تتجه الحركة الإصلاحية العلمانية في لبنان نحو الانتخابات البرلمانية لعام 2026 بخطة عمل مترهّلة. فالزخم الذي أطلقته انتفاضة 2019 أفضى إلى مكاسب انتخابية محدودة في عام 2022 دون أن يترجم إلى قوة تنظيمية قادرة على بناء نفوذ سياسي مستدام. واليوم تجد القوى التقدّمية نفسها أمام خيار مفصلي: إمّا أن تستثمر الانتخابات المقبلة كمنصّة لإعادة البناء من القاعدة الشعبية، وإمّا أن تخاطر بخسارة المساحة التي انتزعتها داخل النظام الطائفي الراسخ.
الفوز بالمقاعد، وخسارة الأرض
يساعد مسار الحركة على تفسير هذا المأزق. فقد بدأت القوى العلمانية تكتسب زخماً متجدّداً في عام 2011 حين دعت الاحتجاجات المتأثرة بالربيع العربي إلى إصلاحات جذرية في النظام الطائفي اللبناني. وتواصل الزخم خلال العقد اللاحق إلى أن بلغ ذروته مع انتفاضة تشرين الأول 2019. ثم في 2022 انتقل النشطاء من الشارع إلى صناديق الاقتراع، ففازوا بثلاثة عشر مقعداً نيابياً تحت راية «كتلة التغيير». غير أنّ المنظّمين تراجعوا بعد الانتخابات عن العمل القاعدي، تاركين للنواب الجدد مهمّة قيادة الحركة. وقد دخل معظم التغييريين إلى البرلمان دون أن يمتلكوا بنى حزبية أو شبكات محلية أو خبرة سياسية تمكّنهم من صياغة أجندة إصلاحية متماسكة.
اعتُبر تعيين نواف سلام رئيساً للحكومة مطلع عام 2025 دفعةً رمزيةً للقوى الإصلاحية العلمانية، لكنه لم يترجم إلى تعزيز فعلي لحضورها على الأرض. فسلام، وهو قاضٍ مرموق وناقدٌ قديم للنظام الطائفي، يستمد شرعيته من خبرته التكنوقراطية ومكانته الدولية، دون أن يخوض أي استحقاق انتخابي أو يبني قاعدة شعبية خاصة به. ومع تصاعد الاستقطاب الطائفي، تلاشى إلى حدٍّ كبير الدعم الشعبي الذي حمل مرشّحي «كتلة التغيير» إلى البرلمان عام 2022. والانتخابات البلدية الأخيرة وثّقت هذا التراجع، إذ شكّلت نتائجها – باستثناء بعض المناطق في جبل لبنان – نكسة واضحة للمرشحين العلمانيين.
