ففي الأسابيع الأخيرة وحدها قتل 50 مسعف ليصل إجمالي عدد المستجيبين للطوارئ الذين قتلوا منذ بداية النزاع في لبنان إلى أكثر من 163. ومن بين هذه الاعتداءات ما حصل في أوائل تشرين الأول حين دمرت غارة جوية إسرائيلية شقة في مبنى الهيئة الصحية في بيروت مما أسفر عن مقتل سبعة من العاملين في المجال الطبي والإنقاذ. ولم يكن هناك أي تحذير قبل الهجوم، ولم يقدم الجيش الإسرائيلي حتى ادعاءً بوجود مبرّر.
يبدو أن لدى الجيش الإسرائيلي أيضاً سياسة قائمة باستهداف الصحفيين في حربها المستمرة على غزة، والتي يبدو أنها امتدت إلى لبنان. فهذا الشهر، قتلت غارة جوية إسرائيلية ثلاثة صحفيين أثناء نومهم في دار ضيافة في جنوب شرق لبنان. كان الثلاث في مجمع تستخدمه المنظمات الإعلامية كقاعدة لتغطية الصراع، وكانت المركبات في الخارج تحمل علامة “صحافة” بكلّ وضوح. وتضمنت العديد من التقارير الصحفية الغربية عن تفاصيل الحادثة أن هؤلاء الصحفيين يعملون في وسائل إعلام تابعة لحزب الله. لكن ذلك ليس له أهمية في تحديد انتهاكات القانون الدولي الإنساني – فالصحفيون يتمتعون بالحماية بغض النظر عن الجهة التي يعملون لصالحها.
أما الحادثة الأكثر توثيقاً لهجوم الجيش الإسرائيلي على صحفيين في لبنان كانت في 13 تشرين الأول 2023، عندما أطلقت دبابة إسرائيلية النار مرتين من الجانب الإسرائيلي من الحدود إلى لبنان، مما أسفر عن مقتل صحفي رويترز عصام عبد الله وإصابة ستة آخرين. كان السبعة جميعهم يرتدون سترات صحفية، وكانوا متواجدين في المنطقة لأكثر من ساعة و15 دقيقة قبل الهجوم، بينما حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق المنطقة قبل 25 دقيقة من الهجوم. كما ورد في تحقيقات هيومن رايتس ووتش: “كانت القوات الإسرائيلية تعلم – أو كان عليها أن تعلم – أن المجموعة التي كانت تهاجمها كانت صحفية.”
ويبدو أن هذه الحالات تشكل هجمات على مدنيين بنية واضحة، مما يجعلها ترقى إلى جرائم حرب.
ثانيا. قصف القرض الحسن
“لا يجوز أن تكون الأعيان المدنية هدفاً للهجوم أو لأعمال الردع، والأعيان المدنية هي جميع الأعيان التي ليست أهدافاً عسكرية…”
– المادة 52(1) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف
في 20 تشرين الأول من العام الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نيته استهداف المباني والمكاتب المرتبطة بجمعية القرض الحسن، وهي مؤسسة خيرية مسجلة في لبنان تقدم خدمات مالية ذات توجه اجتماعي مثل القروض بدون فوائد وحسابات التوفير و خدمات التحويلات والمدفوعات. وعلى الرغم من ارتباطه بحزب الله، إلا أنه يعمل بشكل مستقل عن الجناح العسكري للحزب.
أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مباني المنظمة في جنوب بيروت والبقاع ومناطق أخرى، ثم قصف ودمر نحو 20 موقعاً.
وأدان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذه الهجمات، مشيراً إلى أنه “بموجب القانون الإنساني الدولي، لا يجوز جعل الأعيان التي تساهم اقتصادياً أو مالياً في المجهود الحربي لأحد أطراف النزاع هدفاً للهجوم على هذا الأساس وحده، لأنها لا تستوفي تعريف الهدف العسكري.”
ينص مبدأ التمييز بموجب القانون الدولي الإنساني على أنه إذا كان هناك شك فيما إذا كانت “الأعيان المخصصة عادة للأغراض المدنية… تُستخدم لتقديم مساهمة فعالة في العمل العسكري”، فلا ينبغي استهدافها، كما هو موضح في المادة 52 (3) للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.
ومن الواضح أن القرض الحسن كان يمثل شريان حياة اقتصادي للعديد من اللبنانيين غير المشاركين في النشاط العسكري لحزب الله. إن ادعاء إسرائيل ببساطة بأن القرض الحسن متورط في تمويل العمليات العسكرية لحزب الله لا يبرر قصف المنظمة، لأن هذه الأهداف لا ترقى إلى “أهداف عسكرية” وبالتالي فإن استهدافها يشكل على الأرجح جريمة حرب.
تحذيرات غير فعالة
“يجب توجيه إنذار مسبق بوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين، ما لم تحل الظروف دون ذلك.”
– المادة 57 (2) (ج)، البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف
يصدر الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر تصريحات عامة تزعم أن قواته المسلحة تتخذ تدابير لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مثل إصدار تحذيرات مسبقة من الهجمات تسمح للمدنيين بالإخلاء. وجاءت هذه التحذيرات بأشكال مختلفة، بما في ذلك المنشورات التي تم إسقاطها من السماء، والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والبث الإذاعي. ومع ذلك يتضح عند الفحص الدقيق أن هذه الجهود غالباً ما تكون قاصرة من عدة نواح.
أولاً تكررت غارات جوية على مناطق مدنية دون سابق إنذار. وفي حالات أخرى، عندما يتم إصدار التحذيرات فإنها تفشل في تلبية شرط “فعالية” أو “جدوى” الإنذار أي أنها لم تصدر في وقت مناسب أو بشكل يسهم في ضمان سلامة غير المقاتلين بشكل حقيقي، بل تبدو هذه الإجراءات روتينية وتهدف إلى تجنب المساءلة.