الماضي الجميل.. خطط شركات الشحن العالمية والساسة اللبنانيون لميناء بيروت

يبدو أن العقد الخاص بتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت لمدة تبلغ 10 أعوام ليس سوى مجرد بداية لمحو ذاكرة جماعية للعودة للوضع الراهن.
أليكس راي,أليكس راي

أبريل 4, 2022

تصدّرت المأساة اللبنانية عناوين الصحف العالمية تحت ظل واقع مثير للقلق عندما انفجر أكثر من ألفي طن من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في أغسطس (آب) من عام 2020، وطالما كان ميناء بيروت لعقود من الزمن مرتعاً للنشاط الإجرامي وعدم الكفاءة الفادحة، سمح خلالها الفساد المستشري باستنزاف الأرباح المالية للميناء، مما أدى إلى إثراء السياسيين وأعوانهم على حساب المجتمع، وبالإضافة إلى ذلك أدت قرارات التخطيط الحضري الكارثية إلى عزل مرفأ بيروت عن المدينة وإنشاء طريق سريع متعدد المسارات، علماً أنه منذ أغسطس (آب) من عام 2020 لا تزال المباني كما هي، محطمة وغير مرممة.

حيثُ تم الإعلان عن خطة إعادة التطوير برعاية مجموعة البنك الدولي في فبراير (شباط) من العام 2022، والتي بدورها يمكن أن تحول ميناء بيروت إلى قوة اقتصادية ومساحة مجتمعية نابضة بالحياة، ولكن للأسف تشير الدلائل المبكرة إلى أن التخطيط والإصلاحات التنظيمية المقترحة ترسخ نفس الإدارة والممارسات الفاسدة التي جلبت الميناء إلى أدنى مستوى له حتى هذه اللحظة. 

ما على المحك!

ستساعد خطة إعادة تطوير الميناء المقترحة في تشكيل أفق مالي واجتماعي للمدينة في المستقبل، حيث يمكن لمرفأ بيروت أن يلعب دوراً حاسماً في دفع لبنان للتعافي من الأزمة الاقتصادية الحالية غير المسبوقة، هذا إن لم يجد الفساد طريقه إلى المرفأ مرة اخرى، وتبلغ السعة الكاملة للميناء 1.4 مليون حاوية مكافئة لـ20 قدمًا (TEU)، والتي تمنح بيروت سعة الشحن البحري نفسهالميناء حيفا، المنافس الرئيسي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأكثر من ضعف سعة ميناء اللاذقية، علماً أنه إذا تم جمع قدرته بميناء طرابلس فإن سعته المتوقّعة ستصل إلى نحو 1.3 مليون حاوية، ويبقى الشحن عبر الموانئ اللبنانية خياراً جذاباً لشركات الشحن في البحر الأبيض المتوسط، حيث تُقدر الإيرادات من شحن الحاويات وحدها عبر مرفأ بيروت الذي يعمل بشكل جيد بنحو 175 مليون دولار أميركي سنوياً. 

كما يبدو أن الموقع الجغرافي للبنان مناسب للاستفادة من تزايد التجارة مع البلدان الداخلية في المنطقة من خلال إعادة إعمار سوريا في نهاية المطاف، على سبيل المثال لا الحصر، ومن الممكن أن تخلق تلك الفرص التجارية المزيد من فرص العمل ومصادر الدخل للأسر اللبنانية، خاصة إذا ضغط المجتمع الدولي اتجاه إدارة شفافة للإيرادات وحوكمة رشيدة. 

كما يمكن للتخطيط الحضري الأكثر تماسكاً أن يمنح فوائد اجتماعية كبيرة لمدينة بيروت من خلال الاستفادة بشكل أفضل من الموقع المركزي للميناء، تقول سيلفيا يمين، الأستاذة في كلية الهندسة المعمارية في جامعة البلمند الخاصة في لبنان، إن الخطة الرئيسية الجديدة لميناء بيروت يجب أن تركز على “نقل المدينة إلى الماء” من خلال استراتيجيات التخطيط الحضرية المختلفة، وتشمل هذه الاستراتيجيات توفير مساحات غير رسمية للعروض والمناسبات، بالإضافة إلى إنشاء مسارات المشي والمتنزهات، والحفاظ على الهوية المعمارية لمنطقة الميناء، والسماح بمزيد من المساحات الخضراء.

