يجد لبنان نفسه مجدداً على حافة التفكك السياسي والاجتماعي، إلا أن التهديد هذه المرة من الداخل. فعندما يدّعي طرف احتكار المقاومة المشروعة، ويتمسّك طرف آخر بحق الدولة الحصري في امتلاك السلاح، تتحوّل البلاد إلى ساحة صراع على السيادة. وهذا التعارض في الموقف لا يقتصر على الجانب الأيديولوجي بل هو قادر على الشحنٍ طائفي وقابل للانفجار في أي لحظة. الخطر لم يعد مجرّد احتمال نظريّ، فمع تحذير قادة حزب الله من أنّ “المعارضين في الداخل سيُواجَهون تماماً كما واجهنا إسرائيل” بات الانقسام السياسي يقترب من أن يتحوّل إلى تهديد أمني حقيقي.
فمنذ انتهاء الحرب المدمّرة بين حزب الله وإسرائيل بوقف هشّ لإطلاق النار، عاد لبنان ليواجه خطر التفكّك. فإن هذا الاتفاق الذي قُبل من جميع الأطراف – بما فيهم حزب الله – بوساطة رئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف التاريخي للحزب، كان واضحاً في هدفه: نزع سلاح حزب الله بدءاً من جنوب نهر الليطاني. ومع ذلك عادت قيادة الحزب وتراجعت، ما زاد المشهد السياسي غموضاً وتناقضاً، وأثار مجدداً مخاوف من عودة عدم الاستقرار.
ترسم خطابات نائب الأمين العام نعيم قاسم الأخيرة صورة متصلّبة لموقف حزب الله. رسالته واضحة بلا أدنى التباس: لا نية لدى الحزب في نزع سلاحه في ظل الظروف الراهنة. وهو يكرّر بإصرار أن المقاومة ضرورة وأنها فعّالة، وأن وجود حزب الله لا ينفصل عن سيادة لبنان. لكن إصراره أن نزع السلاح ليس فقط سابقاً لأوانه، بل غير مقبول بالمطلق، يشكّل رفضاً جليّاً لشروط وقف إطلاق النار التي سبق للحزب أن وافق عليها.