استرداد جنى عمر اللبنانيين: الخطة التقدمية لاسترداد الودائع

توفر هذه الخطة التقدمية لاسترداد الودائع فرصة للمساءلة واسترداد مدخرات الشعب اللبناني وجنى عمره.

بقلم طاقم التحرير

11 كانون الثاني، 2024

 

يعيش لبنان اليوم أزمة مالية غير مسبوقة ودون حل واضح في الأفق. السبب الرئيسي لهذه الكارثة النخبة السياسية والمالية في البلاد، وفي مقدمتها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. قامت سياسات سلامة بحماية المصارف في لبنان من الإفلاس ومكنت النخبة من اختلاس مليارات الدولارات من الأموال العامة بطريقة غير مشروعة. منذ ذلك الحين تشابكت النخب المصرفية والسياسية في شبكة من الروابط العائلية والتجارية، وتجنبوا المساءلة عن دورهم في الانهيار الاقتصادي الذي أعقب ذلك. ومن المؤسف أن صغار المودعين هم من دفعوا ثمن جرائم هذه النخبة. ومع ذلك لا يزال هناك وسيلة قابلة للتطبيق لإنصافهم بشكل عادل وشفاف ومبدئي عبر الخطة التقدمية لاسترداد الودائع. من خلال هذه الخطة قد تستطيع الحكومة اللبنانية ضمان المساءلة وإطلاق عملية التعافي المالي والاقتصادي الوطني. 

أولاً. مقدمة 

تناقش ورقة الموقف هذه الخطة التقدمية لاسترداد الودائع (PDRP) والتي لها أهداف مترابطة هي: محاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية في لبنان، ومعالجة المتضررين من تصرفات النخبة المصرفية في البلاد، وتهيئة الظروف لتنشيط القطاع المصرفي بما يتماشى مع المعايير المصرفية الدولية، والتعافي الاقتصادي العام. هذا يختلف بشدة عن الخطط المالية التي طرحتها الحكومة وقطاع المصارف التجارية والتي تحمل عبء الخسائر المصرفية على سكان لبنان، بما فيه تناقض صارخ مع الممارسات الدولية. 

تتضمن المرحلة الأولى من الخطة إجراء تدقيق شامل للمصارف التجارية ومصرف لبنان لتقييم الفجوة المالية، وتسهيل السداد على المدى القريب لصغار المودعين. تتضمن هذه المرحلة أيضاً إنفاذ معايير الامتثال واسترداد مدفوعات الفائدة المفرطة للمودعين. أما المرحلة الثانية فتتضمن السداد التدريجي لكبار المودعين من خلال السحب النقدي التطوعي، و”الإنقاذ الداخلي” للمصارف، وإنشاء صندوق استرداد الودائع. تركز هذه الخطة أيضاً على الحفاظ على بنك مركزي قابل للاستمرار وقطاع مصرفي تجاري ضروري للتعافي الاقتصادي في لبنان. 

  

ثانياً. الخطة التقدمية لاسترداد الودائع  

التدقيق الشامل:  

تبدأ الخطة بتدقيق شامل للمصارف التجارية ومصرف لبنان. الهدف الأساسي منها هو تحديد الحجم الدقيق لـ”الفجوة المالية”. وتعكس هذه الفجوة الفارق بين ما تدين به المصارف للمودعين والأموال المتوفرة لديها للسداد الفوري. تقدر التزامات المصارف التجارية تجاه المودعين بنحو 93 مليار دولار، في حين تقدر الأصول السائلة للمصارف والودائع الاحتياطية المطلوبة لدى مصرف لبنان بنحو 13 مليار دولار – بما ينتج عنه فجوة مالية قدرها 80 مليار دولار. ويهدف التدقيق المالي إلى إزالة أي غموض في هذه التقديرات وتوفير بيانات دقيقة كأساس للخطة. 

المرحلة الأولى 

الإجراءات المالية:  

بعد التدقيق يمكن البدء فوراً بتنفيذ الإجراءات المالية بموجب المرحلة الأولى من الخطة. تركز هذه المرحلة على صغار المودعين، الذين يشكلون غالبية أصحاب الحسابات في القطاع المصرفي التجاري في لبنان. الهدف من المرحلة الأولى استعادة مدخرات هؤلاء المودعين بالكامل، وبالتالي توفير إغاثة اجتماعية واسعة النطاق وسط الأزمات الإنسانية والمالية في لبنان. ومن المهم أن كل سداد الودائع في هذه المرحلة سيتم بعملة الوديعة الأصلية، مما سينهي ممارسة “الليلرة” أي تحويل الودائع إلى الليرة اللبنانية. 

