الروليت الروسي: أوكرانيا والأمن الغذائي في لبنان

يعتمد لبنان بشكل كامل على الاستيراد بشكل مباشر، خصوصا مع غياب تعزيز الأمن الغذائي او زيادة الإنتاج المحلي، استنادًا إلى أحدث الأرقام ، يساهم المزارعون اللبنانيون بنسبة 18٪ فقط من إجمالي إمدادات القمح في البلاد. و من الجدير بالذكر ان معظم القمح المنتج محليًا هو القمح الصلب ، وهو أكثر فائدة لصنع المعكرونة من الخبز.

شايا لوغلن, زينة الخطيب

25 شباط، 2022

اعتمد لبنان لسنوات عدة على استيراد القمح و البقوليات من روسيا وأوكرانيا في محاولة لتوفير المواد الغذائية الاساسية للمواطنين و لمختلف الصناعات الغذائية الهامة في لبنان ، في هذه اللحظات و ترافقاً مع تدفق الجنود الروس على أوكرانيا تلوح حالة من عدم اليقين بشأن إمدادات القمح في لبنان، حيث كشف الصراع بالفعل مدى تراخي الطبقة السياسية اللبنانية، تاركة البلاد مفتوحة على مصراعيها أمام الكارثة. اسابيعُ قليلة تفصل لبنان عن نقص حاد في القمح مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الخبز للسكان الذين يعانون لتأمين لقمة العيش أينما وجدت. الأزمة الأوكرانية ليست سوى أحدث تهديد للأمن الغذائي في لبنان في السنوات الأخيرة في أعقاب الأزمات المتلاحقة ، بدئاً من الاقتصاد المتأزم أصلا وانفجار بيروت وصولا الى جائحة كوفيد -19 والعديد من الطلقات التحذيرية الواضحة.

وما يفاقم الوضع سوءا تأثير هذه الحرب المباشر على لبنان، حيث تعتمد بشكل شبه كامل على الواردات من دول البحر الأسود لتلبية الطلب السنوي على القمح. وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة والفاو فقد حصل لبنان في عام 2020 على 66٪ من إجمالي القمح من أوكرانيا و 12٪ أخرى من روسيا. وفي الوقت ذاته ومع الارتفاع المتواصل لأسعار القمح، فإن الحكومة اللبنانية التي تواجه ضائقة مالية ستعاني مجددا لتأمين الخبز لشعبها.

يعتمد لبنان بشكل كامل على الاستيراد بشكل مباشر، خصوصا مع غياب تعزيز الأمن الغذائي او زيادة الإنتاج المحلي، استنادًا إلى أحدث الأرقام ، يساهم المزارعون اللبنانيون بنسبة 18٪ فقط من إجمالي إمدادات القمح في البلاد. و من الجدير بالذكر ان معظم القمح المنتج محليًا هو القمح الصلب ، وهو أكثر فائدة لصنع المعكرونة من الخبز.

تأخير إعادة البناء

من النادر جدا أن ينفذ احتياطي الحبوب الاستراتيجي في اي دولة تحت ظروف مأساوية مشابهة، على سبيل المثال تتيح مخازن مرفأ بيروت تخزين ما يصل إلى 120 ألف طن من القمح التي تحملت جزءًا كبيرًا من الانفجار الذي ضرب بيروت علما ان المبنى المحطم بقي على حاله منذ ذلك الحين مذكراً بالإهمال الإجرامي المستمر للطبقة السياسية في لبنان ، حيث ان الحكومة لم تتخذ أي خطوات فعالة لاستبدال وحدات التخزين المتضررة في مرفأ بيروت. حيث ألقت وزارة الاقتصاد والتجارة باللوم على التحقيق الجاري الخاص بالانفجار لفشلها في إعادة بناء وحدات التخزين في مواقع أخرى، في سهل البقاع مثلاً.

هذا وقد أعلنت وزارة الزراعة في مايو 2020 و تحت ظلال جائحة كوفيد – 19 و التهديدات المتلاحقة لخطوط الإمداد العالمية عن خطط لإنتاج المزيد من الغذاء محليًا ، ومع ذلك فإن هذه الاستراتيجية باءت بالفشل لسوء الحظ. وكانت وزارة الزراعة قد وضعت خطة لزيادة إنتاج القمح المحلي بحلول عام 2025 لدعم المزارعين في زراعة البقوليات و مع ذلك لم تؤت هذه السياسات ثمارها حتى الآن. وحول هذا الموضوع كشف مصدر داخل الوزارة لـ “البديل” أن إنتاج الحبوب والبقوليات لم يرتفع بشكل ملحوظ. وألقى المخبر باللوم على ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية بالنسبة للمزارعين ، إلى جانب أزمة الوقود التي أصابت البنية التحتية الزراعية بالشلل.

Source: FAOSTAT; Reuters

ماذا بعد؟

أوضح سعادة أنه في حال عدم توفر القمح الأوكراني والروسي فإن لبنان سوف يلجأ الى “الخطة ب” مما و بلا شك سوف يلقي بثقله على لبنان الذي يعاني من ضائقة مالية. وأضاف سعادة “إذا لم نستورد من الولايات المتحدة أو الأرجنتين أو أستراليا ، فذلك لأن قمح البحر الأسود أرخص بكثير”. في عام 2020 ، جاء 0.4٪ فقط من القمح اللبناني من أستراليا ، في حين لم تصل أي شحنات أرجنتينية أو أمريكية.

