خدمات متبادلة: المصالح المصرفية تسيطر على المناصب العامة في لبنان

يظهر تحقيق موقع "البديل" تضارب مصالح الشخصيات السياسية والمالية الكبرى في القطاع المصرفي اللبناني.
بقلم طاقم التحرير

نيسان 2, 2023

لعبت المصارف اللبنانية دوراً هاماً بتوجيه البلد نحو الكارثة المالية التي يمر بها منذ سنة 2019، وتجنبها حتى اليوم العقوبات القانونية والإصلاح التنظيمي والجهود التي استثمرت لإجبارهم على تحمل مسؤولية العبء المالي.

السؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو: هل يجب على السياسيين إلزام المصارف قضائياً بتحمل مسؤوليتها؟ الجواب هو أن كثيراً منهم يشغلون مناصب في مجالس إدارة المصارف أو يملكون أسهماً فيها.

يظهر “البديل” في هذا التحقيق الذي اشترك به مع رابطة المودعين التضارب الهائل بين مصالح سياسيين لبنانيين والمصارف المالية عبر دراسة أصول أكبر 15 مصرفاً لبنانياً، كما يظهر أيضاً أن ربع أعضاء مجالس إدارة أكبر المصارف اللبنانية ينطبق عليها التعريف المتبع عالمياً للشخصيات السياسية البارزة، وهي الشخصيات التي شغلت أو تشغل منصباً عاماً أو تعتبر مقربة لهذه الشخصيات بحكم العائلة أو الزمالة.

تجلى المثال الواضح حول تضارب المصالح عندما ادعت القاضية العامة في محكمة الاستئناف في جبل لبنان غادة عون على بنك عودة وبنك سوسيتيه جنرال ورؤسائهم بتهمة غسيل الأموال في فبراير (شباط) الماضي، وبحسب التقرير السنوي لجمعية المصارف في لبنان لسنة 2022، فإن بنك عودة يعتبر أكبر المصارف بأصول تفوق 40 مليار ليرة[1]، بينما يعتبر سوسيتيه جنرال ثالث أكبر المصارف.

تدخل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالقضية بعد فترة وجيزة من رفعها طالباً من وزير الداخلية بسام مولوي منع قوى الأمن من تنفيذ أوامرها، وأدعى ميقاتي أن عون تخطت صلاحياتها القضائية، بينما أدعى مجلس القضاء الأعلى أن ميقاتي انتهك استقلالية القضاء. ومن الشخصيات السياسية البارزة التي ترأس مصارف أو تمتلك أسهماً فيها، يوجد طه ميقاتي، شقيق نجيب ميقاتي، وهو يملك حصة تقدر بـ2.3 بالمائة من بنك عودة.

تعتبر السجالات التي تقام عن تأثير الحصص المالية لطه ميقاتي أو غيره من مالكي حصص مالية في المصارف على قرار إيقاف التحقيق أقل أهمية من حتمية تأثيرها على قرار عون، فقد أعطت السلطات اللبنانية نجيب ميقاتي الثقة لاتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العليا للبنانيين في المرات الثلاث التي انتخب فيها رئيساً للحكومة، لكن استثمارات شقيقه التي تبلغ مئات ملايين الدولارات هي في صلب مصالحه الخاصة.

لن يكون ميقاتي قادراً على القيام بمهمته دون تساهل عند تداخل هاتين المصلحتين، وهو ما حصل بالدعوى التي رفعتها عون، حيثُ تمكن ميقاتي من طمأنة الشعب اللبناني، وأن ينقذ نفسه عبر السماح لجهة ثالثة مستقلة ونزيهة أن تقرر ما أن تخطت عون صلاحياتها أم لا، فقد كان يجب على ميقاتي اتخاذ هذه الخطوة بيد أنه لم يفعل، يمكننا أن نخمن: هل كان الهدف الحفاظ على القانون أم أنه أساء استعمال سلطته لحماية ثروة العائلة؟

تتداخل السلطة العامة والمصلحة الشخصية بسلسلة المناصب السياسية والقطاع المصرفي في البلد، كما يظهر التحقيق أن القادة السياسيين يتعاملون مع صنع القرارات من منظار مصالحهم المالية الشخصية، ويطرح ذلك تساؤلات حول الأسباب التي عرقل أو أَجَّل فيها أصحاب المناصب القيادية الأعلى المحاولات القضائية للتدقيق بميزانية المصارف، وفرض شفافية حساباتها خلال السنوات الثلاث للانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان. والسؤال: لماذا لم تطبق الحكومة الإصلاحات اللازمة للحصول على حزمة إنقاذ بعد سنة من توقيع لبنان عقداً بقيمة ثلاثة مليار دولار مع صندوق النقد الدولي؟

تتضمن الإصلاحات المطلوبة إطاراً قانونياً لإعادة توزيع خسائر الأزمة اللبنانية على الحكومة والمصارف والمودعين، كما تتضمن إزالة السرية المصرفية تماهياً مع القوانين الدولية، وإعادة هيكلة القطاع المالي، وتطبيق الكابيتال كونترول، وهي إصلاحات تهدد الحصانة التي تتمتع بها المصارف.

