ملخص تنفيذي 

 إن انقطاع التيار الكهربائي، وسُحب التلوث، والشوارع المظلمة ليست سوى جوانب تذكرنا يومياً بأزمة الكهرباء المنهِكة في لبنان. فبعد مرور أربع سنوات على واحدة من أسوأ الانهيارات المالية في التاريخ الحديث، أصبحت الحاجة إلى ثورة الطاقة الخضراء في لبنان أكبر من أي وقت مضى. توقفت مؤسسة كهرباء لبنان – المزود الحكومي للكهرباء – عن العمل فعلياً بعد عقود من سوء الإدارة التي شهدت تراكم ديون تزيد على 40 مليار دولار. وخلال كل هذه الفترة الممتدّة، دفع سكّان لبنان الثمن كاملاً بسبب ارتفاع فواتير الكهرباء والمخاوف الصحيّة الناتجة عن الاعتماد الرئيسي على مولّدات الديزل – المسبب الرئيس لمشاكل التلوّث الكبيرة التي تواجهها البلاد. 

والناظر إلى الإمكانات التغييرية لموارد الطاقة المتجددة – أي طاقة الرّياح والطاقة المتجدّدة – يرى أنّها تبعث على التفاؤل وسط مخلّفات مشهد الكهرباء في لبنان، إلّا أن بنية الطاقة الخضراء في لبنان قد تكرّر الأنماط التي كانت موجودة في أسلافها من النفط والغاز. 

 يقوم عدد من الشركات المتعددة الجنسيات المكونة من عملاقي الوقود “توتال إنرجيز” و”قطر للطاقة” باحتكار شراء عقود مشاريع الطاقة المتجددة المتعثرة في جميع أنحاء لبنان، وفقاً للمقابلات التي أجراها موقع “بديل”. وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع خطط الشركات لأنشطة استخراج النفط والغاز قبالة الساحل اللبناني. وتتجه منصة الحفر التابعة للشركات حالياً نحو وجهتها النهائية في “البلوك 9” في المياه اللبنانية. وبدأت أنشطة الاستكشاف في أيلول. 

 وبينما يعارض المجتمع المدني العالمي بشدة فكرة “تخضير” أموال النفط من قبل شركات الوقود الأحفوري، فإن الحكومة اللبنانية تغضّ الطرف عن ذلك؛ إذ إنّ مشاريع الطاقة النظيفة – التي تشمل بناء مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد – تستعمل الآن كورقة مساومة لجذب الاستثمار الأجنبي إلى لبنان. وفي الواقع فإن وزارة الطاقة والمياه تعتمدان على نجاح مبادرات الطاقة المتجددة الحكومية وعلى قدرة شركات النفط الكبرى على رمي النرد في المشاريع عالية المخاطر والمكافآت المرتفعة.  

 إنّ المشاكل النظامية التي تقع في أسس هذه الصفقات ــ بما في ذلك عمليات إعادة تقديم العطاءات المبهمة وغياب الرقابة المستقلة ــ تزيد من المخاطر المحتملة لو استمرت الحالة على ما هي عليه، ولهذا يبدو أن تحوّل الطاقة المتجددة في لبنان – ما لم يقترن بسياسةٍ مستنيرةٍ بخبرةٍ واعية – سيؤدي إلى إدامة المشاكل التاريخية في قطاع الطاقة في البلاد: أي عدم المساواة وانعدام الشفافية وسيطرة النخبة على الموارد. 

 ليس الأمر مستحيلاً، إذ من أجل تشكيل تحول مبدئي في مجال الطاقة في لبنان، فإن الإطار التشريعي اللازم موجود بالفعل ولكنه يتطلب بذل جهود متجددة لتنفيذه من قبل وزارة الطاقة والمياه. ويشمل ذلك تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، وفقاً للقانون رقم 462/2002، والمصادقة على مشروع قانون توزيع الطاقة المتجددة المنتظر إقرارُه حالياً في مجلس النواب. 

