الاتحاد الأوروبي يكافئ لبنان على سلوكه السيء بمليار يورو

إن توزيع بروكسل لمليار يورو على لبنان فيه انتهازية فاضحة، وهو بمثابة مكافأة للبنان على فشله بالإصلاحات.

16 أيار، 2024

من المؤكد أن السلوك السيئ، كما الحسن، له مكافآته. أو ربما فقط إن كان سلوك النخبة السياسية في لبنان، والتي ضمنت لنفسها الأسبوع الماضي مليار يورو من المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي. 

ففي 2 أيار أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس عن حزمة المساعدة لمدة ثلاث سنوات في مؤتمر صحفي مشترك في بيروت مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي. 

وصاغت بروكسل هذه المساعدات كالتزام بدعم اللاجئين السوريين و”الفئات الضعيفة الأخرى” في لبنان، كما لمحاولة الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من خلال تعزيز لقوات أمن الحدود اللبنانية. 

أما بالنسبة للطبقة السياسية الكليبتوقراطية في لبنان، كان مفاد الرسالة من هذه المساعدات أن أوروبا لن تحملّكم المسؤولية عن دفع البلاد إلى الحضيض بإساءتكم للسلطة، بل إنها سوف ترضخ إذا استخدمتم الضغوطات الصحيحة. 

علينا التذكر أن هذه الطبقة السياسية التي قادت البلاد إلى انهيار مالي مدمّر منذ خمس سنوات لا تزال مصرّة على المماطلة في الإصلاحات اللازمة لبدء التعافي الاقتصادي في البلاد، أي أنهم يمهّدون الطريق للانزلاق إلى الهاوية.

فهي الطبقة السياسية ذاتها التي أدى تهورها المتعمّد (على أقل تقدير) إلى انفجار مرفأ بيروت الكارثيّ عام 2020 والتي بذلت شتى الجهود لعرقلة أي تحقيقات لتحديد المسؤولية عن المأساة المروّعة. 

ثم بالإضافة إلى كل تلك الضغوطات، يوجد اليوم أيضاً ما يقرب من 100 ألف من اللبنانيين نازحون داخلياً بسبب الحرب بين إسرائيل وحزب الله على الحدود الجنوبية للبنان. وفي هذه الأثناء تشتعل التوترات الاجتماعية أيضاً بشأن ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري في البلاد ــ وهو أكبر عدد من اللاجئين في العالم بالمقارنة مع تعداد سكان المجتمع المضيف. 

أثبت اللاجئون السوريون فائدتهم للقيادة السياسية في لبنان، على الصعيدين المحلّي والدولي. فإن كبار المسؤولين من مختلف الأطياف السياسية يستخدمون السوريين ككبش محرقة كي يتفادوا اللوم عن دورهم في التسبب بانهيار لبنان، ولهذا الغرض تجرى من وقت إلى الآخر حملات أمنية واسعة النطاق وانتهاكات لحقوق اللاجئين السوريين. 

كما استغلت الطبقة السياسية وجود اللاجئين لابتزاز المجتمع الدولي لأجل التمويل، حيث بلغت مساعدات الاتحاد الأوروبي وحدها 3 مليارات يورو منذ عام 2011. 

"عند الفحص الدقيق، يتضح جلياً أن هذه الأموال لا تدل على تحول في السياسة، بل هي جزء من نهج قائم للاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين على المستوى الإقليمي".

وفي الأشهر الأخيرة، صعّد القادة اللبنانيون مرة أخرى خطابهم العدائي ضد السوريين كوسيلة ضغط تجاه الاتحاد الأوروبي. ففي كانون الأول 2023، اقترح رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تسهيل الهجرة من لبنان إلى أوروبا كوسيلة لتخفيف عبء اللاجئين على البلاد. 

ثم أدى مقتل ناشط سياسي لبناني في أوائل نيسان على يد “عصابة سورية” حسبما زُعم، إلى وصول الخطاب المناهض للسوريين في لبنان إلى أوجّه. ثم في أواخر نيسان استغلّ وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين هذه التوترات الشعبية وصرح أن على لبنان “فتح الموانئ البحرية على نطاق واسع […] من أجل الضغط على الدول الأوروبية.”

ولا يقابل الموجات الأخيرة للخطاب العنصري المعادي للسوريين في لبنان سوى كراهية صناع السياسات الأوروبيين تجاه كل الأجانب، مع صعود القومية اليمينية التي أعادت تشكيل السياسة الخارجية الأوروبية. 

وهذا ما اتضح من خلال اتفاقيات الاتحاد الأوروبي الأخيرة مع موريتانيا وتونس ومصر، وترتيباتها الأمنية مع ليبيا، إذ الهدف من كل هذه المساعي الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. 

وفي حين تستمر الدول الأوروبية بتقديم خطابات فارغة ومبتذلة عن المبادئ الإنسانية، فإن هذه الصفقات تمكّن جهات لها تاريخ حافل في انتهاك حقوق الإنسان لممارسة العنف في منع المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. وفي الأسبوع الماضي، جاء دور لبنان للانضمام إلى هذا الركب. 

"مهما كانت النتيجة، فإن الدعم المالي الأخير من الاتحاد الأوروبي ليس مقروناً سوى بالحد الأدنى من الرقابة، وبالتالي من المرجح أن يؤدي إلى إدامة نظام الحكم الفاشل في لبنان بدلاً من الدفع نحو الإصلاحات الضرورية".

