اعتمد لبنان لسنوات عدة على استيراد القمح و البقوليات من روسيا وأوكرانيا في محاولة لتوفير المواد الغذائية الاساسية للمواطنين و لمختلف الصناعات الغذائية الهامة في لبنان ، في هذه اللحظات و ترافقاً مع تدفق الجنود الروس على أوكرانيا تلوح حالة من عدم اليقين بشأن إمدادات القمح في لبنان، حيث كشف الصراع بالفعل مدى تراخي الطبقة السياسية اللبنانية، تاركة البلاد مفتوحة على مصراعيها أمام الكارثة. اسابيعُ قليلة تفصل لبنان عن نقص حاد في القمح مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الخبز للسكان الذين يعانون لتأمين لقمة العيش أينما وجدت. الأزمة الأوكرانية ليست سوى أحدث تهديد للأمن الغذائي في لبنان في السنوات الأخيرة في أعقاب الأزمات المتلاحقة ، بدئاً من الاقتصاد المتأزم أصلا وانفجار بيروت وصولا الى جائحة كوفيد -19 والعديد من الطلقات التحذيرية الواضحة.
وما يفاقم الوضع سوءا تأثير هذه الحرب المباشر على لبنان، حيث تعتمد بشكل شبه كامل على الواردات من دول البحر الأسود لتلبية الطلب السنوي على القمح. وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة والفاو فقد حصل لبنان في عام 2020 على 66٪ من إجمالي القمح من أوكرانيا و 12٪ أخرى من روسيا. وفي الوقت ذاته ومع الارتفاع المتواصل لأسعار القمح، فإن الحكومة اللبنانية التي تواجه ضائقة مالية ستعاني مجددا لتأمين الخبز لشعبها.
يعتمد لبنان بشكل كامل على الاستيراد بشكل مباشر، خصوصا مع غياب تعزيز الأمن الغذائي او زيادة الإنتاج المحلي، استنادًا إلى أحدث الأرقام ، يساهم المزارعون اللبنانيون بنسبة 18٪ فقط من إجمالي إمدادات القمح في البلاد. و من الجدير بالذكر ان معظم القمح المنتج محليًا هو القمح الصلب ، وهو أكثر فائدة لصنع المعكرونة من الخبز.
تأخير إعادة البناء
من النادر جدا أن ينفذ احتياطي الحبوب الاستراتيجي في اي دولة تحت ظروف مأساوية مشابهة، على سبيل المثال تتيح مخازن مرفأ بيروت تخزين ما يصل إلى 120 ألف طن من القمح التي تحملت جزءًا كبيرًا من الانفجار الذي ضرب بيروت علما ان المبنى المحطم بقي على حاله منذ ذلك الحين مذكراً بالإهمال الإجرامي المستمر للطبقة السياسية في لبنان ، حيث ان الحكومة لم تتخذ أي خطوات فعالة لاستبدال وحدات التخزين المتضررة في مرفأ بيروت. حيث ألقت وزارة الاقتصاد والتجارة باللوم على التحقيق الجاري الخاص بالانفجار لفشلها في إعادة بناء وحدات التخزين في مواقع أخرى، في سهل البقاع مثلاً.
هذا وقد أعلنت وزارة الزراعة في مايو 2020 و تحت ظلال جائحة كوفيد – 19 و التهديدات المتلاحقة لخطوط الإمداد العالمية عن خطط لإنتاج المزيد من الغذاء محليًا ، ومع ذلك فإن هذه الاستراتيجية باءت بالفشل لسوء الحظ. وكانت وزارة الزراعة قد وضعت خطة لزيادة إنتاج القمح المحلي بحلول عام 2025 لدعم المزارعين في زراعة البقوليات و مع ذلك لم تؤت هذه السياسات ثمارها حتى الآن. وحول هذا الموضوع كشف مصدر داخل الوزارة لـ “البديل” أن إنتاج الحبوب والبقوليات لم يرتفع بشكل ملحوظ. وألقى المخبر باللوم على ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية بالنسبة للمزارعين ، إلى جانب أزمة الوقود التي أصابت البنية التحتية الزراعية بالشلل.