طائفية مركبة
تعطي نتائج الدراسة بعض الأمل للمعارضة في المناطق الحضرية الأكثر ثراءً أو لمن لديهم عدد أقل من الناخبين بشكل عام، فهي تشير أيضاً إلى أن الطائفة والأسرة تظلان معقل جاذبية الأحزاب التقليدية لقاعدة الناخبين، فقد ذكر في الواقع أن 50% من المصوتين للأحزاب التقليدية لديهم “أسباب تاريخية” لاختيارهم مقارنة بأقل من 1% بين المرشحين المستقلين.
إن هذا الاتجاه يستمر مع أسئلة حول الالتزام بالقرية والأسرة والمنطقة، والتي تظهر فيها استطلاعات الاقتراع بشكل كبير لصالح المرشحين التقليديين مقارنة بالمستقلين (انظر الرسم البياني)، وهو ما يشير إلى أن أساليب الترهيب والتصويت الطائفي لا تزال من العوامل المهيمنة على منطق الناخبين الذين يدعمون الأحزاب التقليدية حتى لو لم يفكروا كثيراً في أولئك الذين يصوتون لهم، فقد اعتقد 98% من المستجيبين أن أداء النخبة الحاكمة كان سيئاً (79%) أو متوسط (%)، ومع ذلك فإن 40% ممن أجابوا بأنهم “سيئين” ما زالوا يخططون للتصويت للأحزاب التقليدية، بينما سيمتنع أكثر من 50% من المستجيبين عن التصويت بسبب عدم وجود مرشحين واعدين.
المحسوبية فوق السياسة
ما يتضح أيضاً من نتائج الاستطلاع هو أن القوة المالية ورعاية الأحزاب التقليدية لا تزال تسيطر على الناخبين، حيث وجدت منظمة أوكسفام أن 53% من المشاركين الذين سيصوتون للأحزاب التقليدية، بالإضافة إلى 41% ممن سيصوتون لأحزاب مستقلة قد شهدوا شراء للأصوات في أحيائهم، ويتجسد شراء هذه الأصوات بعدة طرق مثل توفير النقل إلى مراكز الاقتراع، وتوفير الكهرباء المشتراة من السوق السوداء، وبالتأكيد التبادل النقدي الأكثر مباشرة للأصوات، إذ لطالما كانت الفئات الضعيفة هدفاً لشراء الأصوات والعملاء في لبنان، ولكن مع تدهور الوضع الاقتصادي أصبح شراء الأحزاب التقليدية للسلطة السياسية أرخص وأسهل، و مع وجود أكثر من 80% من السكان الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد يمكن الآن اعتبار الغالبية العظمى من الناخبين ضعيفة.
ومع ذلك فإن المحسوبية السياسية تتجاوز شراء الأصوات، ومن المعروف أنها تحتكر خدمات ووظائف القطاع العام، وفي ظل التدهور السياسي والاقتصادي للبلاد الذي يعني أيضاً قلة الخدمات العامة التي تقدمها الدولة، يبدو أن اعتماد المواطنين على شبكات العملاء من قادتهم السياسيين قد تعمّق، إذ وفقاً لدراسة أوكسفام فإن 32% ممن يعتزمون التصويت للأحزاب السياسية التقليدية سيفعلون ذلك لأن هذه الأحزاب تدعمهم مالياً على مستوى القرية أو المنطقة أو الطائفة، مقارنة بـ 0.8% فقط للمستقلين، كما يرتبط انخفاض فرص الحصول على الخدمات بالدعم المقدم للأحزاب التقليدية (ونظم المحسوبية الخاصة بها)، ولا سيما فيما يتعلق بالتعليم.