 

تحديد سقف السداد على المدى القريب:  

ستكون جميع الحسابات التي تقل عن حد الامتثال مؤهلة للحصول على تعويضات على المدى القريب. سيتم تحديد سقف السداد لهذه المرحلة من خلال احتساب السيولة المتوفرة لدى المصارف التجارية واحتياطيات مصرف لبنان. ولو تم تنفيذ هذا الإجراء في عام 2020. لكان من الممكن أن يصل الحد الأقصى للدفع الأولي المحتمل إلى https://www.naharnet.com/stories/en/271121500 ألف دولار وغطى 98% من المودعين، لكن منذ ذلك الحين خرجت مليارات الدولارات من القطاع المصرفي التجاري، في حين أن السياسات النقدية المتهورة لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة استنزفت المليارات من احتياطيات مصرف لبنان. 

ومع ذلك، ونظراً للعدد الكبير من صغار المودعين، ستظل الأغلبية قادرة على استعادة إمكانية الوصول إلى جميع أموالهم على المدى القريب بموجب الخطة هذه. أما الحسابات المعفاة من الامتثال والتي تحوي مبالغ تزيد عن الحد الأقصى للدفع على المدى القريب، فستتم استردادها حتى الحد الأقصى المحدد نفسه، أما مبالغ الودائع التي لم يتم حلها ستحال إلى المرحلة التالية من الخطة. 

 

إنفاذ معايير الامتثال:  

من المحتمل أن الربح من النشاطات غير المشروعة تشكل كمية كبيرة من الودائع المصرفية المتبقية. و من غير الواقعي إخضاع جميع الحسابات (البالغ عددها 1.4 مليون حساب) لتدابير الامتثال. وبالتالي لا بد من وضع عتبة للامتثال تحقق التوازن بين التدقيق في معظم الأموال وتجنب عملية مرهقة وصعبة التنفيذ. على سبيل المثال، إذا تم تحديد العتبة بمبلغ 500 ألف دولار، فسيتم إعفاء حوالي 98% من الحسابات من إجراءات الامتثال. سيُطلب من أصحاب الحسابات الذين تتجاوز أرصدتهم العتبة تقديم وثائق تثبت شرعية أموالهم، مع عملية اعتماد تجريها المصارف التجارية ولجنة مصرف لبنان والمحاكم. سيؤدي الفشل في تقديم وثائق صالحة في غضون ستة أشهر، أو اجتياز عملية التصديق اللاحقة، إلى مصادرة الحساب. 

 

استرداد مدفوعات الفائدة المفرطة:  

وتهدف خطة استرداد الودائع أيضاً إلى معالجة مدفوعات الفائدة المفرطة التي دفعتها المصارف التجارية للعملاء من خلال برنامج الهندسة المالية “مخطط بونزي” الذي أداره مصرف لبنان. فخلال هذه الفترة، عرضت المصارف فوائد هائلة تصل في كثير من الأحيان إلى 25% على الودائع بالعملات الأجنبية. وهذا بدوره خلق تبايناً كبيراً من المعايير الدولية. وتعيد الخطة حساب مدفوعات الفائدة بمعدل 3% مما قد يؤدي إلى خفض التزامات الودائع المستحقة بنحو 9 مليار دولار. 

  

المرحلة الثانية 

تركز المرحلة الثانية من خطة استرداد الودائع على الودائع الكبيرة، وتتضمن ثلاثة طرق: السحب النقدي الطوعي، و”الإنقاذ الداخلي” للمصارف، وصندوق استرداد الودائع (DRF). سيتم تمويل هذه الطرق بشكل مختلف وستتطلب من المودعين استخدام مزيج من هذه الآليات لاسترداد الودائع. 

 

السحب النقدي الطوعي: 

سيسمح استرداد الودائع من خلال السحب النقدي التطوعي للمودعين بالحصول على جزء من أموالهم بسعر مخفض، مع حد لا يتجاوز 10% من ودائعهم. سيتم الحصول على التمويل لهذا الطريق من استرداد أرباح الأسهم المدفوعة للمساهمين من قبل المصارف التجارية منذ عام 2015. 

 

“الإنقاذ الداخلي” للمصارف:  

إن مراجعة حسابات المصارف التجارية سوف تسمح بتحديد قيمتها السوقية العادلة، وبالتالي سعر أسهمها العادل. ويجب على المساهمين “الإنقاذ الداخلي” عن طريق ضخ رأس مال جديد يساوي قيمة الأسهم التي يرغبون في الاحتفاظ بها أو خسارة حصصهم في الأسهم. يمكن للمودعين بعد ذلك الحصول على هذه الأسهم المصادرة بدلاً من جزء من سداد ودائعهم. بينما ستحتفظ المصارف ببعض رأس المال للأغراض التشغيلية خلال عملية توحيد القطاع وإعادة هيكلته. 

