الميزانية الزائفة: ميزانية لبنان لعام 2022 تعاقب الفقراء لحماية الأغنياء

يتضح أن ميزانية 2022 هي مجرد استيلاء آخر على السلطة من قبل المؤسسة بحجة الإصلاح الشامل.
البديل

14 أيلول، 2022

تخطط معظم حكومات العالم لميزانية العام القادم بحلول شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام، لكن ليس في لبنان. قد يعتقد المرء أنه بعد مرور أربع سنوات على واحدة من أسوأ الأزمات المالية التي شهدها العالم على الإطلاق أن أقل ما يمكن أن يستحضره البرلمان اللبناني هو خطة إنفاق بهدف إنعاش البلاد، وبدلاً من ذلك، تم إشعار أعضاء البرلمان في أواخر الأسبوع الماضي لحضور جلسة استثنائية للبرلمان هذا الأسبوع تهدف للوصول إلى ميزانية لمدة عام قد مضى على الأغلب. إذ إنه من الواضح أن النقطة لا تكمن في تقديم نقاش موضوعي حول إيرادات الدولة ونفقاتها، وكما يبدو أن نواب المؤسسة قد عقدوا صفقة لتأجيل التغيير الهيكلي عن طريق تحويل المزيد من الخسائر إلى السكان بشكل عام بدلاً من أولئك الذين تسببوا في الأزمة.

أما في صميم مشروع الموازنة فإنه يوجد اقتراح “الدولار الجمركي” الذي يرفع سعر الصرف على الرسوم الجمركية من سعر 1.507 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد قبل 2019 إلى 20 ألف ليرة لبنانية كبداية، مع وجود بعض الاستثناءات على السلع الأساسية، وهذا من شأنه أن يزيد إيرادات الدولة من الناحية النظرية، مما يمكنها من زيادة أجور الموظفين الرسميين، واستئناف الوظائف الحكومية التي أصيبت بالشلل بسبب الإضرابات المتتالية، وعجز الموظفين عن أداء وظائفهم نظراً لانخفاض قيمة الرواتب.

التضخم بدلا من الإصلاح 

لا أحد يعارض امتلاك الحكومة المزيد من المال لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية الذين يتقاضون أجورا متدنية بشكل يرثى له، أو دفع تكاليف إنتاج الكهرباء (وإن كان ذلك لكارتل وقود). ومع ذلك، فإن الميزانية التي يتم تمريرها حاليا من خلال البرلمان لن تفعل شيئا سوى تأجيج نيران التضخم وتفاقم الأزمة إذا لم تكن جزءا من مجموعة أكثر شمولا من الإصلاحات. في الوقت الحالي، يجني المستوردون فوائد الهيكل الحالي، من خلال دفع رسومهم الجمركية عند 1,507 ليرة للدولار. وإذا دفع المستوردون رسومهم بمبلغ 20,000 ليرة أو أكثر، فإنهم سيمررون هذه الرسوم تلقائيا إلى المستهلكين (ثم بعضهم)، مما يضع ضغوطا تصاعدية على الأسعار ويمحو أي فائدة متصورة للدولار الجمركي. 

ومما يثير القلق أن الميزانية تقترح أيضاً منح سلطة تحديد هذه النسبة إلى وزير المالية، وهو انحراف عظيم عن القاعدة الحالية، حيث يتمتع البرلمان بسلطة تحديد سعر الصرف بموجب المادتين 2 و229 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، ومن شأن هذه الخطوة أن تقنن سلطة المسؤول التنفيذي المنقسّم والمنكشف سياسياً لبسط السيطرة السياسية على أسعار الصرف بشكل مباشر، فضلاً عن تبرير العمل بأسعار الصرف المتعددة، وهي ممارسة غير قانونية واصلها مصرف لبنان المركزي والحكومات المتعاقبة خلال الأزمة المستمرة.