أصر الزعماء الأوروبيون لسنوات على أن المساعدات المقدمة للبنان مشروطة بالإصلاحات. ففي أعقاب انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تعهّد قادة الاتحاد الأوروبي والدول الغربية، وعلى رأسهم آنذاك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أثار وصوله إلى بيروت ضجة كبيرة بُعَيد الانفجار، بتقديم أموال “لن تقع في أيدي الفاسدين“. 

والمضحك أن الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2022 أدرج في برنامجه الإرشادي متعدد السنوات 2021-2027 (MIP)، وهو برنامج مساعدات ثنائي للبنان، أن الدعم “يجب أن يكون مشروطاً بإحراز تقدم ملموس في الإصلاحات، أولها في مجالات سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية، وسيادة القانون، ومكافحة الفساد، وفي قطاعي البنوك والكهرباء”. ثم نص البرنامج أن المخصصات المالية للفترة 2025-2027 لابد أن تكون “مسبوقة بمراجعة لتنفيذ خطة البرنامج”.

هذه المراجعة لم تحدث، وباعتراف الاتحاد الأوروبي نفسه فقد فشل لبنان تكراراً في تحقيق أي من الإصلاحات المطلوبة. ومع ذلك لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من فرض أي عواقب ولم تعد بياناته اليوم أكثر من مجرّد إعلان مواقف، كما كان الحال في برنامج عقوبات الاتحاد الأوروبي في لبنان عام 2021. حيث تم تمديد برنامج العقوبات هذا ثلاث مرات كأداة تهدف نظرياً لمعاقبة الزعماء اللبنانيين الذين يعرقلون الإصلاحات،  لكنه لا يزال غير مفعّل. 

وعند الفحص الدقيق، يتضح جلياً أن هذه الأموال لا تدل على تحول في السياسة، بل هي جزء من نهج قائم للاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين على المستوى الإقليمي. 

“الجديد” في هذا التمويل المشروط في لبنان اليوم لا يتعدّى التفاصيل المملّة، إذ ستحوّل حوالي ثلاثة أرباعه لتمويل الاستجابة التي تقودها الأمم المتحدة لأزمة اللاجئين على مدى السنوات الأربع المقبلة، وهي مستمرّة منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011. أما الربع المتبقّي، والمخصص لدعم قطاع الأمن، فهو تطوّر جديد بعض الشيء. إلا أن هذا الدعم، وخاصة للقوات المسلحة اللبنانية، مستمرّ منذ سنوات عديدة، بدعم من الاتحاد الأوروبي وغيره من المانحين الغربيين. 

وفي هذا السياق يجب النظر إلى زيارة فون دير لاين بكونها “لعبة علاقات عامة”. فهي رسالة إلى قاعدتها الشعبية “الوسطية” في الاتحاد الأوروبي تسعى إلى درء التحديات التي يمثلها اليمين المتطرّف في أوروبا من خلال “الجدّية في التعامل مع الهجرة” في حين أنها لا تقدم أي التزام حقيقي بدعم لبنان، ولا اللاجئين السوريين. 

والواقع أن الجهود الأخيرة التي بذلها تحالف الدول الأعضاء، بما في ذلك النمسا واليونان وإيطاليا وقبرص، دعت إلى إنشاء “مناطق آمنة” في سوريا، وهي الاستراتيجية المدعومة الآن على أعلى المستويات في الاتحاد الأوروبي. 

إذ تناول اجتماع المجلس الأوروبي في 17 نيسان 2024 لبنان وأزمة اللاجئين السوريين بالتحديد، وتم التأكيد في الاستنتاجات على الحاجة إلى تهيئة “الظروف اللازمة لعودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين السوريين”. ومن المشكوك فيه ما إذا كان أي من هذا كله ممكناً في الواقع، نظرا لـ “الاضطهاد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” التي واجهت العديد من السوريين العائدين على يد حكومتهم، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. 

ومهما كانت النتيجة، فإن الدعم المالي الأخير من الاتحاد الأوروبي ليس مقروناً سوى بالحد الأدنى من الرقابة، وبالتالي من المرجح أن يؤدي إلى إدامة نظام الحكم الفاشل في لبنان بدلاً من الدفع نحو الإصلاحات الضرورية. 

وبعدم فرضه أي شروط حقيقية على هذه المساعدات أو أي أنظمة للرقابة والعقوبات، فالاتحاد الأوروبي اليوم لا ينجح سوى بتمكين الاستراتيجيات السياسية الاستغلالية التي يتبناها القادة اللبنانيون، والتي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات التي يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف وطأتها. وفي نهاية المطاف، فإن مكافأة الاتحاد الأوروبي لسلوك نخبة لبنان السياسية أشبه بنهج “الجزرة فقط دون العصا” – بحيث يحصل الفاسدون من زعماء لبنان على “الجزرة”، في حين يتلقى كل من بقي “العصا”. 

بنجامين فيف هو محلل أبحاث في Triangle وكاتب في البديل وهي مؤسسة بحثية مستقلة في بيروت. عمل سابقاً في “سيريا ريبورت” المصدر الرئيسي للمعلومات الاقتصادية والسياسية حول سوريا. بنجامين أيضاً باحث في الشؤون العربية ومتخصص في السياسة اللبنانية. 

تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في العربي الجديد.

 

المواضيع ذات الصلة