أزمة الكهرباء في لبنان: حرارة الصيف تكشف التفاوت بين الميسورين والفقراء

خلقت أزمة الطاقة في لبنان انقساماً بين الميسورين والمعدمين ونظاماً يعتمد على الاستيراد.
تشارلز لاوري

21 حزيران، 2024

يتجلّى عدم المساواة في لبنان بشكل أوضح خلال الصيف الحارق، حين يظل الأغنياء في برودة الغرف المكيفة، بينما يترك الفقراء للتعرّق الشديد على مدار أشهر الصيف المنهكة. 

والفرق يكمن في ما إذا كان المواطن يعتمد على شركة الكهرباء العامة (المأزومة) أي مؤسسة كهرباء لبنان، والتي لا توفّر اليوم أكثر من أربع ساعات من الكهرباء يومياً كحد أقصى، حسب الموقع الجغرافي. 

تفاقم انقطاع التيار الكهربائي في لبنان، وهو مصيبة المصائب لمعظم الأسر في حياتهم اليومية، بعد الأزمة الانهيار الاقتصادي 2019، و كل سنة يزداد سوءاً خلال الأشهر الأكثر حرارة بسبب الاستخدام السائد لمكيفات الهواء. 

ومنذ سنوات تعمل المولّدات الخاصة على سدّ هذه الفجوة، وهي توفّر الآن إمكانية الوصول إلى الكهرباء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع – لمن يستطيع تحمل تكاليفها. 

فمقابل مبلغ خيالي قدره 320 دولار شهرياً، أو ما يقرب من 4000 دولار سنوياً، يمكن للأسر في وسط بيروت الوصول إلى خدمة كهرباء تكفي لتشغيل وحدتي تكييف في نفس الوقت، ليلاً ونهاراً. 

لبنان يستعد لصيف آخر بلا كهرباء 

تعود جذور أزمة الكهرباء في البلاد إلى فترة ما بعد الحرب الأهلية، حين قررت مؤسسة كهرباء لبنان الاستمرار في اعتمادها على محطات حرارية باهظة التكلفة تعمل بالوقود لإنتاج الطاقة. 

وكما حددت الشركة الرسوم في التسعينيات ولم ترفعها حتى عام 2023، مما سمح للتضخم بالتآكل من قيمتها. وأدى التراخي في تحصيل الفواتير، وعدم الدفع المنهجي من قبل المواطنين، وسرقة الكهرباء إلى مزيد من تسرب الإيرادات على المدى الطويل. 

بالتالي وعلى مدى ثلاثة عقود تقريباً، لم تقترب مؤسسة كهرباء لبنان من استرداد تكاليفها، مما أوقعها في دوامة نقص الاستثمار وضعف الإمداد. 

"وبحلول عام 2028، من المتوقع أن يدين لبنان للعراق بمبلغ 5.5 مليار دولار بفواتير الوقود غير المدفوعة، دون أن يحلم اللبنانيون حتى الآن بتيار كهربائي على مدار 24 ساعة في اليوم من مزوّدهم العام."

كما أن دعم شركة الكهرباء المتعثرة كلّف الخزانة اللبنانية مبلغاً خيالياً يعادل 43 مليار دولار (أو ما يقرب من 46 بالمئة من الدين العام للبنان) بين عامي 1993 و2020. وفي الوقت نفسه، أبقت الخلافات السياسية الطائفية القائمة منذ فترة طويلة إصلاحات قطاع الكهرباء المشلولة ومنعت إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة. 

أما اليوم، فمعظم الكهرباء في لبنان تنتج في محطات توليد بنيت في التسعينيات وهي دير عمار في محيط طرابلس والزهراني جنوب صيدا. 

تعمل محطات التوليد هذه عبر حرق الفيول (زيت الديزل) المستورد من خلال صفقة مبادلة مع تجار النفط عراقيين – وهم نفسهم المتورطون في فضيحة الوقود الملوث عام 2020. 

كشف تقرير أجري موخراً أن مؤسسة كهرباء لبنان تعتزم اعتماد صفقة الاستيراد هذه حتى عام 2028 على أقل تقدير، رغم من أن العراقيين لم يستحصلوا حتى الآن ثمن الوقود المستورد منذ 2021. 

وبحلول عام 2028، من المتوقع أن يدين لبنان للعراق بمبلغ 5.5 مليار دولار بفواتير الوقود غير المدفوعة، دون أن يحلم اللبنانيون حتى الآن بتيار كهربائي على مدار 24 ساعة في اليوم من مزوّدهم العام 

وبالتالي فإن المستقبل زاهر لأصحاب مولدات الديزل الخاصة المكدسة مثل حاويات الشحن في مواقف السيارات في الأحياء السكنية والتجارية في كل أنحاء لبنان. 

وبينما كانت رسوم مؤسسة كهرباء لبنان منخفضة إلى حد عبثي، تتقلب اليوم اشتراكات المولدات بشكل كبير. ففي بيروت، تدفع الأسر عادة أكثر من 100 دولار شهرياً مقابل توصيل 5 أمبير، أي ما يدعم بالكاد وحدة تكييف واحدة، بينما تدفع الأسر في منطقة عكار الشمالية حوالي 40 دولار. 

تم تقدير فواتير المولدات بمتوسط 44 بالمئة من دخل الأسرة الشهري في عام 2023 و88 بالمئة من دخل الأسر الأشد فقراً، بينما ترك آخرون دون أيّ “اشتراك” كهرباء على الإطلاق. 

