قضايا أساسية تتعلق بالإسكان في لبنان.

"نجبر الناس على العيش في خطر باسم الممتلكات الخاصة"

كونور كانسو

20 تموز، 2022

أدى انهيار مبنى من أربع طوابق في حي باب التبانة في طرابلس في 26 يونيو (حزيران) الماضي إلى مقتل جومانا ديكو البالغة من العمر أربع سنوات، بالإضافة إلى إصابة عدد آخر، من بينهم والدة الضحية لينا كامون التي انتشلت من تحت الأنقاض.

لقد أكدت هذه المأساة مخاوف الجيران من أن يكون منزلهم هو التالي، حيث تظهر بوضوح علامات الفشل الهيكلي مثل الشقوق الشديدة على العديد من المباني في الحي الذي يعاني من فقر مدقع، إذ وجد تقرير خاص بموئل (المستوطنات البشرية) الأمم المتحدة أن 10.9% من المباني في باب التبانة معرضة لخطر الانهيار.

وكان لهذا الانهيار أن دفع بلدية طرابلس بالطلب من السكان إخلاء المنطقة، ومع ذلك، وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة بسلامتهم، فإن الافتقار إلى خيارات الإسكان الميسور التكلفة يجعل من المستحيل تقريباً الامتثال لمثل هذه المطالب، حيث تعد طرابلس ثاني أكبر المدن في لبنان، وهي واحدة من أفقر المدن في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وقالت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، أنديرا الزهيري، إن: “هناك أكثر من أربعة آلاف مبنى معرض لخطر الانهيار في مختلف أنحاء مدينة طرابلس”، وتشمل هذه المباني المعرضة للخطر معظم العقارات الواقعة تحت قوانين الإيجار القديمة،.

ونظراً لعدم وجود تعداد رسمي فإن الأرقام التي قدمتها الزهيري ليست سوى تقديرات، ومع ذلك، فإنه من المؤكد أن العديد من المباني في البلاد تعاني من إخفاقات هيكلية.

كما صرحت أستاذة الدراسات الحضرية والمؤسس المشارك لمختبر المدن بيروت في الجامعة الأميركية في بيروت، منى فواز، بالقول إنه: “لم يكن لدى لبنان سياسة إسكان لدعم المواطنين ذوي الدخل المنخفض على مدى الـمائة سنة الماضية”، وتابعت مضيفة أنه: “في الوقت نفسه، استثمرت بنشاط في نموذج اقتصادي شجع المضاربة على العقارات والأراضي، الأمر الذي أثر على تكلفة السكن“.

ولأخذ العلم فإن الانهيار الاقتصادي المستمر الذي أغرق 80% من السكان في الفقر قد أدى إلى تفاقم أزمة الإسكان، حيثُ أشارت فواز في حديثها إلى أنه: “كلما طُرد [السكان أصحاب الدخل المنخفض]، لا سيما بسبب ممارسات المضاربة، فإن ذلك يدفعهم إلى العيش في ظروف مادية صعبة، بما في ذلك المباني المكتظة وغير الآمنة“.

حجر تلو الآخر

تتقاسم البلديات وأصحاب المباني ونقابة المهندسين ورابطة المهندسين المعماريين مسؤولية ضمان سلامة المباني، حيث تم تكليف النقابة بالموافقة على تصاريح البناء وضمان استيفاء جميع اللوائح،.

ووفقًا لعضو رابطة المهندسين، عماد عامر، فإنه تقع على عاتق المهندس مسؤولية ضمان السلامة الهيكلية للمبنى. ومع ذلك، تم بناء العديد من المباني غير السليمة هيكلياً بشكل غير رسمي أو قبل أن تبدأ رابطة المهندسين تنظيم القطاع في عام 1951.

وقالت فواز موضحة إن: “البلدية لديها تفويض يضمن حماية أصحاب العقارات والسلامة العامة، وإذا لم يلتزموا بذلك، فلديها تفويض لبسط سيطرتها وتوجيه الاتهام إليهم”، وأضافت بأنه: “مع ذلك، فهي لا تفعل ذلك أبداً، إذ إن الملاك أيضاً مكلفون بصيانة المباني، خصوصاً المتعلقة بإصلاحات السلامة، لكن الكثيرين لا يفعلون ذلك“.

ووفقاً للزهيري فإن تطبيق لوائح السلامة يكاد يكون مستحيلاً على مالكي العقارات، حيث لا يزال العديد من السكان ينتفعون من قانون الإيجار القديم في لبنان، ويدفعون الإيجار بأسعار ما قبل الحرب الأهلية.

مشيرةً إلى أنه: “يدفع بعض المستأجرين حوالي مائة ألف ليرة لبنانية سنوياً، وهو ما يساوي نحو ثلاثة دولارات في يومنا الراهن، وبناء على ذلك لا يستطيع المالكون إجراء الإصلاحات اللازمة“.

ويرى رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء، مارون حلو، أنه يمكن القول إن قضية السلامة أسوأ في القرى اللبنانية،.

ويوضح ذلك بالقول: “أستطيع إن أخبرك أن هذا العمل [تنفيذ لوائح السلامة] في بيروت يأخذ دائماً على محمل الجد من قبل السلطات، ولكن في القرى، حيث يوجد قدر أقل من الاحتراف، يمكن أن تحدث حوادث [سلبية]”.

