثر عندما يكون هامش الأصوات بين الأحزاب المتنافسة ضئيلاً عند مقارنته بـصور-الزهراني.
ويثير الاهتمام أن أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً أعربوا عن رغبتهم في التصويت بشكل مستقل بنسبة 58%، في حين أن الفئة العمرية الأدنى (21-30 عاماً) لديها ثاني أعلى نية للتصويت بشكل مستقل بنسبة 52%، وتشير النتائج إلى أن كبار السن ربما وصلوا إلى النقطة التي لم يعودوا يدعمون فيها أحزابهم التقليدية، وإذا أمعنا النظر بالأدوار المؤثرة لكبار السن في صنع القرار الأسري والتصويت الأسري “المتدفق”، فإنه من الأفضل لحملات مرشحي المعارضة التركيز على هذه المجموعات.