وجدت  دراسة أجراها البنك الدولي في 2020 أن مشغلي القطاع الخاص لديهم مولدات بقدرة 500 كيلو فولت أمبير (KVA) كل منها قادرة على إمداد ما يقرب من 300 أسرة. وأشارت الدراسة أن وفورات الحجم تتيح زيادات كبيرة في أرباح المالكين مع كلَ مولد إضافي. 

واليوم يندد معظم السكان بأصحاب المولدات ويعتبرونهم “مافيا” لها علاقات غامضة مع شخصيات في الطبقة السياسية. وفي حين لا توجد أدلة كافية على وجود مافيا للمولّدات على مستوى البلاد، إلا أن “حروب عصابات” اندلعت بين أصحاب المولّدات المتنافسين، شملت أحياناً معارك بالأسلحة النارية العام الماضي في طرابلس وبيروت. 

"منذ سنوات تعمل المولدات الخاصة على سدّ هذه الفجوة، وهي توفّر الآن إمكانية الوصول إلى الكهرباء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع - لمن يستطيع تحمل تكاليفها."

ثم بالإضافة إلى الصعوبات اقتصادية التي فاقمتها ظاهرة المولّدات الخاصة، تشير دراسة مقبلة إلى الارتباط بين التلوث المتزايد (الناتج عن المولّدات) وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في بيروت. وبالمقابل فإن وجود عشرات الآلاف من وحدات التكييف التي تضخ الهواء الساخن إلى الخارج ساهم في خلق ما تسمى “جزر حرارية حضرية” أي ارتفاع درجات الحرارة في أجواء المدن. 

أما الاستجابة الأكثر إيجابية لأزمة الكهرباء في لبنان فكانت الاعتماد المتسارع على الألواح الشمسية الكهروضوئية منذ عام 2019. 

فقد أدى رفع الدعم عن الوقود عام 2021 إلى زيادة هائلة في استيراد معدّات الطاقة الشمسية، وتم تركيب ما يعادل 100 ميغاوات من إنتاج الطاقة الشمسية في عام 2021 و500 ميغاوات في 2022. 

ففي مناطق مثل بعلبك الهرمل، فمن المرجح أن تتجاوز معدلات اعتماد الطاقة الشمسية الكهروضوئية 70 بالمئة في المناطق السكنية، مما يجعلها بين أكثر المناطق المغذاة بالطاقة الشمسية في العالم. كما بدأت المصانع في وادي البقاع بالاعتماد على اللوائح الشمسية على نطاق واسع. 

إصلاح فجوة الطاقة 

رغم كل ما سبق، فإن اعتماد الطاقة الشمسية ما زال محدوداً. ووفقاً لوثائق داخلية من شركة كهرباء لبنان فمن المتوقع أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 12 بالمئة فقط من إجمالي قدرة التوليد بحلول نهاية هذا العقد، وعلى رأسها مزارع الطاقة الشمسية الكبرى الممولة من القطاع الخاص. 

ففي المناطق المبنية والحضرية، تقل احتمالية قيام السكان بتركيب الألواح الشمسية، نظراً لمحدودية مساحة الأسطح وخلافات الجيران حول الوصول إليها، وأيضأ بسبب ارتفاع كلفة الألواح الشمسية والبطاريات. ففي عام 2023، بلغت تكلفة نظام طاقة شمسية كهروضوئية (والبطاريات) بقدرة 5 كيلووات حوالي 5000 دولار. 

وفي حين لا يوجد حل بسيط لقطاع الطاقة، فإن الخطوات نحو مستقبل أفضل في لبنان ما تزال واضحة. 

أولاً: على الدولة زيادة رقابتها على المولّدات وممارسة دورها التنظيمي لضمان اعتماد أصحاب المولدات للتسعير المقنّن بمستويات تعريفة تحددها الحكومة – وتركيب أنظمة تصفية للحد من تلوث الجوّ. 

ثانياَ: لا بد مراجعة قوانين البناء بحيث تتطلب التبريد السلبي وتحسين العزل الحراري، والاعتماد على مواد البناء الطبيعية مثل الطوب الطيني والخشب. 

ثالثاً: يجب تعديل صفقة الوقود العراقية لتشغيل محطتي دير عمار والزهراني لتوليد الطاقة، واستبدال الوقود العراقي بالغاز الطبيعي المضغوط من مصر، وهو بديل ذو تكلفة أقل وأنظف بكثير. 

وأخيراً: يمكن للحكومة اللبنانية أن ترفع سقف توقعاتها في مجال الطاقة المتجددة من خلال قبول العرض من قطر لتركيب مجموعة طاقة شمسية بقدرة 100 ميغاوات، الصفقة التي يبدو أنها قد سحبت بشكل غامض من قبل قوى سياسية غير محددة. 

في مطلع هذا العام، وضع البنك الدولي سيناريو يتم من خلاله تحويل إنتاج الكهرباء إلى الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، مما يتيح للبنان خفض تكاليف الطاقة بنسبة 41 بالمئة، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 43 بالمئة، والحد بشكل كبير من تلوث الهواء. وحتى ذلك الوقت، قد تضطر معظم الأسر اللبنانية إلى استخدام المراوح اليدوية لأنها تواجه اليوم صيفاً طويلاً حاراً ومليئاً بالضباب الدخاني. 

بقلم تشارلز لاوري، خبير الطاقة في البديل. تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في العربي الجديد.

المواضيع ذات الصلة