 

صندوق استرداد الودائع:  

سيقوم صندوق استرداد الودائع (DRF) بإدارة التزامات المصارف التجارية المتبقية، وسيتم تمويله من خلال ثلاثة مصادر: الدين الحكومي، والأصول التي استحوذ عليها مصرف لبنان، والإجراءات القانونية ضد المسؤولين عن الأزمة والمستفيدين منها. ومن المهم ملاحظة أنه لن يتم استخدام أي أصول أو إيرادات عامة لتغطية خسائر المصارف التجارية، وبالتالي يتماشى الصندوق مع المعايير الدولية. كما سيتم تحويل الدين الحكومي (في شكل سندات اليورو) للمصارف التجارية ومصرف لبنان إلى صندوق تسوية الديون. وبالنسبة للأصول المدرّة للدخل التي استحوذ عليها مصرف لبنان سابقاً من المصارف المفلسة وتلك التي اعتبرت متعثرة، سيتم أيضاً تحويلها من خلال الخطة إلى صندوق استرداد الودائع (DRF) وتخصيص إيرادات هذه الأصول للنقابات المهنية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتسديد مستحقاتها. 

وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المسؤولين عن الأزمة المالية والمستفيدين منها. تشمل هذه الإجراءات استرداد التحويلات واسعة النطاق من النظام المصرفي اللبناني قبل تشرين الأول 2019 وبعده، وعقوبات مالية على الذين سهلوا التحويلات غير القانونية، ومصادرة الأموال المتأتية من الأنشطة غير المشروعة، واسترداد تعويضات من الذين قاموا بتسوية القروض التجارية التي تزيد عن مليون دولار بأسعار مخفضة بعد تشرين الأول 2019. 

وسيكون صندوق استرداد الودائع مؤسسة عامة تعمل بآليات الشفافية والمساءلة، بما في ذلك التقارير السنوية والتدقيق. 

 

الحفاظ على مصرف لبنان وقطاع مصرفي تجاري قابل للاستمرار: 

في حين أن الخطة هذه تتطلب تخلي مصرف لبنان عن احتياطاته المتاحة لدفع تعويضات صغار المودعين على المدى القريب، وأصوله المكتسبة وسندات اليورو إلى صندوق استرداد الودائع، سيحتفظ مصرف لبنان باحتياطاته من الذهب وأصوله الأخرى. وستكون المصارف التجارية التي لا تزال عاملة ملزمة أيضاً بوضع شرط احتياطي بنسبة 10% لدى مصرف لبنان. ستقوم الحكومة اللبنانية بعد ذلك بإعادة رسملة مصرف لبنان بمقدار 2.5 مليار دولار للسماح للبنك المركزي بمواصلة تنفيذ مهام السياسة النقدية. 

يمكن للمصارف التجارية الفردية أن تستمر في العمل بشرط أن تتمكن من تلبية ثلاثة معايير: يجب عليها أن تسدد بالكامل لجميع المودعين لديها بما يقل عن الحد الأقصى للمدفوعات على المدى القريب؛ ويجب على المساهمين الحاليين إما إعادة رسملة المصارف (أي “الإنقاذ الداخلي”) أو مصادرة أسهمهم كتعويض للمودعين المتبقين؛ ويتعين على المصارف أن تجمع ما يكفي من الأموال لتلبية نسبة جديدة لكفاية رأس المال. 

وسيتم تحويل المصارف التي لا تزال عاملة إلى حصتها من التزامات صندوق تسوية الديون، بالإضافة إلى سندات اليورو التي كانت تحتفظ بها سابقًا، وبالتالي الحفاظ على الالتزامات والأصول. ويجب على المصارف التي تظل عاملة أن تخصص أيضًا جزءًا من الأرباح المستقبلية للوفاء بالتزامات المودعين الحالية حتى يتم سدادها جميعًا. 

  

ثالثاً. خاتمة 

تشكل هذه المراحل والآليات التفصيلية خطة استرداد الودائع التقدمية (PDRP). تهدف هذه الخطة إلى معالجة شاملة للخسائر التي فرضتها النخبة على المودعين اللبنانيين خلال الأزمة المالية في البلاد، وفرض المساءلة عن الأزمة، مع فتح الباب أيضاً لتنشيط القطاع المصرفي والتعافي الاقتصادي العام في المستقبل. 

  

تم إعداد هذه الورقة بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت. 

 

“دعم” مبادرة من “البديل” لسدّ الفجوات السياسية والاستراتيجية والقانونية والمناصرة داخل المجتمع المدني التقدمي في لبنان. من خلال هذه المبادرة، نسعى إلى تعزيز الحركة التقدمية في سعيها لتحقيق السياسات الوطنية والتغيير.

مواضيع ذات صلة