غالباً ما يتم تقسيم المجتمعات ذات الدخل المنخفض إلى عقارات موجودة عند التوسع، حيث يضطرون إلى التراكم عن طريق إضافة أرضيات في الأعلى، مع الافتقار إلى التصاريح المناسبة والدعم التأسيسي المطلوب، ويحدث هذا في المستوطنات الحضرية غير الرسمية التي تأوي المجتمعات ذات الدخل المنخفض في العادة، على الرغم من أنه يمكن أن يؤثر ذلك على الأحياء ذات الدخل المتوسط أيضاً.

فقد أشارت فواز إلى مبنى “مار مايكل” سيء السمعة في بيروت كمثال على ذلك، والذي انهار بعد انفجار ميناء بيروت، فقد كان المبنى يضم طابقين إضافيين مبنيين في الأعلى دون دعم تأسيسي مناسب.

أزمة على شكل كتل سكنية

كان حجر الزاوية في النموذج الاقتصادي اللبناني بعد نهاية الحرب الأهلية هو جذب رأس المال الأجنبي، وهو الذي اعتبر لاحقاً بيتاً مالياً للورق، وقد شمل ذلك سن الحكومة قوانين تفضّل المطورين العابرين للحدود على سكان المدينة.

وبحسب فواز، فإن تهميش المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمتوسط هو نتيجة “نموذج اقتصادي يشجع المضاربة”، والذي يرى الناس يشترون العقارات ويحتفظون بها على أمل أن يرتفع السعر دون أي اعتبار للقيم الاجتماعية.

عندما لا يتمكن السكان ذوي الدخل المنخفض من تحمل تكاليف المساكن الآمنة، فإنه يتعين عليهم العثور على سكن في مكان آخر، وبالنظر إلى أن معظمهم يعملون في المناطق الحضرية بسبب الافتقار إلى وسائل النقل العام الميسورة التكلفة، فإنهم يضطرون إلى البحث عن ملاذ في مساكن حضرية متداعية.

وفي الوقت نفسه، فإن معدل شواغر الشقق في بيروت قد بلغ 23% في عام 2019، وقفز الرقم إلى قرابة 50% للشقق الراقية، واعتبر الاقتصاديون أن معدل شغور مباني صحية لسوق الإسكان المؤجر قد بلغ 5%، وعلقّت فواز على ذلك بالقول: “نجبر الناس على العيش في خطر باسم الممتلكات الخاصة“.

يمكن أن يكون للممتلكات الحضرية الشاغرة تأثير سلبي على الاقتصاد، وهذا هو السبب في أن معظم المدن حول العالم تفرض ضرائب على المباني الشاغرة، ووفقاً للاستثنائية اللبنانية، فإن العقارات الشاغرة في لبنان تعفى من الضرائب، إذ إن فرض مثل هذه الضرائب من شأنه أن يشجع أصحاب العقارات في لبنان على خفض الإيجارات، مما يؤدي إلى خيارات سكنية أكثر أماناً وبأسعار معقولة.

إن سكان بيروت على دراية كبيرة بمشهد المباني الشاهقة الفارغة والمشاريع الإنمائية غير المكتملة جنباً إلى جنب مع المباني السكنية غير الآمنة والمكتظة، فقد حرقت في الذاكرة الجمعية اللبنانية إعادة بناء منطقة وسط بيروت من قبل شركة سوليدير، وأصبح وسط المدينة الذي كان مزدحماً في يوم من الأيام مدينة أشباح للمشاريع العقارية الفارغة أو غير المكتملة ومواقف السيارات.

تحطيم حجر الأساس

في الوقت نفسه، هناك تهديد أكثر إثارة للقلق وتدميراً تحت الأرض، حيث يقع لبنان على حدود صفيحة نشطة تُعرف باسم نظام “صدع البحر الميت”، وقد تم تحديث معايير سلامة المباني لتشمل مقاومة الزلازل.

وأشارت فواز في حديثها إلى أنه: “مع ذلك، لا أحد يفرضها، أو لا أحد تقريبًا”، وأضافت بأن: “هذا مأساوي لأننا على خطأ فادح”، إذ إنه في حالة وقوع زلزال فإن عدد الضحايا سيكون كارثياً بلا شك.

وختمت فواز حديثها بالقول: “لا أرى حلاً [لأزمة الإسكان في لبنان] قبل إحداث تحول خطير في النظام السياسي اللبناني”، ومضت بالقول مشيرة إلى إن: “الجهات الفاعلة في الحكومة اتخذت تلك القرارات لتشجيع المضاربة، والتي تعمل أيضاً خارجها إما لتمويل أو تطوير الأراضي“.

[1] اليونيسف، 2018، “ملف حي القبة”، على الإنترنت على: https://www.unicef.org/lebanon/media/631/file/Lebanon-report-3-qobbeh.pdf

[2] مختبر بيروت الحضري، “مدينة للبيع”، على الإنترنت على: https://www.beiruturbanlab.com/en/Details/612/beirut%E2%80%99s-residential-fabric

[3] مايك جيدال ، إيوان فويكو ، مركز فورمان للعقارات والسياسة الحضرية ، 2005 ، “الاتجاهات الحديثة في توافر السكن والقدرة على تحمل تكاليفه في مدينة نيويورك” ، على الإنترنت على: https://furmancenter.org/files/sotc/SOC2005_RecentTrends_000.pdf

المواضيع ذات الصلة