ويمكن من وجهة نظر يمينإ يجاد أنشطة بناء المجتمع التي تحترم وتسهل الوظائف التجارية للميناء، موضحة ذلك بقولها: “يجب إن تشارك الخطة الرئيسية في توظيف الواجهة البحرية الحضرية والصناعية للميناء”، كما نقرا في وصفت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عملية إصلاح إدارة مرفأ بيروت بأنها “اختبار حاسم لإرادة الطبقات السياسية في لبنان” لإجراء إصلاحات واسعة النطاق تعود بالنفع على الاقتصاد اللبناني ورفاهية الشعب اللبناني.

من يقوم بالتخطيط؟

منح البنك الدولي عقد إعداد المخطط الرئيسي والرؤية للميناء إلى كونسورتيوم بقيادة شركتي “خوري للاستشارات اللبنانية”، و”Royal Haskoning DHV” للاستشارات الهندسية الدولية، وكُلف الكونسورتيوم، من بين المهام الأخرى، بإعداد “استراتيجية قطاع الموانئ المثلى التي تخدم المجتمع على أفضل وجه، وتعزز التكامل بين الموانئ والبنية التحتية اللوجستية، وتزيد التجارة، وتعزز القدرة التنافسية للبنان في المنطقة، وتضع البلاد كمحور لوجستي في المنطقة”.  

ومع ذلك، تشير اتصالات البنك الدولي التي اطلع عليها “البديل” إلى أن المجموعة الدولية استثنى واحدة من الشركات الرئيسية “Hamburg Ports Consulting” للتقديم للعطاء على أساس الافتقار إلى “الخبرة والقدرة ذات الصلة”، مع العلم أنها واحدة من أكثر شركات استشارات الموانئ شهرة في العالم، وقد نفذت أكثر من 1700 مشروع متعلق بالموانئ في 130 دولة على مدار 45 عاماً. 

ولأكثر من عام، قام الكونسورتيوم الذي يقوده HPC بإدارة حملة حظيت بدعاية جيدة لإنشاء رؤية لميناء بيروت تستند إلى تنمية المصلحة العامة والإدارة المالية المستقلة والشفافة، بما في ذلك تقييمات مفتوحة المصدر لمسودة الخطة الرئيسية، بالإضافة إلى منصة تدعو إلى مدخلات من المجتمع المدني. 

واقترحت خطة HPC التي تم تقديمها بالفعل للحكومة اللبنانية إعادة تطوير المنطقة عن طريق نقل الكثير من عمليات الميناء الحالية إلى خارج وسط المدينة، حيث كان من المفترض أن يؤدي النقل المقترح إلى نقل القلب التجاري للميناء إلى أماكن قريبة من المناطق الصناعية، مع توفير 50 ألف فرصة عمل إضافية على مدى 10 سنوات من البناء.

بشكل حاسم من المتوقع أن يدر اقتراح HPC 2.5 مليار دولار أميركي من الأرباح، والتي ستدار من قبل ثقة عامة مستقلة بدلاً من الحكومة اللبنانية وسلطات الموانئ الحالية، بيد أن شركتي “خوري للاستشارات اللبنانية” و”Royal Haskoning DHV” لم تفصحا حتى الآن عن أي معلومات حول الفوز بعقد المخطط الرئيسي ولا نواياهم لإشراك المجتمع المدني.

من جانبه شجع البنك الدولي على أن “أفضل ما جاء في المخطط الرئيسي وقانون الميناء هو الحوكمة الجديدة والإجراءات المنفتحة والشفافة”، وحتى تاريخ نشر هذه الورقة لم يذكر البنك الدولي أي تفاصيل خاصة بمجموعات المجتمع المدني التي تنوي الخطة الرئيسية التشاور معها، ولا كيف سيتم إدراج وجهات نظرها وإعطاء الأولوية لها، ولكن عندما قام “البديل” بالاستفسار عن هذه النقطة، أصدر البنك الدولي بياناً يدعي فيه أن “أي شركة لديها المؤهلات المطلوبة وليس لديها تضارب في المصالح مع المهمة سوف يسمح لها بتقديم عطاء، بما في ذلك شركة Hamburg Port Consulting”.