يربط تحقيق “بديل” مصالح السياسيين اللبنانيين المباشرة وغير المباشرة بالمصارف وتلك الصلات ليست دليلاً على استغلال السلطة أو ارتكاب خطأ، بيد أنها تشير إلى تضارب مصالح معظم الطبقة السياسية اللبنانية، مما يعيق تصحيح الأخطاء أو رسم خطة نجاة للأزمة المالية في لبنان.

يحتاج القادة إلى إنقاذ أنفسهم، وإن لم يفعلوا يجب أن يجبرهم الضغط الدولي بكل السبل على التنحي عن السلطة لجهة ثالثة مستقلة ونزيهة، وستتمكن الجهة الثالثة من التحقيق بخروقات القانون اللبناني والقوانين الدولية، وإحقاق الحق حيث يجب.

تواصل موقع “البديل” مرات عدة مع جميع المصارف المذكورة في هذا التحقيق قبل النشر لطلب التعليق. وكان محمد صيداني، وهو أمين سر مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر، الممثل المصرفي الوحيد الذي أصدر بياناً رداً علينا، وذكر في البيان أن القطاع المصرفي “هو من الركائز الأساسية لأي اقتصاد” وأن حمايته من “أي شبهات وأضاليل مزيفة” يكون بمثابة حماية الاقتصاد الوطني، مضيفا أن سوء إدارة البلد وليس سياسات المصارف هو الذي أدى إلى الأزمة المالية، مؤكداً أن بنك لبنان والمهجر ما زال ملتزماً بـ”المعايير القانونية والأخلاقية الأعلى والقوانين والأنظمة المرعية وفقاً للإجراءات المحلية والعالمية”.

وقال صيداني في إطار حديثه عن الأزمة الاقتصادية أن بنك لبنان والمهجر اتبع قرارات المصرف المركزي وجمعية المصارف في لبنان للحد من التحويلات المالية بالعملة الأجنبية، مضيفا أنه “من مبدأ العدالة والإنصاف، لم يُقدم البنك على إجراء أي تحويل للودائع إلى الخارج لمصلحة أعضاء إدارته أو لمساهميه أو لسياسيين أو مقرّبين”.

كيف أجرينا التحقيق؟

يدور التحقيق حول أصول أكبر 15 مصرفاً لبنانياً، منها: بنك عودة، بالإضافة إلى بنك لبنان والمهجر، سوسيتيه جنرال، بنك بيبلوس، بنك البحر المتوسط، بنك بيروت، البنك اللبناني- الفرنسي، بنك الاعتماد، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك لبنان والخليج، بنك إنتركونتيننتال (IBL)، فرست ناشيونال بنك، وبنك الموارد.

تمتلك معظم أسهم هذه المصارف شركات قابضة بإمكانها إخفاء هويات الشخصيات التي تمتلك الأسهم، أي هوية المستفيدين النهائيين، وقد اتخذ موقع البديل تدابير عديدة لتحديد والتأكّد والتحقّق من هويات المستفيدين النهائيين ومجالس إدارة المصارف الذين ذكروا بهذا التحقيق.

إن إحدى أهم الوثائق التي بني عليها هذا التحقيق هو التقرير السنوي لجمعية المصارف اللبنانية لسنة 2022 [2]، وهو منشور محدود التوزيع يشمل قائمة إحصاءات، وتفاصيل عامة عن أعضاء جمعية المصارف في لبنان للعام الماضي. لقد قارن البديل بين المعلومات الواردة في التقرير السنوي لسنة 2022 وبين السجل التجاري الصادر عن وزارة العدل، وفي ظل غياب بيانات وزارة العدل عن الفضاء الإلكتروني، زوّد مصدر من الوزارة فريقنا بنسخ ورقية عن سجل المعلومات الخاصة بالمصارف، علماً أن أحدثها يتراوح منذ عام 2019 حتى عام 2021 بحسب المصرف، كما قارن بديل هذه المعلومات بتلك الواردة في التقرير السنوي لـ”داتا بانك” تحت عنوان “بيل ان بانك” لسنة 2021 [3].

