وقد تعهّدت تركيا بدعم سوريا في استعادة إمدادات الكهرباء، وأرسلت وفداً إلى دمشق بعد أسابيع قليلة من سقوط الأسد، لمناقشة إعادة تأهيل البنية التحتية لقطاعات النفط والغاز والكهرباء. يأتي هذا في سياق انخراط تركي سابق في محافظات الشمال الغربي السوري. وقد دارت نقاشات حول إرسال بواخر تركية وقطرية لتوليد الكهرباء إلى السواحل السورية، على غرار تلك التي استُخدمت في لبنان بين عامي 2013 و2021، إلا أن التحديات المالية واللوجستية ما زالت قيد البحث مع السلطات السورية.
كما تحرّكت قطر لمساندة الحكومة الجديدة، في محاولة لمعالجة الانخفاض الحاد في إمدادات الغاز، والتي تراجعت من نحو 8.4 مليار متر مكعب في عام 2011 إلى ما يقارب 3 مليارات متر مكعب في عام 2024. وفي آذار أعلنت الدوحة أنها ستبدأ بتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر الأردن، بهدف المساهمة في التخفيف من النقص الحاد في الطاقة. ومن المفترض أن يسمح هذا الغاز، الذي يُسلَّم عبر ميناء العقبة، بإضافة ما يقارب 400 ميغاواط إلى الشبكة، ما قد يرفع ساعات التغذية الكهربائية إلى ثماني ساعات يومياً في عموم البلاد خلال الأشهر المقبلة.
لكن يبقى السؤال القائم: بما أن الجزء المعني من خط الغاز العربي بين العقبة والمفرق يُستخدم حالياً لنقل الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر، فهل سيكون الغاز المُورَّد إلى سوريا إسرائيلي المصدر أيضاً؟
ارتباط مكلف بالكهرباء التركية الخاصة
قبل سقوط نظام الأسد، كانت المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة في شمال شرق [1] وشمال غرب [2] سوريا تعاني من انقطاعات حادّة في التيار الكهربائي، إذ كانت محطات التوليد التي تغذّيها متركزة في مناطق خاضعة لسيطرة النظام أو لفصائل معارضة منافسة. هذا ما دفع بعض المدن في الشمال الغربي، وتحديداً تل أبيض ورأس العين، إلى توقيع اتفاق عام 2021 مع شركة AK Energy التركية-السورية [3] لتوريد الكهرباء من تركيا، ومساعدة السكان على تفادي التكاليف المرتفعة لاشتراكات المولدات الخاصة.
وكانت AK Energy قد زوّدت في وقت سابق مدناً في شمال وشرق محافظة حلب بالكهرباء، مثل أعزاز[4] وجرابلس وجنديرس والباب، وذلك عبر نظام الدفع المسبق. كما أُبرم ترتيب مشابه مع شركة تركية-سورية [5] أخرى هي STE Energy شمل مناطق صوران وأخترين ومارع وعفرين بين نيسان 2019 وكانون الثاني 2020. وفي أيار 2021، وقّعت هيئة تحرير الشام في إدلب اتفاقية مماثلة [6] مع شركة Green Energy.
ورغم أن هذه الترتيبات مع شركات خاصة مكّنت من توفير الكهرباء على مدار الساعة، إلا أن كلفتها المرتفعة جعلتها عبئاً ثقيلاً على السكان، ما أثار احتجاجات متكررة ضد تلك الشركات.[7] في المقابل تمكنت بعض مناطق الشمال الشرقي—مثل الرقة والطبقة، وبدرجة أقل منبج—من الحفاظ على درجة من الاستقلالية الطاقية خلال الحرب، نظراً لقربها من السدود الكهرومائية، ما أتاح لها وصولاً مباشراً إلى مصادر توليد الكهرباء.
وفي أعقاب الاتفاق الذي أُبرم في آذار 2025 بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، وهي ميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتحدة، بشأن دمج هذه القوات في الدولة المركزية، تم نشر وحدات حكومية في سد تشرين كخطوة أولى لاختبار تنفيذ الاتفاق بالتنسيق مع الإدارة الذاتية الكردية. وإذا ما أثبتت هذه التجربة نجاحها، فمن المتوقع أن تمهّد الطريق لمفاوضات أوسع تشمل حقول النفط والغاز الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي.
الطاقة المتجددة لم تكن المنقذ
شهد استخدام الطاقة المتجددة – ولا سيما الطاقة الشمسية – زخماً متزايداً في سوريا في الآونة الأخيرة. وتتمتع البلاد بوفرة من أشعة الشمس على مدار العام، إلى جانب مساحات صحراوية شاسعة، ما يشكّل فرصة فريدة لتوفير مصادر طاقة أنظف وأقل كلفة. وقد ساهمت الألواح الشمسية في تأمين الكهرباء للمنازل وبعض المؤسسات العامة، كالمستشفيات والجامعات، وكذلك لمواطنين في مناطق كانت خاضعة سابقاً لسيطرة المعارضة مثل إدلب، قبل سقوط نظام الأسد.
استفادت سوريا جزئياً من ما سُمّي بـ”طفرة الطاقة الشمسية” في لبنان منذ عام 2020 وتهريب الألواح الشمسية والبطاريات عبر الحدود. ومع ذلك، بقيت القدرة على تركيب هذه الأنظمة محصورة بمن يمتلك القدرة المالية على تحمّل تكاليفها، ولم تُفضِ إلى طفرة تكنولوجية واسعة النطاق كالتي شهدها لبنان، بسبب استمرار القيود المفروضة على حركة الأموال من وإلى سوريا.
أمّا على المستوى التنظيمي أطلق النظام السابق في عام 2021 صندوقاً للطاقة المتجددة بهدف معلن هو تقديم قروض منخفضة أو معدومة الفائدة لدعم تقنيات الطاقة البديلة، في ظل غياب حلول مركزية فورية. كما أصدر تعديلات على قانون الكهرباء لعام 2010، بموجب المرسوم التشريعي رقم 32 لعام 2021، أتاح من خلالها للقطاع الخاص الاستثمار في إنتاج الكهرباء وبيعها إلى الشبكة العامة.
واستثماراً لعودة العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول العربية، حاول النظام جذب استثمارات في البنية التحتية، من بينها مشروع حديقة شمسية بقدرة 300 ميغاواط بتمويل إماراتي في منطقة دمشق، وأخرى في المناطق الصناعية في حلب. لكن أياً من هذه المشاريع لم يُنفّذ على أرض الواقع.
استحقاقات ما بعد الأزمة
تُخلّف ندرة الكهرباء في سوريا تبعات سلبية متعدّدة، بدءاً من تفاقم الأزمات الإنسانية الملحّة ووصولاً إلى إعاقة الاستقرار الاجتماعي. وتقتضي معالجتها اتخاذ إجراءات طموحة على مستوى الحكومة المركزية، إلى جانب انخراط فعّال من المجتمع الدولي. وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التعاون مع الإدارة السورية الجديدة في جهود إعادة التأهيل. وعلى الرغم من رفع واشنطن العقوبات عن سوريا تبقى قدرة هذه الإدارة على تنفيذ إصلاحات شاملة في القطاع محدودة. وفي غياب تحرّك دولي، لا تملك الحكومة الجديدة سوى اللجوء إلى حلول سريعة لتوسيع إمدادات الكهرباء، في ظل مناشدتها المتكررة للمجتمع الدولي—ولا سيما واشنطن وبروكسل—لدعم جهودها على مختلف المستويات، بما في ذلك الكهرباء.