العربة قبل الحصان

 لقد أصبح واضحاً أن البنك الدولي والحكومة اللبنانية ينظران إلى عملية إعادة التنمية بشكل مختلف، وبعد أسبوع واحد فقط من الإعلان الرسمي عن مشروع الإصلاح القانوني والخطة الرئيسية، قام علي حمية، وزير الأشعال العامة والنقل، بمنح شركة CMA-CGM، وهي شركة فرنسية متعددة الجنسيات لها علاقات لبنانية، عقداً لمدة 10 سنوات لتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت، لكن الحكومة اللبنانية عند إبرام هذه الاتفاقية لم تنتظر إكمال الخطة الرئيسية الجديدة أو مسودة وتنفيذ الإصلاحات التشريعية المقترحة، كما لم يكن البنك الدولي مشاركاً في عملية المناقصة لإعادة تطوير محطة الحاويات. 

وحذرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، الجهة التي أجرت دراسة جدوى شاملة لإعادة تطوير موانئ لبنان، من اتخاذ قرارات كبرى دون ترسيخ هيكل حوكمة سليم أولاً، وخلصت دراسة الوكالة الأميركية إلى أن “انتقال (الحكم) قد يستغرق من سنة إلى خمس سنوات، بشرط وجود التزام سياسي قوي” ثانياً.

في تفاصيل تثير الدهشة بشكل خاص، يتم إصدار عقد CMA CGM وإدارته بواسطة هدف مركزي للإصلاحات التنظيمية المقترحة: اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت (GEBP باللغة الفرنسية)، التي تدير مشروع ميناء بيروت منذ عام 1993، على الرغم من كونها مجرد هيئة إدارية مؤقتة إلى أن يتم إنشاء هيئة رسمية للموانئ، حيث أثارت الإدارة المبهمة لـ GEPB والافتقار إلى الشفافية المالية أسئلة جدية على مدى العقود التالية.

ويوضح تقييم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالتفصيل كيف أن بنك GEPB لا يقدم حساباته إلى وزارة المالية للتدقيق، وقد أدرج قروضاً من بنوك التنمية الدولية ضمن إيراداته، بدلاً من معدل محدد لتحويل الأرباح إلى الحكومة، فضلاً عن تمرير GEBP أجزاء غير متوقعة وغير مفسّرة الأرباح.
إيرادات وأرباح وتحويلات ميناء بيروت إلى الخزينة (بملايين الدولارات الأميركية):

المصدر: USAID/TC/GEPB

يخيم الشك على أصحاب المصلحة الآخرين المشاركين في عملية إعادة تطوير مرفأ بيروت، ويظهر أن ثلاث مؤسسات على الأقل من المؤسسات التي ستشكل القانون والمخطط الرئيسي، بما يشمل GEPB وإدارة الجمارك اللبنانية ووزارة الأشغال العامة والنقل، لديها صلات مباشرة بسوء الإدارة المزمن وطويل الأمد للمنشأة، ومن وجهة نظر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإن هيكل الحوكمة الحالي لمرفأ بيروت، والذي يعتبر GEBP مكونًا مركزيًا فيه، يعمل كـ “الصندوق الأسود…”، وهو “مصدر رئيسي للممارسات الفاسدة المشكوك فيها… [و] إساءة استخدام إيرادات الموانئ لمصالح شخصية “.

 ويشير تقييم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أيضاً إلى خبرة القطاع الخاص في “الرشاوى لتفضيل ترخيص بعض مشغلي الموانئ من قبل وزارة الأشغال العامة والنقل”، كما أن إدارة الجمارك متورطة بشدة في سوء الإدارة الذي أدى إلى انفجار 4 أغسطس (آب)، بالإضافة إلى التورط طويل الأمد في الفساد المنهجي والتهرب الضريبي، ووفقاً للتقديرات فإن وزارة الأشغال العامة والنقل كلفت الدولة اللبنانية أكثر من مليار دولار أميركي في عام 2012. 