 

أسس خاطئة 

 بدعم من “ذراعها التقني” أي المركز اللبناني لحفظ الطاقة (LCEC)، أعلنت وزارة الطاقة والمياه عن دعمها للعديد من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية على نطاق المرافق العامة في عام 2017. وفي كانون الأول أطلقت الوزارة عملية المناقصة لشركات الطاقة الشمسية لبناء تقديم عطاءات لبناء 12 محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في جميع أنحاء البلاد، بهدف إنتاج إجمالي 180 ميجاوات من الكهرباء. وفي الشهر التالي أعلنت الوزارة أن ثلاثَ شركاتٍ من القطاع الخاص قد فازت بعقود لبناء مزارع رياح بقدرة إجمالية تبلغ 226 ميغاواط في محافظة عكار، وكان الهدف الرئيسي وراء هذين المشروعين إعادة بيع الكهرباء إلى شركة كهرباء لبنان بموجب اتفاقية شراء الطاقة (PPA). 

 وبعد مرور ست سنوات على الاقتراحات المذكورة، ما تزال كل هذه المشاريع مجردَ حبر على الورق. فقد أدى اندلاع الأزمة المالية عام 2019 إلى ندرة فرص التمويل للشركات المحلية. وفي الوقت نفسه، بدا لبنان “ثقباً أسود” للاستثمار للشركات الدولية التي من الممكن أن تسعى لتمويله.  

 وفي ظل الرقابة العامة المكثفة، لم يكن من المستغرب أن يقومَ وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وليد فيّاض، بإقامة حفل علني لمحاولته إحياء مساعي الوزارة في مجال الطاقة المتجددة في أيار 2023. لقد شمل هذا الحفل توقيع العقود مع كونسورتيوم (إتّحاد) من الشركات لبناء 11 من أصل 12 محطة للطاقة الشمسية مخطط لها سابقاً، بعد انسحاب اتحاد ناجح من المشروع بسبب نقص التمويل. ثم تم منح الشركات الفائزة مدّة سنة واحدة للعثور على فرص أخرى للتمويل أو مواجهة خسارة عقودها التي حصلت عليها بشق الأنفس، وبعد ثلاثة أشهر استسلم العديد منها للأمر الواقع، لعدم قدرة أفرادها على التوصل لحلول مناسبة.  

 “أعتقد أنها مضيعة للوقت.” يقول إيلي معلوف (مدير العمليات في شركة الطاقة الشمسية الكهروضوئية اللبنانية، EcoSys)، لموقع “بديل”: “ما لم يكن هناك مستحوذ قابل للتمويل، فلن يتمكن أحد من الخارج من التمويل.” EcoSys هي جزءٌ من كونسورتيوم فاز بأحد العقود الثلاثة المرغوبة بشدّة في وادي البقاع. 

 إن الفشل في نجاح المشاريع المقترحة، يعود في الأصل إلى الشرط المنصوص عليه في المرسوم رقم 16878/1964 والمراسيم ذات الصلة، وهو أن تحتفظ شركة كهرباء لبنان باحتكار شراء الكهرباء التي ينتجها منتجو الطاقة المستقلون (IPPs). وقد استقرت اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة التابعة للوزارة على سعر إعادة بيع الكهرباء المولدة من مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية بقيمة 5.7 سنتاً أمريكياً لكل كيلوواط ساعي (USc / kWh) في البقاع و6.27 في المناطق الثلاث الأخرى، على أن يتمّ بيع الكهرباء المولدة في مشاريع رياح عكار من جديد إلى شركة كهرباء لبنان بسعر 9.60 سنت أمريكي لكل كيلوواط في السّاعة الواحدة.  

 وفي هذا السياق، علّق كاميلو ستوبنبرغ – خبير البنية التحتية للطاقة في لبنان في جامعة كورنيل- قائلاً: “إنّ مؤسسة كهرباء لبنان غير قادرة على دفع أي شيء لأي شخص”. وفي الواقع – في الفترة الأخيرة تحديداً – حصل وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال، وليد فيّاض، على سلفة خزينة أخرى بقيمة 116 مليون دولار أمريكي لإبقاء شركة كهرباء لبنان خارج نطاق الخطر في كانون الثاني 2023.