كما علمنا جوزيف غوبلز، تكمن قوة الدعاية السياسية في التكرار والتلاعب بوسائل الإعلام مثل لوحة مفاتيح. الإعلام، بأيدي مع يحسن استعماله، بإمكانه أن يقنع الناس أن الأرض مسطحة، أو أن يحول أكبر مثيري الشغب في كرة القدم إلى حملان بيضاء وديعة.
في 7 تشرين الثاني انتهت مباراة الدوري الأوروبي بين أياكس أمستردام ومكابي تل أبيب بليلة من المعارك الضارية والعنف العلني. سارعت وسائل الإعلام والسياسيون الغربيون إلى إدانة أعمال العنف في أمستردام ووصفتها بأنها “معادية للسامية”. حتى أن البعض أشار إليها على أنها “بوغروم”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو ضابط إيقاع الحملة الإعلامية العالمية التي أعقبت المباراة، من خلال تأطيره للعنف بأنه “هجوم معاد للسامية مخطط له ضد المواطنين الإسرائيليين”. لم يكن بإمكان أي كاتب السيناريو في هوليوود أن يقوم بعمل أفضل عندما أضاف: “ليلة بلّور في شوارع أمستردام.”
ومع ذلك، فإن العنف في أمستردام، والذي شهد إصابة خمسة إسرائيليين وإلقاء واحد في قناة النهر، كان بعيداً كل البعد عن مقدمة المحرقة في 9 تشرين الثاني 1938، عندما نهب الألمان النازيون وألقوا القنابل الحارقة على آلاف المنازل والشركات والمعابد اليهودية. وذبحوا 91 مواطناً يهودياً.
إن استحضار ذكريات الحرب العالمية الثانية لا يفشل في ضرب الوتر الحساس في هولندا. ففي ظل الاحتلال الألماني في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين، كان عدد كبير جدًا من المواطنين والبيروقراطيين الهولنديين متعاونين للغاية مع النظام النازي وسياساته.
ونتيجة لذلك، تم ترحيل ثلاثة أرباع اليهود الهولنديين البالغ عددهم حوالي 100 ألف ولم يعودوا أبداً. عاش معظمهم في أمستردام، والتي لا تزال معروفة على نطاق واسع باسمها اليديشي: موكوم. ولا يزال التعاون الهولندي مع النازيين في الحرب العالمية الثانية مصدراً للعار الجماعي والشعور بالذنب بين الهولنديين حتى اليوم.
“لقد خذلنا الجالية اليهودية في هولندا خلال الحرب العالمية الثانية”. هكذا قال الملك الهولندي ويليم ألكسندر في حديثه مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ بعد يوم من المباراة. “والليلة الماضية فشلنا مرة أخرى.”
أما رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف فقد شعر “بالرعب” من “الهجمات المعادية للسامية” وطمأن نتنياهو شخصياً أنه سيتم معاقبة جميع الجناة.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، على سبيل المثال لا الحصر، من الزعماء الغربيين الذين يرددون نفس التصريح دون تغيير كلمة، في إشارة إلى وقوع “مواطنين إسرائيليين” ضحايا لهجمات “معادية السامية”.
وينطبق الشيء نفسه على معظم وسائل الإعلام الغربية، والتي وصف أغلبها أنصار “مكابي تل أبيب” بعبارات محايدة، وفي الوقت نفسه وصمت العنف الذي واجهوه على أنه معاد للسامية.
في البداية نشرت الهيئة البريطانية سكاي نيوز تقريراً متوازنا بقلم مراسلة أمستردام أليس بورتر. وذكرت أن المشجعين الإسرائيليين كانوا يرددون أغاني عنصرية ويمزقون الأعلام الفلسطينية. ومع ذلك، قامت هيئة الإذاعة البريطانية بحذف مقطع الفيديو الخاص بها لأنه لا يفي “بمعايير التوازن والحياد” الخاصة بالشركة.