على الرغم من عدم توقع أن تكون الخطة الرئيسية جاهزة قبل يوليو (تموز) من عام 2022 فإن الوزير حمية صرح علناً بأن: “المخطط الرئيسي للميناء يضع إطاراً للاستثمار الأمثل قبل بدء إعادة الإعمار والذي تقدر كلفته من 500 إلى 600 مليون دولار أميركي، وهو الرقم نفسه لإجمالي إعادة إعمار الميناء الذي قدمه جو دقاق، المدير العام لـCMA CGM في لبنان في سبتمبر (أيلول) في عام 2021، والذي ادعت الشركة أنه يمكن استكماله في غضون ثلاث سنوات. 

ومع ذلك، في بيانه إلذي وصل نسخة منه إلى “البديل”، ادعى البنك الدولي أن “العملية في الوقت الحالي في مراحل مبكرة جداً من التصميم، ولم يتم إجراء أي تخصيص أو التزام مالي على وجه التحديد لأن أعمال المساعدة الفنية المتعلقة بالقانون والرؤية والخطة الرئيسية لا يزال جارياً ولم يتم الانتهاء منه”.

علاوة على ذلك، فإن الوزراء الحاليين الذين يتعاملون مع مشروع إعادة تطوير المرفأ يعملون بصفة مؤقتة، وهو ما تم تطبيقه منذ استقالة حكومة سعد الحريري المنتخبة في أواخر عام 2019، وتثير هذه العوامل شكوكاً خطيرة حول ما إذا كان ينبغي على أصحاب النفوذ هؤلاء البدء في تحديد مستقبل مرفأ بيروت على المدى الطويل قبل الانتخابات النيابية القادمة، والمقرر إجراؤها في 15 مايو (أيار) من العام 2022.

الغائب!

 هناك سبب إضافي للقلق ينبع من أصحاب المصلحة الذين لم يتم استشارتهم بعد كجزء من مشروع إعادة تطوير ميناء بيروت، ووفقاً للبنك الدولي، فإنه سيتم إعداد الرؤية والمخطط الرئيسي بالتشاور والتنسيق الوثيق مع مكتب رئيس الوزراء، وزارة الأشغال العامة والنقل، ووزارت أخرى، بالإضافة إلى إدارة مرفأ بيروت، إدارة الجمارك، غرفة التجارة، محافظة وبلدية بيروت، كما يدعي البنك الدولي أنه سوف يتعامل مع ممثلي المجتمع المدني. 

لكن عندما طُلب من البنك الدولي ترشيح منظمات المجتمع المدني التي ستشارك في عملية التشاور، فإنه لم يقدم أسماء محددة، ويتفهم “البديل” أن البنك الدولي طلب من نقابة المهندسين والمهندسين المعماريين (OEA) إجراء ورش عمل وتقديم إرشادات حول تطوير الميناء، بما في ذلك الجانب شديد الحساسية للحفاظ على صوامع الحبوب، والتي أصبحت رمزًا لانفجار أغسطس (آب) 2020، إلا أن بعض الفصائل داخل الحكومة اللبنانية تجاهلت توصية (OEA) بالحفاظ على الصوامع.  

ومن المحتمل أن توفر اتفاقية محطة الحاويات مع CMA CGM تلميحات لفهم أولويات أصحاب المصلحة في إعادة تطوير ميناء بيروت، حيث ستضيف CMA CGM، ثالث أكبر شركة شحن في العالم، قريباً محطة حاويات بيروت إلى سيطرة المجموعة شبه الكاملة على عمليات الشحن العابر اللبنانية، فقد اشترت CMA CGM مؤخراً 100٪ من عمليات شركة الشحن المنافسة “غلفتينر” في محطة حاويات طرابلس، كما قامت أيضاً بإنشاء مستودع ضخم في تعنايل في وادي البقاع يُعرف باسم “الميناء الجاف”، والذي يمكنه تخزين ألف حاوية 20 قدمًا.

