تتعايش المجتمعات اللبنانية والسورية في توازن حساس في محافظة الشمال اللبنانية، ونتيجة للصراع في سوريا يوجد أكثر من 800 ألف سوري مسجلين كلاجئين في لبنان، وهو من أكبر الأعداد من ناحية تركز اللجوء في العالم. ومع ذلك، فإن هذا التوازن الحساس يتعرض للتهديد نظراً للتوترات المتصاعدة التي تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في تأجيجها.
وفي حين تعزز وسائل التواصل الاجتماعي الروابط الاجتماعية على الشبكات الرقمية وتوسع الوصول إلى المعلومات، فإنها تساهم أيضاً في نشر المعلومات الكاذبة وخطاب الكراهية والتحريض ضد الأجانب، مما يزيد من الانقسام بين المجتمعات، ويزيد من التوتر الطائفي عوامل عدة تساهم في رفع منسوب التوتر بين اللبنانيين والسوريين، وهذه العوامل تشمل المنافسة الاقتصادية، بالإضافة إلى الخلافات السياسية والتاريخية.
تناول بحثنا كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المجتمعات اللاجئة والبيئة المستضيفة في خمس مناطق ضمن محافظة الشمال في لبنان للوصول إلى السلع الحيوية والموارد والمعلومات. كما استكشف البحث نظرة المجتمعات تجاه وسائل التواصل الاجتماعي، ومساهمتها في الصراع بين المجتمعات وداخلها.
سهولة نشر السرديات الزائفة
أظهرت دراستنا – التي شملت 460 استبياناً وثماني مجموعات نقاش مركّزة (FGDs) – أن حوالي ثلثي مجموع المشاركين في الاستبيان وجدوا أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً في خلق هذا الانقسام. وكان المشاركون اللبنانيون أكثر ميلاً من غير اللبنانيين إلى اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي مسبباً للتوتر.
كما أفاد المشاركون في الاستبيان أن التأثير السلبي لخطاب الكراهية والأخبار الكاذبة ينتشر غالباً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويؤثر على التماسك الاجتماعي بين المجتمعات اللاجئة والمضيفة في لبنان، وقد قدم السوريون عدة أمثلة حديثة عن المعلومات التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتؤثر سلباً على حياتهم اليومية.
لطالما أعلنت الحكومة اللبنانية أن استضافة اللاجئين السوريين يشكل ضغطاً على الموارد العامة كالكهرباء والمياه والخبز،
ووفقاً للتقارير فإن خطة السلطات اللبنانية الجديدة لإعادة اللاجئين السوريين بالقوة إلى سوريا، بالإضافة إلى إلزام السوريين واللبنانيين بالوقوف في طوابير منفصلة للحصول على ربطات الخبز، قد ساهمت في زيادة حدة الانقسام والاضطراب.
أحد الرجال الذين يعيشون في منطقة المنية- الضنية شرق عاصمة محافظة الشمال طرابلس قال في إحدى نقاشات المجموعات المركّزة: “كسوريين، نشعر بالخوف من الخروج أحياناً”.
تعزيز الانقسامات الطائفية والسياسية
أدت تغذية الأخبار التي تديرها خوارزميات منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى إنشاء غرف مؤطرة في فضاء التواصل الاجتماعي حيث يصبح المستخدم أمام محتوى محدد يعزز قناعاته، ويتعرض المستخدمون فقط للمحتوى الذي يؤكد معتقداتهم، وبالتالي فإن هؤلاء المستخدمين أقل احتمالاً للتفاعل مع وجهات نظر متنوعة، مما يعزز المواقف السلبية تجاه فئات معينة.
أشارت نقاشات المجموعات المركّزة التي أجريت في محافظة الشمال في لبنان إلى أن هذه الظاهرة تعزز بشكل أكبر الانقسامات الطائفية والسياسية بين المجتمعات اللبنانية والسورية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتم مشاركة المعلومات المتعلقة بالوصول إلى الخدمات الأساسية – مثل الرعاية الصحية والتعليم – في المقام الأول داخل الشبكات القائمة، بدلاً من التبادل بين المجتمعات، مما يعمق الانقسامات ويعوق التكامل.
وعلى سبيل المثال، إذا لم يكن لدى مجتمع اللاجئين السوريين في لبنان إمكانية الوصول إلى معلومات حول التعليم في مجتمعهم المضيف، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لن تساعدهم بالضرورة على الحصول على معلومات إضافية، ولكنها ستسهل انتشار المعلومات الموجودة داخل هذه المجتمعات.
ظروف سيئة وتمييز
إن انتشار التمييز الذي يعاني منه اللاجئون السوريون في المجتمعات المضيفة يسلط الضوء على البيئة الصعبة التي يواجهونها. وقال أكثر من ثلث المشاركين السوريين في الاستبيان إنهم تعرضوا للتمييز في مجتمعهم بسبب بلدهم الأصلي. وبشكل عام، قال 47 في المائة من السوريين الذين أبلغوا عن تعرضهم للتمييز إن ذلك يحدث بين مرة وثلاث مرات سنوياً، وقال حوالي ثلث السوريين (31 في المائة) ونصف الفلسطينيين تقريباً إنهم يواجهون التمييز مرة واحدة في الشهر تقريباً. وقال معظم اللبنانيين (84 في المائة) إنهم لم يواجهوا التمييز أبداً، اما من واجه تمييزا ما فكان ذلك بسبب طائفتهم أو دينهم (11 في المائة).
كانت هناك اختلافات ملحوظة بين المناطق الحضرية والريفية، وبشكل عام، وصف 23 في المائة من المشاركين في الاستبيان، الحي الذي يقطنون فيه بأنه ريفي، و30 في المائة كانوا يصفونه بأنه حضري، و47 في المائة كانوا يصفونه بأنه شبه حضري. وقال نحو ثلث المشاركين من المناطق الريفية إنهم تعرضوا للتمييز في مجتمعهم بسبب مكان المنشأ، وقد تكون هذه النسب نظرا أن عدداً أكبر من المشاركين السوريين، والذين قاموا بالإجابة على الاستبيان يعيشون في المناطق الريفية.
تخفيف التوترات
يؤدي نشر المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منع تعزيز التفاهم والتعاون بين المجتمعات في لبنان، وللتعامل مع هذه المشكلة هناك حاجة إلى اعتماد نهج معالجة شاملة.
وعلى سبيل المثال، يمكن لبرامج التوعية الإعلامية مساعدة الأفراد على تقييم المعلومات بشكل نقدي، وتحديد الروايات الكاذبة، في حين يمكن أن توفر مبادرات المشاركة المجتمعية فرصاً للحوار والتفاهم بين مجموعات مختلفة.
يتطلب تعزيز التعايش السلمي والوئام الاجتماعي بين المجتمعات المضيفة واللاجئين في لبنان جهداً جماعياً لمعالجة أسباب التوتر الاجتماعي جذورها من أجل الوصول إلى مجتمع أكثر تكاملاً ورأفة، ويمكن أيضاً أن يلعب الاستخدام الفعّال لوسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً في هذا السعي، من خلال تمكين الحوار القائم على الاحترام وتعزيز تقبل وجهات نظر متنوعة.
تم نشر هذه الدراسة على موقع LSE، يمكنكم قراءتها بالضغط على الرابط هنا.