ما وراء الرصاص والقنابل: العدد الكامل للضحايا في غزة

في حال إحصاء الوفيات غير المباشرة، فمن المرجح أن إسرائيل مسؤولة عن 200 ألف حالة وفاة في غزة
سبنسر أوسبرغ

21 آب، 2024

لقد تجاوز الهجوم الإسرائيلي على غزة الآن رسمياً العتبة المروعة الأخيرة – أي أربعين ألف فلسطيني، لكن إحصاء الذين قتلوا في أعمال عنف مباشرة لا يمثل سوى جزء بسيط من الخسائر البشرية.

أشارت دراسة نشرتها الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم سنة 2017 أن “معظم الضحايا المدنيين في الحرب لا يقتلون نتيجة التعرض المباشر للقنابل والرصاص… بل تدمير أساسيات الحياة اليومية بما فيها الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية.”

وقد تم تطبيق هذا الفهم الأوسع لضحايا الصراع على غزة في دراسة أخرى نُشرت شهر تموز الماضي في مجلة “لانسيت” وهي إحدى المجلات الطبية الرائدة في العالم. وجدت الدراسة أنه حتى ذلك الوقت، فمن المعقول أن الحملة العسكرية الإسرائيلية مسؤولة عن مقتل حوالي 186 ألف شخص. 

مقابل كل شخص قُتل نتيجة العنف المباشر في الحروب الأخيرة، توفي ثلاثة إلى 15 آخرين بسبب عوامل ثانوية ناجمة عن الصراع.

لحساب هذا العدد، بدأ الباحثون بحوالي 37,400 حالة وفاة مباشرة أكدتها السلطات الصحية في غزة حتى 19 حزيران، وهي إحصاءات تعتبرها أجهزة المخابرات الإسرائيلية نفسها موثوقة. اعتمد مؤلفوا الدراسة على مسح للنزاعات المسلحة على مدى العقود الماضية والتي أظهرت أن نسبة الوفيات المباشرة إلى الوفيات غير المباشرة كانت تقريباً بين واحد إلى ثلاثة وواحد إلى خمسة عشر. 

بعبارة أخرى: مقابل كل شخص قُتل نتيجة العنف المباشر في الحروب الأخيرة، توفي ثلاثة إلى 15 آخرين بسبب عوامل ثانوية ناجمة عن الصراع، أبرزها الأمراض التي يمكن الوقاية منها والجوع وفقدان الوصول إلى الرعاية الصحية والمأوى والغذاء ومياه الشرب النظيفة. وللوصول إلى تقديرهم للعدد الكلي للوفيات، افترض الباحثون في مجلة “لانسيت” نسبة متحفظة إلى حد ما تبلغ 4 وفيات غير مباشرة لكل حالة وفاة من العنف المباشر – أي 37400 حالة وفاة مباشرة تضاف إلى 149600 حالة وفاة غير مباشرة في غزة.

ففي أول 200 يوم فقط من الهجوم، كان عدد القنابل التي ألقتها القوات الجوية الإسرائيلية فوق كل كيلومتر مربع على غزة يعادل 20 مرة أكثر من العدد التي أسقطته الولايات المتحدة على كل كيلومتر مربع في فيتنام خلال تسع سنوات من الحرب.

والجدير بالذكر أنه في حين أدى هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023 إلى مقتل أكثر من ألف شخص، فإن نسبة الضحايا المباشرة إلى غير المباشرة لا تنطبق بالنظر إلى أن الإسرائيليين بشكل عام لم يُحرموا من ضروريات الحياة لأي فترة طويلة تذكر.

أما في غزة، فتعتبر النسبة (أربعة إلى واحد) متواضعة بالنظر إلى أن القوات الجوية الإسرائيلية أخضعت غزة لأعنف حملة قصف جوي في التاريخ. ففي أول 200 يوم فقط من الهجوم، كان عدد القنابل التي ألقتها القوات الجوية الإسرائيلية فوق كل كيلومتر مربع على غزة يعادل 20 مرة أكثر من العدد التي أسقطته الولايات المتحدة على كل كيلومتر مربع في فيتنام خلال تسع سنوات من الحرب، والتي كانت أكثف حملة قصف في التاريخ آنذاك وتفوق بحد ذاتها القصف الذي تم خلال الحرب العالمية الثانية. فإن القصف الجنوني في غزة ترك معظم مبانيها تالفة أو مدمرة، وسبب نزوح 80% من السكان وتكرار النزوح مرات عديدة في كثير من الحالات.

كما قام الجيش الإسرائيلي بحصار شامل ومنع دخول معظم المواد الغذائية والمياه والوقود والكهرباء والإمدادات الإنسانية والطبية من دخول القطاع منذ 7 تشرين الأول. واليوم ترك هذا ما يقرب من نصف مليون من سكان غزة يواجهون مستويات “كارثية” من انعدام الأمن الغذائي وفقا للأمم المتحدة، وفي ظل معاناة أكثر من 1.6 مليون شخص من التهابات الجهاز التنفسي الحادة واليرقان والإسهال، فإن 20 من أصل 36 مستشفى في القطاع غير صالحة للعمل، والباقي “يعمل جزئياً.”