ووفقاً لجوزيف خوري، مدير العمليات في ECU Worldwide Lebanon، والذي أكمل أطروحة الماجستير حول المنافسة الاستراتيجية لعمليات الموانئ في شرق البحر المتوسط، فإن عمليات CMA CGM تمثل فرصة تجارية مربحة، وهو يرى من وجهة نظره أن CMA CGM تقف لتحتل مركز الصدارة للوصول إلى السوق لإعادة إعمار سوريا في نهاية المطاف، نظراً لتأثير الشركة المنتشر على حركة الشحن عبر لبنان.

سيكون ميناء CMA CGM الجاف في تعنايل، أحد أهم مراكز الاستيراد والتصدير في لبنان، بمثابة نقطة انطلاق الشركة لتسهيل إعادة الإعمار في سوريا عندما يصبح مقبولاً على المستوى السياسي، إذ لا تستطيع الموانئ السورية التعامل إلا أكثر بقليل مع نصف ما يقدر بنحو 30 مليون طن متري من التجارة السنوية التي يُتوقع أن تتدفق إلى سوريا لمدة تتراوح من 5 إلى 10 سنوات بمجرد بدء إعادة الإعمار. 

الصندوق: سيطرة هيئة أسواق المال على الواردات والصادرات اللبنانية

لعبت CMA CGM دوراً ذكياً في توسعها في سوق الاستيراد والتصدير في لبنان، بالإضافة إلى استحواذها على محطة الحاويات في طرابلس والميناء الجاف في تعنايل، وحتى ما قبل عام 2022 كانت CMA CGM تمتلك بالفعل 60٪ من حركة الملاحة اللبنانية. 

وكانت الأزمة المالية التي بدأت في لبنان في عام 2019 شاهداً على أن تصبح CMA CGM الشركة الوحيدة التي تقبل الدفع من المصدرين اللبنانيين بالليرة اللبنانية والشيكات البنكية المقومة بالدولار الأميركي المودعة في الشركة حسابات مصرفية لبنانية بدلاً عن الدفع بالدولار الأميركي، نظرًا لقدرتها على دعم وتحويل الإيرادات بين الشركات، وأكد خوري أن هذا يوفر شريان حياة ثمين للمصدرين اللبنانيين الذين لم يتمكنوا من التصدير إلا من خلال CMA CGM، لا سيما أولئك الذين يعملون في قطاع الزراعة والذين تمكنوا من الاستفادة من منشأة تعنايل.

ومع ذلك، ليس هناك ما يضمن أن المركز المهيمن CMA CGM سوف يفيد الاقتصاد اللبناني المعتمد على الاستيراد بعد تحقيق الأرباح القياسية التي بلغت 18 مليار دولار أميركي في عام 2021، نتيجة الارتفاع العالمي في الطلب على الشحن منذ تفشي جائحة COVID-19، وهو ما جعل المشرعين الأميركيين يتساءلون عما إذا كانت CMA CGM قد “انخرطت في ممارسات مفترسة أثناء الوباء، مما جعل عشرات السلع الأساسية في لبنان تعتمد على الاستيراد الكبير، لا سيما في الأغذية الأساسية”، والذي هو بالفعل عرضة لصدمات السوق والتلاعب في الأسعار من خلال الممارسات المناهضة للمنافسة بين المستوردين وشركات الخدمات اللوجستية.  

Box Ends

في حين أن صفقة محطة الحاويات منطقية تجارياً بالنسبة لـCMA CGM، فإن الشركة لديها سجل حافل من العمل مع شخصيات سياسية بغيضة، إذ عملت CMA CGM كجزء من كونسورتيوم يدير محطة حاويات اللاذقية جنباً إلى جنب مع الفرقة الرابعة، وهي من قوات النخبة في الجيش العربي السوري، وخصوصاً منذ عام 2014، حيث أشرفت الفرقة على عمليات الميناء وشاركت بشكل مباشر في تفريغ الحاويات المخصصة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، والحكومة السورية. 

