إن التصعيد العسكري الإسرائيلي الهائل ضد لبنان اليوم يهدد بتسريع انحدارنا المستمر نحو هاوية انحلال الدولة والمؤسسات، وهذا احتمال قد لا تتمكن الدولة اللبنانية من تفاديه.
فمنذ منتصف أيلول قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف العديد من المباني في المدن والمنازل في القرى وبالنتيجة تهجير أكثر من مليون لبناني من منازلهم والتسبب بأضرار تقدر بمئات الملايين من الدولارات. وبعيد ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي بدء الحرب البرّية هذا الأسبوع، وإرسال قوات مقاتلة عبر الحدود في جنوب لبنان.
في أي بلد في العالم فإن هذه الحملة العسكرية قد تشكل أزمة وجودية، إلا أن لبنان (وقبل الحرب) كان قد قطع منتصف الطريق نحو الهاوية. فإن المؤسسات العامة والاقتصاد بشكل عام في وضع “الزومبي” بعد أربع سنوات من الانهيار المالي، وانهيار العملة المحلية والتضخم والفقر المتزايدين، وكان البلد يقبع تحت أزمة مصرفية تجارية لا تنتهي وجمود في المصرف المركزي، ثم جاء الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، وأدى الجمود السياسي إلى تفاقم هذا الوضع العام. كما أن لبنان دون رئيس جمهورية منذ 2022، وأزمة اللاجئين السوريين المستمرة وتداعياتها صدّعت التماسك الاجتماعي.
ثم في تشرين الأول 2023، حين أصبحت الحدود الجنوبية منطقة مواجهات نشطة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، زادت سلسلة الأزمات لتشمل 100 ألف نازح وانهيار اقتصادي كامل في بعض أجزاء الجنوب اللبناني. إلا أن شدة التصعيد العسكري الإسرائيلي اليوم هائلة من حيث الحجم والحدّة، وليس لها نهاية واضحة في الأفق.
في حين أن المسار العام للصراع خارج أيدي صناع القرار اللبنانيين إلى حد كبير، إلا أن هناك خطوات رئيسية يمكنهم اتخاذها لإنشاء ضمانات وتحصين البلاد للاستجابة للتطورات. فعلى الطبقة السياسية أن تجد طريقة للارتقاء إلى مستوى الواجب العام، وتفضيل المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية المتناحرة، ومعالجة عدم الكفاءة التي تتسم بها قيادتها.
ومن بين الخطوات التي يجب على صناع السياسات اللبنانيين اتخاذها لتجاوز هذا المنعطف، ما يلي:
1. انعقاد مجلس الوزراء وإعلان حالة الطوارئ
على مجلس الوزراء اللبناني أن يعلن حالة الطوارئ ويقرّ بالتزامه تنفيذ القرار مجلس الأمن رقم 1701 كاملا. وبحسب ما ورد يجري رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الآن محادثات غير مباشرة مع حزب الله. وهناك دلائل تشير إلى أن قادة حزب الله قبلوا ضمنياً التسوية التي تم التفاوض عليها بين الرئيس نبيه بري ودبلوماسيين غربيين. فالآن هو الوقت المناسب لإضفاء الطابع الرسمي على التزام لبنان باتفاق وقف إطلاق النار هذا من خلال القنوات الرسمية والاستفادة من دعم المجتمع الدولي لخفض التصعيد.
2. انتخاب رئيس الجمهورية لإنهاء الجمود السياسي
في هذه الأوقات التحولية، تحتاج أي دولة إلى رئيس لطمأنة المواطنين وقيادة عملية صنع سياسات استجابية. ولا بد أن يجتمع البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد دون المزيد من التأخير. وهذا من شأنه أن ينهي الفراغ الدستوري المنهك للدولة ويساعد في استعادة الشرعية لمؤسساتها. فإن وجود رئاسة فاعلة وتشكيل حكومة طوارئ تتألف من جميع الكتل السياسية الرئيسية من شأنه أن يسمح للحكومة بأن تكون أكثر استجابة للأزمة. كما ستنشأ العديد من التأثيرات الإيجابية إذا تبين للرأي العام المحلي والدولي أن الخلل في الحكومة اللبنانية مؤقت وليس دائماً.
3. نشر الجيش اللبناني على كافة الاراضي اللبنانية
ينبغي على القوات المسلحة اللبنانية أن تستدعي قوات الاحتياط على الفور للمساعدة في تنفيذ ثلاث أولويات: (1) تجهيز قوات ومعدات كافية للانتشار السريع في جنوب لبنان لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، إذا ومتى أصبح ذلك ممكناً؛ (2) نشر الجنود في المناطق الحضرية الرئيسية وبؤر التوتر للمساعدة في طمأنة الجمهور المهتز ومنع حدوث توترات اجتماعية؛ (3) التنسيق مع قوات الأمن الأخرى ومنظمات الإغاثة للمساعدة في عمليات الإغاثة اللوجستية للسكان النازحين، بما يشمل بناء ملاجئ الطوارئ ونقل إمدادات الإغاثة الأساسية إلى نقاط التوزيع.
4. تسهيل الإغاثة في حالات الطوارئ
وتقوم الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة في تخطيط سيناريو الإغاثة، وأطلقت مؤخراً نداء عاجلاً للمانحين مع الأمم المتحدة. هذه الجهود جديرة بالثناء ويجب أن يستمر التنسيق بين الحكومة ومنظمات الإغاثة وأن يحظى بمزيد من الدعم السياسي والمؤسسي. ويمكن أن يشمل ذلك التنسيق جوانب عديدة بدءاً من تأمين أموال المانحين الدوليين لمنظمات الإغاثة، والمساعدة في التنسيق الشامل لعمليات الإغاثة، وحتى تسهيل التسليم وتوزيع المساعدات على الأرض. لا بد أن ينصبّ التركيز اليوم حول تأمين المساعدة الإنسانية للنازحين، وتوفير المأوى والرعاية الطبية والمواد الأساسية للمتضررين من النزاع.
5. تأمين الاستقرار في المأوى والسكن
مع موجة النزوح الكثيف ارتفعت أسعار الإيجارات الناجمة عن زيادة الطلب، تهدد أزمة الإسكان اليوم بإثارة التوترات بين الطوائف. وبالتالي على وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد بدء تدخّل منسق لفرض حدود قصوى لأسعار الإيجار بشكل مؤقت ومنع عمليات الإخلاء والتلاعب بالأسعار. اليوم فإن توفير الإسكان الميسر بغاية الأهمية لحفظ الاستقرار الاجتماعي، خاصة مع تدفق النازحين داخلياً إلى المراكز الحضرية. وإذا تُرك سوق الإسكان دون رادع، فقد يصبح بؤرة اشتعال للعنف بين المجتمعات الأهلية.
نشر هذا المقال في الأصل في موقع CounterPunch.