فإن مقتل 40 ألفاً من سكان غزة بوسائل عنيفة يعني أن إجمالي الوفيات نتيجة الحملة الإسرائيلية قد يتجاوز الـ 200 ألف – أي 9 بالمئة من سكان غزة قبل الحرب.

يتجلى تأثير فقدان الوصول إلى الرعاية الصحية بأوضح صوره في حالة النساء الحوامل في غزة، اللاتي يقدر عددهن بخمسين ألف حين بدأت الحرب. فقد أجهضت العديد منهن، أو ولدن أجنة ميتة أو واجهن عمليات قيصرية بمعدات غير مطهرة و بدون مخدر، بينما تتزايد أعداد المواليد الجدد الذين يموتون ببساطة بعيد ولادتهم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لأن الأمهات الجائعات يلدن أطفالاً يعانون من نقص خطير في الوزن.  

فإن الحملة الإسرائيلية في غزة – والتي اتهمتها أكبر محكمتين دوليتين في العالم بالإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية وبدأت بإجراءات ضد الدولة الإسرائيلية وقادتها – استمرت بلا هوادة منذ أن نشرت مجلة “لانسيت” دراستها. ومع عدم وجود سبب للاعتقاد بأن نسبة (أربعة إلى واحد) من الوفيات غير المباشرة إلى الوفيات المباشرة قد انخفضت، فإن مقتل 40 ألفاً من سكان غزة بوسائل عنيفة يعني أن إجمالي الوفيات نتيجة الحملة الإسرائيلية قد يتجاوز الـ 200 ألف – أي 9 بالمئة من سكان غزة قبل الحرب.

ادعى الجيش الإسرائيلي في آب أنه قتل 17 ألفاً من مقاتلي حماس. وبينما لم تعلق حماس على هذا الرقم فإنها قالت أن التصريحات الإسرائيلية السابقة ضخمت خسائر حماس بأكثر من الثلثين. وبغض النظر عن أيهما أقرب إلى الحقيقة، فإن ما يوضحه هذا الرقم هو أن المقاتلين يشكلون جزءاً صغيراً من إجمالي الـ 200 ألف حالة وفاة التي تتحمل إسرائيل المسؤولية عنها. 

ولوضع عدد القتلى في غزة ضمن سياق الفظائع التاريخية، يجب التذكر أن معسكر الإبادة الأول الذي أنشأه النازيون بالقرب من خيلمنو في بولندا التي كانت تحتلها ألمانيا، قام بإبادة ما لا يقل عن 172 ألف مدني، في حين أن القنابل النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على اليابان خلال الحرب نفسها، تشير التقديرات إلى أن آثارها الإشعاعية قد قتلت أكثر من 210 ألف شخص.

فمن المعقول الافتراض أن عدد الأطفال الذين ستكون الحملة الإسرائيلية على غزة مسؤولة عن قتلهم يزيد عن 82 ألف طفل فلسطيني.

ولعل الأكثر مأساوية هو أن أرقام وزارة الصحة في غزة تظهر أنه من بين 40 ألف حالة وفاة مباشرة تم الوصول إليها بحلول شهر آب، فإن 41 بالمئة كانوا أطفالاً تقل أعمارهم عن 18 عاماً. ويميل الأطفال عموماً إلى التأثر غير المتناسب بالنزاعات المسلحة. وبالتالي فمن المرجح أن تكون نسبة الوفيات غير المباشرة ضمن هذه الفئة العمرية أكبر منها لعامة السكان. ومع ذلك، وباعتماد نسبة (أربعة إلى واحد) لمجلة “لانسيت” كخط أساس، فمن المعقول الافتراض أن عدد الأطفال الذين ستكون الحملة الإسرائيلية على غزة مسؤولة عن قتلهم يزيد عن 82 ألف طفل فلسطيني.

لفهم هذا العدد بشكل أفضل، فإن ثلاثة أطفال واقفين جنباً إلى جنب ممسكين بأيديهم سيبلغ عرضهم متراً تقريباً. وبالتالي يشكل نحو 82 ألف طفل جنباً إلى جنب خطاً يزيد طوله عن 27 كيلومتراً. فإن شخص واقف على سهل منبسط سيرى ذلك الصف من الأطفال الموتى يمتد إلى الأفق وما بعده. وعلى هذا الشخص المشي لمدة خمس ساعات ونصف للوصول إلى نهاية الخط. وتستغرق هكذا رحلة أكثر من 15 دقيقة في سيارة بسرعة 100 كيلومتر في الساعة. 

وهذه الأرقام تنطبق ما إذا انتهت الحرب في غزة اليوم. لكن حتى كتابة هذه السطور، لا تزال إسرائيل تقصف غزة وتمنع سكانها من الوصول إلى ضروريات الحياة، وبالتالي تضمن استمرار طابور الجثث الممتد أبعد فأبعد.  

 

سبنسر أوسبيرج محرر أول في البديل.  

المواضيع ذات الصلة