وقامت CMA CGM بتشغيل محطة حاويات اللاذقية ما بين عامي 2009 – 2019 بعد أن رافق الرئيس التنفيذي السابق ومؤسس CMA CGM جاك سعادة الرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي في وفد دبلوماسي ضم مجموعة من رجال الأعمال، محطة بمرافقة رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون في مهمته في سبتمبر 2020 إلى بيروت بعد الانفجار. 

وأعلنت CMA CGM، التي رفضت طلب التعليق، عن التزامها بإنفاق 33 مليون دولار أميركي، ما يقارب رسوم سنة واحدة من التعامل مع الحاويات بكامل طاقتها في بيروت على ترقية القدرات الفنية لمحطة الحاويات، ووصف مصدر طلب عدم الكشف عن هويته، ولديه خبرة واسعة في إدارة ميناء بيروت وتطوير الموانئ دولياً، استثمار CMA CGM بأنه “مبلغ زهيد” لشركة بحجمها، مشيراً إلى أن محطة الحاويات نجت من الانفجار بشكل جيد نسبياً، وأنها كانت قبل الانفجار تعمل بالفعل بما يقارب 1.4 مليون حاوية مكافئة تهدف CMA CGM إلى تحقيقها.

على الرغم من حصولها على دعم الحكومة الفرنسية وإمكانية الضغط من أجل إصلاحات سياسية كجزء من إعادة تطوير وإدارة الميناء، فإن CMA CGM لم تذكر كيف تعتزم تشغيل محطة الحاويات في سياق الادعاءات ضد GEBP، ووزارة الأشغال العامة والنقل، وأرقام إدارة الموانئ الأخرى، والتي تشمل الإمكانية الحقيقية لتدفقات المواد غير المشروعة والخاضعة للعقوبات عبر مرفق الميناء. 

وإلى أن يتم الكشف عن تفاصيل قانون الموانئ الجديد، فإن إعادة التعاقد على محطة الحاويات تشير إلى مخاطر إعادة تطوير الميناء باتباع أنماط مألوفة لقطاعات أخرى من الاقتصاد اللبناني تتميز بتركيز السوق، والحكم الغامض، والاستخدام المشكوك فيه للإيرادات العامة، لذا فإن فكرة أن ميناء بيروت يمكن أن يصبح يوماً ما مكاناً يمكن أن يساعد فيه الأشخاص ضعاف الضمير على الشفاء من الجروح النفسية الناجمة عن انفجار المرفأ الذي يمثله المرفأ بعيداً عن المساءلة لأولئك الذين تسببوا في انفجار 4 أغسطس (آب).

[1] World Bank (2020) “Reforming and Rebuilding Lebanon’s Port Sector: Lessons from Global Best Practices”,  International Bank for Reconstruction and Development / The World Bank

[2] USAID (2021) “Middle East Economic Growth Best Practices Project (MEG)  – Port of Beirut Assessment, United States Agency for International Development

[3]  USAID (2021) “Middle East Economic Growth Best Practices Project (MEG)  – Port of Beirut Assessment, United States Agency for International Development

[4] World Bank (2020) “Reforming and Rebuilding Lebanon’s Port Sector: Lessons from Global Best Practices”,  International Bank for Reconstruction and Development / The World Bank

[5]  USAID (2021) “Middle East Economic Growth Best Practices Project (MEG)  – Port of Beirut Assessment, United States Agency for International Development

[6] World Bank (2021) “Request For Expressions of Interest (# 1276924)  – Port of Beirut Reform and Reconstruction- Support to develop a Masterplan and Financing Options”, World Bank

[7] HPC (2022) “Hamburg Ports Consulting – Profile” HPC, online at https://www.hamburgportconsulting.com/about-hpc/profile

[8] BPCD (2021) “Beirut Port City Dialogue” Beirut Port City Dialogue, online at https://beirut-portcity.org/dialogue

[9] NNA (2022) “Mikati Launches “Master Plan For Beirut Port”: We Seek Rendering It An Attraction For Optimal Investments”  https://www.nna-leb.gov.lb/en/economy/521479/mikati-launches-master-plan-for-beirut-port-we-see