في الواقع تزداد احتمالية تصويت المستجيبين لمرشحين مستقلين مع زيادة التعليم الرسمي، ، حيث تتراوح من 44% من أدنى شريحة تعليمية بشكل خطي إلى 56% لمن لديهم شهادات عليا، ومع ذلك لا يزال المستجيبون ككل يعبرون عن ثقتهم في المرشحين المستقلين من خلال قدرتهم على تحسين الأزمة الاقتصادية (63%)، وظروف المعيشة (62%)، والحوكمة بدون فساد (55%)، مقارنة بـ 40% و43% و40% على التوالي مع المرشحين التقليديين، ويظهر بشكل عام أن هناك إيمان اسمي أكبر بالمستقلين للحكم بشكل أكثر فعالية.
حالة انتقالية
لقد ترك العامان والنصف الماضيين اللبنانيين في حيز محصور في انتظار الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأخيراً مع الانتخابات التي طال انتظارها لن يكون الاختيار سهلاً على الناخبين في ظل نظام لم تعد فيه الأغلبية تثق في العملية الديمقراطية أو في تنفيذ القانون، مما يصعب على العديد من الناخبين رؤية الانتخابات كأداة فعالة للتغيير السياسي.
حيث اقترنت حملة إحباط معنويات النخبة الحاكمة بقانون انتخابي مرتبك يفضلهم في معظم الدوائر، كما ترك العديد من الناخبين يعتقدون أنه لا يوجد بديل، ومن ثم فإن عدم التصويت أو التصويت على أسس طائفية لا يزال يبدو أنه عمل من أعمال الحفاظ على الذات بالنسبة للكثيرين، وهو أمر يتفوق بشكل مفهوم على وجود أجندات سياسية محددة لتوجيه تصويتهم.
ونظراً لأن المرشحين المستقلين لم يتمكنوا من الاتحاد تحت رسالة واحدة واضحة، فقد يكون طوفان المرشحين الذين لديهم القليل من الاعتراف بالحزب أو الاسم قد منع العديد من الناخبين من الابتعاد عن الأحزاب السياسية التقليدية، ولأن انقسام المرشحين المستقلين قد استحوذ عليه المحسوبية السياسية التقليدية والخوف الطائفي، فإنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع من المرشحين المستقلين تحقيق مكاسب كاسحة ضد الأحزاب التقليدية.
ومع ذلك، فإن الانتخابات التشريعية تغذي الأمل في التغيير، وخصوصاً مع اكتساب المرشحين المستقلين مكانة خاصة في دائرتي بيروت والشوف-عاليه الانتخابيتين، وقد لا يرى المواطنون التغيير الذي يرغبون فيه ليلة الانتخابات، ولكن يجب الاعتراف بأن الوعي السياسي للبنانيين قد تغير فعلياً إلى الأفضل، وبغض النظر عن النتيجة فإن هذه الانتخابات ستكون لحظة مهمة لتعلّم الديمقراطية في البلاد.
[1] لوريان توداي، 2022، “ربع اللبنانيين يفكرون في التصويت لشخصية مستقلة في الانتخابات التشريعية في أيار/مايو”، على الإنترنت: https://today.lorientlejour.com/article/1290925/a-quarter-of-lebanese-would-consider-voting-for-an-independent-figure-in-mays-legislative-elections.html
[2] تعتبر بوالا يعقوبيان مرشحة مستقلة.
[3] لم يتم تضمين شمال لبنان في الاقتراع.
[4] أنتوني الغصين، 2017، “خطوة إلى الأمام للانتخابات اللبنانية”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، على الإنترنت: https://carnegieendowment.org/sada/71496
[5] رحاب صوايا، 2021، “تحليل اقتصادي للثورات وسلوك التصويت وإقبال الناخبين”، على الإنترنت: https://repositorium.sdum.uminho.pt/bitstream/1822/75721/1/Revised_Thesis_RihabRSawaya%20%281%29.pdf
[6] الأمم المتحدة الإسكوا، 2021، الإسكوا تحذر: “ثلاثة أرباع سكان لبنان يغرقون في الفقر”، على الإنترنت: www.unescwa.org/news/escwa-warns-three-quarters-lebanon٪E2٪80٪99s-population-plunge-poverty