لا يمكن أن تأتي الحاجة المفاجئة لشراء قمح أجنبي باهظ الثمن في لحظة أسوأ من هذه. خصوصا مع اعتماد مطاحن الدقيق الخاصة على إعانات مصرف لبنان لتغطية تكاليف الشحن. ومع ذلك خصوصا مع التأخر المتزايد لمصرف لبنان في توفير الدعم لمستوردي القمح الذين يعانون بالفعل من ارتفاع تكاليف الاستيراد و الانخفاض الهائل في قيمة الليرة اللبنانية.

نظرًا لقرب بلدان البحر الأسود من لبنان، قدم القمح الأوكراني والروسي بعض الراحة للمستوردين حيِث مكنهم ذلك من شراء شحنات قمح صغيرة نسبيًا ناهيك عن بهاظة سعر التكلفة في حال تم استيرادها من أماكن بعيدة مثل أستراليا والأرجنتين حيث سوف يستغرق هذا البديل الباهظ بعضاً من الوقت ، مما سيؤخر إعادة إنشاء احتياطي الحبوب الاستراتيجي في لبنان ناهيك عن المدة الزمنية اللازمة والتي قد تستغرق شهرين لتصل إلى الشواطئ اللبنانية.

ماذا عن البقوليات؟

يعتمد لبنان بشكل كامل على الاستيراد بشكل مباشر، خصوصا مع غياب تعزيز الأمن الغذائي او زيادة الإنتاج المحلي، استنادًا إلى أحدث الأرقام ، يساهم المزارعون اللبنانيون بنسبة 18٪ فقط من إجمالي إمدادات القمح في البلاد. و من الجدير بالذكر ان معظم القمح المنتج محليًا هو القمح الصلب ، وهو أكثر فائدة لصنع المعكرونة من الخبز.

لا يمكن للبنان أبدًا منافسة عمالقة سوق القمح مثل أوكرانيا وروسيا ، اللتين تستفيدان من الأراضي الزراعية المترامية الأطراف و صاحبة الحجم الهائلة. ومع ذلك ، يتفوق المزارعون اللبنانيون في إنتاج محاصيل استراتيجية أخرى – مثل البقوليات والفاصوليا – التي يمكن أن تعزز الاحتياطات الغذائية الطارئة. على الرغم من المزايا الطبيعية التي يتميز بها لبنان إلا أنه يعتمد منذ فترة طويلة على استيراد البقول من الخارج. حيث ان نسبة الإنتاج لم تتجاوز (5٪) من إنتاج الفول في البلاد في عام 2020 ،مما زاد الاعتماد على أستراليا (48٪) والمملكة المتحدة (28٪).

هذا وقد أعلنت وزارة الزراعة في مايو 2020 و تحت ظلال جائحة كوفيد – 19 و التهديدات المتلاحقة لخطوط الإمداد العالمية

عن خطط لإنتاج المزيد من الغذاء محليًا ، ومع ذلك فإن هذه الاستراتيجية باءت بالفشل لسوء الحظ. وكانت وزارة الزراعة قد وضعت خطة لزيادة إنتاج القمح المحلي بحلول عام 2025 لدعم المزارعين في زراعة البقوليات و مع ذلك لم تؤت هذه السياسات ثمارها حتى الآن. وحول هذا الموضوع كشف مصدر داخل الوزارة لـ “البديل” أن إنتاج الحبوب والبقوليات لم يرتفع بشكل ملحوظ. وألقى المخبر باللوم على ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية بالنسبة للمزارعين ، إلى جانب أزمة الوقود التي أصابت البنية التحتية الزراعية بالشلل.

الأوقات العصيبة

كشفت الأزمة في أوكرانيا عن كارثة لبنانية أخرى من غياب احتياطيات كافية من القمح والحبوب الأخرى أو أي محصول استراتيجي آخر يمكن أن يعمل كبديل. خصوصا مع غياب أي تجديد للموارد فان مخزون القمح الحالي في البلاد لا يمكن أن يدوم لأكثر من ستة أسابيع وفقًا للحكومة. حتى لو احتفظ لبنان بالمزيد من المحاصيل فإن الحكومة لن تستطيع أن توفر أي وحدات لتخزينها ، وبدلاً من استبدال صوامع مرفأ بيروت ، اختلف أمراء الحرب الطائفيون حول التحقيق في الانفجار مجددا ، و تستمر الحكومة حتى هذه اللحظة بتوظيف التحقيق القضائي كذريعة لفشلها في توفير احتياطي الحبوب الاستراتيجي في لبنان.

باختصار أن المزيد من المماطلة ليست خيارًا إذا كان لبنان يأمل في استعادة ما يشبه الأمن الغذائي. “إذا قررنا بناء الصوامع اليوم ، فسوف نحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل” ، كما توقع مصدر قطاع الحبوب مخاطبا ل البديل.

 و في الختام ، تتطلب أزمات لبنان العديدة حلولاً طويلة الأمد ، وتشمل هذه القضايا الشائكة من بين أمور أخرى ، حل الأزمة الاقتصادية وبناء شبكة نقل عام قابلة للحياة على الصعيد الوطني و الاحتفاظ باحتياطي حبوب استراتيجي والذي يتطلب ببساطة الاحتفاظ بكمية محددة من الطعام في منشأ تخزين ، وغيرها من الأمور.

المواضيع ذات الصلة