[10] ME.IN-24 (2022) “Mikati launches the master plan for the port of Beirut: We are preparing a new law for the ports sector”, available online at  https://middleeast.i-n24.com/News/5192.html

[11] NNA (2022) “Mikati Launches “Master Plan For Beirut Port”: We Seek Rendering It An Attraction For Optimal Investments”  https://www.nna-leb.gov.lb/en/economy/521479/mikati-launches-master-plan-for-beirut-port-we-see

[12] USAID (2021) “Middle East Economic Growth Best Practices Project – Port of Beirut Assessment, United States Agency for International Development

[13] هيومن رايتس ووتش (2021) “قتلونا من الداخل”، هيومن رايتس ووتش، على الإنترنت في https://www.hrw.org/report/2021/08/03/they-killed-us-inside/investigation-august-4-beirut-blast

[14] صقر إ. (2012) “فساد منتشر على نطاق واسع ومتجذر في مرفأ بيروت”، ديلي ستار، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، على الإنترنت في http://icnbeirut.com/News/2012/dailystar-13-11-12.pdf

[15] أبو رحال ل (2022) “لبنان يحصل على أموال إسبانية لخطة إحياء السكك الحديدية: وزير” https://www.al-monitor.com/originals/2022/02/lebanon-get-spanish-funds-railway-revival-plan-minister

[16] رويترز (2021) “دعونا نعيد بناء مرفأ بيروت في أقل من ثلاث سنوات، وفقا ل CMA CGM الفرنسية” رويترز، 10 أبريل 2021 عبر الإنترنت في https://www.reuters.com/article/us-lebanon-crisis-port-idUSKBN2BX0BK

[17] أنطونيوس ز. (2022) “صوامع بيروت ديفراينت ريستر إن بليس، jusqu’à nouvel ordre…”، L’Orient LeJour، https://www.lorientlejour.com/article/1294524/les-silos-devraient-rester-en-place-jusqua-nouvel-ordre.html

[18] الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (2021) “مشروع أفضل ممارسات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط (MEG) – تقييم مرفأ بيروت، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية

[19] رويترز (2021) “دعونا نعيد بناء مرفأ بيروت في أقل من ثلاث سنوات، وفقا لهيئة السوق المالية الفرنسية CGM” رويترز، 10 أبريل 2021 على الإنترنت في https://www.reuters.com/article/us-lebanon-crisis-port-idUSKBN2BX0BK

[20] Wackett M. (2022) “CMA CGM لاستخدام أرباح بقيمة 18 مليار دولار لمزيد من النمو والامتيازات للشركات الصغيرة والمتوسطة” ، The Loadstar ، 7 مارس 2022 ، عبر الإنترنت في https://theloadstar.com/cma-cgm-to-use-18bn-profits-for-further-growth-and-concessions-to-smes/

[21] “الإسكوا (2016) “المراجعة الاستراتيجية للأمن الغذائي والتغذوي في لبنان”، لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، على الإنترنت في https://www.thinktriangle.net/strategic-review-of-food-and-nutrition-security-in-lebanon/

[22] الدسوقي، أ. (2020)، “الشبكات الاقتصادية للفرقة الرابعة خلال النزاع السوري”، اتجاهات الشرق الأوسط، مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة، معهد الجامعة الأوروبية، يناير 2020، على الإنترنت في https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/65844/MED_WPCS_2020_1.pdf

[23] بيير برييه (2008) “ساركوزي آ داماس من أجل الشرق”، لوفيغارو، 4 سبتمبر/أيلول 2008، على الإنترنت في https://www.lefigaro.fr/international/2008/09/04/01003-20080904ARTFIG00004-sarkozy-a-damas-pour-peser-au-proche-orient-.php

[24] هيومن رايتس ووتش (2021) “قتلونا من الداخل”، هيومن رايتس ووتش، على الإنترنت في https://www.hrw.org/report/2021/08/03/they-killed-us-inside/investigation-august-4-beirut-blast

مواضيع ذات صلة