آمال متداعية لتحقيق العدالة ،،المجتمع الدولي لا يزال صامتاً مع سقوط صوامع بيروت.

آمال متداعية لتحقيق العدالة ،،المجتمع الدولي لا يزال صامتاً مع سقوط صوامع بيروت
أليكس راي

3 آب، 2022

رافقت الفترة التي سبقت الذكرى السنوية الثانية لانفجار ميناء بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 ذكريات صعبة تزاحم الفوضى التي ألحقها قادة لبنان بمواطنيه، خصوصاً مع الانهيار البطيء لصوامع الحبوب الرمزية في الميناء خلال عطلة نهاية الأسبوع، مما دفع بالعديد من اللبنانيين لحزم أمتعتهم خوفاً من صدمات نفسية جديدة، بينما يقاتل الناس بعضهم البعض من أجل الخبز في أماكن أخرى من البلاد.

لقد نجحت الطبقة السياسية اللبنانية من وراء الكواليس بالتدخل في تحقيق القاضي طارق بيطار بما يكفي للحد من تأثيره، ويشكل هذا الحرمان من العدل إهانة أخرى فوق الإصابات الجسدية والنفسية العميقة التي تعرض لها اللبنانيون في أزمة متعددة الطبقات تتطلب تدخلاً عاجلاً من جانب جهات دولية فاعلة مستقلة.


ووصف قرار البرلمان الأوروبي أزمة لبنان بأنها “كارثة من صنع الإنسان سببها حفنة من الرجال عبر الطبقة السياسية الحاكمة”، كما وصفها البنك الدولي بأنها “كساد متعمد”. وقالت الأمم المتحدة إن: “القادة السياسيين والماليين مسؤولون عن إجبار معظم سكان البلاد على الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان”، وقد أدت الأزمة إلى زيادة الوفيات والمعاناة على مستوى السكان، مما يشكل تهديداً لأزمة لاجئين أخرى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

إن النفوذ السياسي المتشابك داخل القضاء اللبناني يحد من إمكانية إجراء تحقيق مستقل في الانفجار، وتحقيق العدالة لأسر الضحايا، والناجين، وأولئك الذين تضررت منازلهم أو دمرت. لقد أدى التأثير السياسي الخبيث للنخب اللبنانية إلى خنق الجهود على جميع المستويات، وأثبت أنه لا يمكن الوثوق بالسلطات المحلية لإجراء تحقيقها الخاصة.

وعلى الرغم من النداءات العديدة الموجهة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من قبل أسر الضحايا والناجين والمدافعين القانونيين المطالبة بإجراء تحقيق مستقل، وقرار البرلمان الأوروبي الذي يدعو إلى إجراء تحقيق مماثل، فإن المجتمع الدولي لا يزال غائباً عن مزاعمه لدعم كرامة الشعب اللبناني من خلال المساءلة والعدالة.

وعلى اعتبار أن المجتمع الدولي الجهة الفاعلة الوحيدة المتبقية لفرض التغيير على الطبقة الحاكمة الراسخة في لبنان، فإنه لم يتخذ حتى الآن أي خطوات تدعم موجة الخطابات النارية التي أعقبت انفجار بيروت، وفي الواقع، لقد ساعدت الرسائل المختلطة لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات بشكل غير مباشر في إعادة إضفاء الشرعية على الطبقة السياسية.

لا يزال إطار عقوبات الاتحاد الأوروبي على لبنان غير فعال بسبب الأصوات المعارضة من الحلفاء السياسيين للنخبة الحاكمة اللبنانية في المجر والنمسا وبولندا، ويتحمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً مسؤولية كبيرة بالتخلي عن الموقف الجريء الذي اتخذه بعد الانفجار.


كما أن إطار العقوبات لم يكن مرتبطاً أبداً بالمساءلة عن الانفجار، مما يعني أن إجراء انتخابات غير نزيهة واتخاذ خطوات إصلاح سطحية كان ليخلص الطبقة السياسية من أي عقوبات تتعلق بتدخلها في التحقيق.

يحتاج لبنان إلى أكثر من الخطابات والإصلاحات العاجلة مقابل الحصول على التمويل للخروج من هذه الدوامة، حيث إن لبنان بحاجة إلى تحقيق دولي في انفجار الميناء، كي لا يتكرر ما شهدنا سابقاً خلال المحكمة الخاصة و المسيّسة التي طال أمدها في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري (1944 – 2005).

وفي السياق الجيوسياسي المتنازع عليه بشدة في لبنان، سيشكل إجراء تحقيق مسيّس وقوي بما يكفي لفرض نتائجه تحدياً كبيراً، ويمكن القول إن المسار الواضح هو المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي في هولندا، والمتمثلة بولاية المحكمة الجنائية الدولية في العمل كمحكمة الملاذ الأخير لمحاكمة الأفراد على الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب عندما تكون السلطات القضائية المحلية لأي سبب من الأسباب غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك.

ومع ذلك، لا تزال العدالة الدولية في مهدها، وحتى المحكمة الجنائية الدولية ليست محصنة ضد التسييس، فقد رفضت القوى العالمية الكبرى الاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، حتى أن واشنطن حذرت هولندا من أن أي قضية ضد الولايات المتحدة قد تثير عملاً عسكرياً.

إن الدروس المستفادة من الطريقة التي تم بها حل الحرب الأهلية في لبنان (1975 – 1990) تظهر أن “السيناريو غير المنتصر أو المهزوم” الذي لا يُحاسب فيه أحد، هو مجرد وصفة للمعاناة الممتدة ويمنع فرص الشفاء الجماعي.

كان رد الشعب اللبناني على انفجار 2020 أحد أقوى مظاهر الوحدة الوطنية والتضامن عبر الخطوط الطائفية في تاريخ البلاد، ويقدم فرصة حيوية لإعادة ضبط معايير مساءلة الحكومة، إذ إن الوقت قد حان الآن لكي يختار المجتمع الدولي أي سيناريو يمثله حقاً: الضغط من أجل التغيير والعدالة، أو الوقوف جانباً والسماح للحكومات بتعذيب سكانها من خلال الإهمال.

المواضيع ذات الصلة