كما استخدم “بديل” بيانات من مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد المتوفر على “منصة ألف للصحافة الاستقصائية” وغيرها للتعرف على المستفيدين النهائيين في حال امتلكت شركات قابضة حصصاً بالمصارف، ثم تواصل البديل مع المصارف الـ15 عدة مرات طالبا مساعدتها بالتأكد من أعضاء مجالس الإدارة الحاليين والمستفيدين النهائيين، ووصلنا تأكيد فقط من بنك عودة وبنك لبنان والمهجر بشأن أعضاء مجلسي إدارتهما، وحملة الأسهم الأساسيين، وذكر موقع البديل هذه التفاصيل في التحقيق.

ركز تحقيق “البديل” على الشخصيات السياسية البارزة والعائلات التي تمتلك أسهما تزيد عن واحد في المائة من أي مصرف، إذ تقدم مجموعة العمل المالي نفسها كـ”واضعة المعيار العالمي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب”. وتعرف الشخصيات البارزة سياسياً بالأشخاص الذين يؤتمنوا بدور بارز، وتضيف مجموعة العمل المالي أن صفة واحدة تربط الشخصيات البارزة سياسياً، وهي قدرتهم على استغلال مناصبهم “لغسيل الأموال غير المشروعة أو الجرائم الأصلية كالفساد والرشاوى”. لكن هذه الصفة لا تجزم حتمية تورط الشخصيات البارزة سياسياً بهذه النشاطات المستهجنة.

استخدم “البديل” المصطلحات التالية لتحديد مدى بروز الشخصيات وتقييم الشخصيات البارزة سياسياً في القطاع المصرفي اللبناني:

تصنيف الشخصيات السياسية البارزة
مباشرة شخصية تشغل حقيبة وزارية أو مقعداً برلمانياً أو ترأس حزباً كبيراً أو تشغل منصباً رفيعاً فيه.
فئة أولى غير مباشرة شخصية شغلت حقيبة وزارية أو مقعداً برلمانياً منذ سنة 1990 أو ترأست حزباً كبيراً أو تشغل منصباً رفيعاً فيه.
فئة ثانية غير مباشرة شخصيات ذات صلة عائلية بشخصية شغلت أو تشغل مقعداً نيابياً أو منصباً وزارياً منذ التسعينيات أو تشغل رئاسة حزب أو انضمت إلى حزب كبير.

الشخصيات العائلية قد تتضمن الأجداد والأعمام والخالات وأبنائهم وأولاد أشقائهم.

فئة ثالثة غير مباشرة شخصيات تمتلك أو تدير مؤسسات قانونية للشخصيات السياسية غير المباشرة من الفئة الأولى والثانية لها مصالح اقتصادية فيها.
شخصيات سياسية بارزة شخصيات ذات صلة عائلية مع أشخاص وكلوا أو قد يكونوا وكلوا من حكومات محلية أو خارجية بمهام عامة بارزة، بما في ذلك المؤسسات الدينية.

يشكر موقع البديل الصحافيين والباحثين والداعمين والناشطين الذين ساعدوا بإنجاز هذا التقرير. ويوجه شكرا خاصا الى جوناثان كول، بالإضافة إلى جاد شعبان، ليونورا مونسون، كونور قانصو، أليكساندروس خاتزيبانيوتو، زينب فياض، جاد الغصيني، زينة الخطيب، حسن وهبة، ديفيد وود، فؤاد دبس، زينة جابر شهيب، أحمد جنزرلي، عايشة كيهوي داون، رنا صباغ، طوني بيدرازا، إليسار حاراتي، سبينسير أوزبيرغ، نزار غانم، وسامي الحلبي، وجميع من ساهموا بإنجاز هذا التقرير، وجعله ممكناً.

[1] جمعية مصارف لبنان، الدليل السنوي للبنوك في لبنان 2022 (بيروت، جمعية مصارف لبنان 2022).

[2] جمعية مصارف لبنان، الدليل السنوي للبنوك في لبنان 2022 (بيروت، جمعية مصارف لبنان 2022).

[3] تقرير Bank data Financial Services WLL “Bilanbanques 2021″، (Bankdata Financial Services WLL, 2022).

Related

‘They’ Have Names: Who’s Behind Lebanon’s Banks & State

‘They’ Have Names

Cross Contamination: The Banking Interests Plaguing Public Office in Lebanon