من شأن تغيير معدل الرسوم الجمركية أن يعزز إيرادات الدولة كأداة سياسية، هذا إذا كان الإجراء جزءاً من مجموعة من الإصلاحات الهامة الأخرى. أولاً وقبل كل شيء، بدلاً من الإصلاح الجزئي لسعر الصرف يجب أن تعطى الأولوية لتوحيد سعر الصرف، ويعتبر ذلك شرطاً أساسياً من قبل صندوق النقد الدولي الخاص باتفاقيات القروض، كما يجب أن يقترن التغيير الشامل في سعر الصرف بقانون مناسب للتحكم في رأس المال لتفادي اندفاع البنوك عند تغيّر سعر الصرف. وبالتوازي مع ذلك، فإن الإصلاحات مثل رفع السرية المصرفية بأثر رجعي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي من شأنها أن تمهد الطريق لتحصيل الضرائب بشكل فعّال في إطار عملية إصلاح حقيقي للميزانية، حيث تشكل الضرائب التصاعدية أساساً لتحصيل إيرادات الدولة وتمويل الخدمات الاجتماعية بشكل منصف.

لا تقدم الميزانية الكثير بخصوص الإصلاحات المتعلقة بالهيكل الضريبي غير العادل في لبنان، وهو ما يتيح التهرب الضريبي ومعدلات ضريبية منخفضة للأثرياء مع فرض عبء مفرط على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط خلال الضرائب التنازلية، مثل ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية على سبيل المثال لا الحصر، حيثُ إنه في العادة يتم الحصول على حوالي 80% من الإيرادات الضريبية من الضرائب التنازلية بدلاً من الضرائب التصاعدية. وعلى غرار ذلك تقترح الميزانية الحالية رفع معدلات بعض الضرائب والرسوم مثل رسوم الطوابع المالية، بالإضافة إلى رسوم العقارات، الرسوم الطبوغرافية، رسوم جواز السفر، والمطارات الجديدة من بين أمور أخرى، وحتى الآن فإن التدبير التدريجي الوحيد (جزئياً) الذي تم إدخاله في مشروع الموازنة هو ضريبة العقارات المكتملة البناء وغير المأهولة.

كان من الممكن أن تبدأ الميزانية عملية استبدال مصادر الدخل التراجعية برفع الضرائب التصاعدية بدلاً من استمرار وتقوية هياكل الإيرادات غير العادلة في لبنان، إذ إن الخيارات تتعدد لمثل هذه البدائل، بما في ذلك رفع معدل الضريبة من الدرجة الأولى من 25% إلى متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (حوالي 40%)، وفرض ضرائب على السيارات الفاخرة والعقارات، فضلاً عن غرامات مالية على أولئك الذين مكنوا واستفادوا من مخطط بونزي الذي أدى إلى الأزمة المالية، وعلاوة على ذلك فإن مجرد تعزيز تحصيل الضرائب والقدرة على القيام بذلك من خلال الإزالة بأثر رجعي للسرية المصرفية يمكن أن يدر ما يصل إلى 3.5 مليار دولار سنوياً وفقاً لتقديرات مركز تراينجل للأبحاث.

عقد اجتماعي جديد 

الميزانية الحالية ليست إلا خدعة من قبل المؤسسة لمواصلة السير على الطريق المدمر الذي سلكته البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، إذ إنه بموجب العقد الاجتماعي الحالي لا يدفع من يملكون الوسائل نصيبهم العادل، وهو أمر ينعكس بوضوح في الميزانية وقانون الضرائب، حيث يكون نهج الحكومة قصير النظر وغير المكتمل لتصحيح النظام الضريبي بدون خطة اقتصادية واضحة غير فعال في حل المشاكل الحالية التي تعاني منها البلاد. ومع ذلك، على المدى الطويل ومن دون التزام حقيقي بفكرة أن أولئك الذين لديهم الوسائل يجب أن يدفعوا أكثر من أولئك الذين لا يملكون، فمن المرجح أن تستمر مسرحية الميزانيات الزائفة، حيث يفرض دستور لبنان في أقل من شهر بقليل عقد جلسة عادية للبرلمان لمناقشة موازنة 2023، ولا يمكن للمرء إلا أن يأمل بحلول ذلك الوقت أنه يمكن لأولئك الذين يمثلون حقاً قوة من أجل التغيير أن يقترحوا ميزانية تمثل تغييراً في العقد الاجتماعي الذي أوصل البلاد إلى الخراب.

المواضيع ذات الصلة