تجارة الظل: الرابحون والخاسرون والديناميكيات الثابتة لعمليات التهريب

لماذا يصعب إيقاف التجارة اللاقانونية العابرة للحدود؟  

آذار 8, 2023

يبلغ عمر التهريب عبر الحدود اللبنانية-السورية من عمر الحدود، وعلى الرغم من أن الحالة الاقتصادية شهدت نشاطاً تجارياً في السنوات الأخيرة، إلا أن العقوبات الدولية التي فرضت على سوريا بعد الانتفاضة في عام 2011 أدت إلى إحياء التجارة السرية بين الجيران في عام 2019. 

 لقد كان لتجارة المخدرات غير الشرعية دور محوري لحفاظ النظام السوري على تأمين العائدات على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليه. أما في لبنان، فقد كانت المساعدات التي تحافظ على وصول السلع الأساسية للمواطنين في ظل التضخم المتسارع بمثابة نعمة لمهربي الوقود والأدوية والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات عبر الحدود. 

 أدى كل ذلك إلى معاناة المواطنين على جهتي الحدود من تقلبات شديدة بالأسعار ونقص المواد الأولية، وظهرت هذه الديناميكية بوضوح بعد أن أوقفت وزارة الصحة اللبنانية دعم حليب الأطفال الشهر الماضي، مما أثر على العائلات التي تعيش في المناطق الحدودية بين البلدين. 

 في الوقت نفسه، تواصل السفارات الأجنبية في لبنان، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، جهودها لتعزيز قدرات قوى الأمن اللبنانية لمنع التهريب عبر الحدود.  

 ومع ذلك، فإن هذه المبادرات المخصصة ينقصها التماسك والقدرة على فهم حقيقة ما يجري على الأرض: يجني اللاعبون الأقوياء من لبنان وسوريا أرباحاً كبيرة من تجارة التهريب، بينما تعتمد المجتمعات المهمشة التي تعيش في المناطق الحدودية بشكل متزايد على التهريب كمصدر عيش أساسي بعد عقود من إهمال الدولة لها.  

يناقش موقع “البديل” في هذه القصة الطويلة “الرابحون والخاسرون والديناميكيات” التي تدفع قدماً بالتهريب غير الشرعي عبر الحدود اللبنانية-السورية.  

 العقوبات الدولية والدعم ونهضة التهريب 

يبلغ طول الحدود اللبنانيةالسورية 400 كم، ومع وجود ستة معابر حدودية يمكن للمسافرين أن يتوقعوا التدقيق بأوراقهم الرسمية من قبل مسؤولي الجمارك.  

  ومع ذلك، فإن الحدود التي رُسمت بشكل سيء يوجد فيها مناطق حدودية واسعة بدون مراقبة أو لا تتمتع برقابة كافية، وهي تمتد من الجبال الوعرة إلى الحقول الزراعية المفتوحة. وقد أدى ذلك إلى وجود 150 معبر غير رسمي يستخدمها المهربون بانتظام للهرّب من مسؤولي وعناصر الحدود. 

  “من السهل والبسيط تهريب الأشخاص أو البضائع. هكذا كان الوضع على مدى سنوات، لكنه ساء بعد الانتفاضة السورية”، كما يقول الصحفي غير المقيم في معهد الشرق الأوسط كرم الشعار لموقع “البديل”.  

 تعاني سوريا من نقص شديد بالعملات الأجنبية بسبب العقوبات الدولية والانهيار الاقتصادي منذ عام 2011. وفي مقابل ذلك، عززت إنتاج وتوزيع الكبتاغون، وهو منشط أمفيتامين غير شرعي. فقد قُدرت إيرادات الدولة من تجارة المخدرات بـ5.7 مليار دولار في عام 2021، وشكلت أكبر دخل للحكومة من العملات الأجنبية، حيث لعب حزب الله وطرق التهريب عبر لبنان دوراً هاماً في تصدير الكبتاغون السوري إلى العالم.  

  كما ازدهر تهريب البضائع القانونية خلال العقد الماضي، وفقاً للشعار الذي أضاف “تأثرت عمليات التهريب بالبضائع المدعومة وأسعارها على جانبي الحدود”.  

 وعلى سبيل المثال لا الحصر، أقرت الحكومة اللبنانية برنامج دعم متنوّع يشمل الطعام والنفط والأدوية وسلع أخرى بعد أن بدأ الانهيار الاقتصادي في البلاد عام 2019. ورجح وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أن البرنامج يستنزف موازنة الدولة، إذ يكلفها ستة ملايين دولار سنوياً. فقد أدلى الوزير بهذا التصريح عندما بدأت الحكومة برفع الدعم مطلع عام 2021،  قبل أن يرفع رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ميزانية الدعم إلى عشرة ملايين دولار سنوياً. 

تزامن رفع الدعم في لبنان مع قرار رفع الدعم عن النفط في سوريا، مما فاقم الفرق بأسعار التجزئة بين البلدين، والذي أدى إلى ارتفاع عمليات التهريب من لبنان إلى سوريا مسبباً نقصاً متكرراً بالنفط في لبنان. ورجحت نقابة أصحاب محطات المحروقات أن أكثر من مليار ليتر من النفط، أي ما يبلغ مئات الملايين من الدولارات، هُرب بطريقة غير شرعية عبر الحدود خلال سنة واحدة، وعندما أوقف لبنان دعم النفط تبدد تهريب النفط تدريجياً. 

 النفط ليس إلا مثالاً واحداً على فشل الدعم الذريع، ورجح ميقاتي أن المستهلك اللبناني مُنع من ثلاثة أرباع البضائع المدعومة بسبب التهريب والتخزين. كما سهل تزايد التهريب الحدودي صعود مصالح التهريب المتينة خلال العقد الماضي.  

 يوضح الأستاذ المنتسب إلى الجامعة الأوروبية جوزيف ضاهر لموقع “البديل” ذلك بالقول: “الفرق الأكبر بين ما يحدث اليوم، وما كان يحدث قبل عام 2011، هو أن اليوم هناك لاعبان أساسيان، هما حزب الله في لبنان والحاجز الرابع في سوريا” 

يظهر بحث شارك ضاهر بإعداده، أن حزب الله وحلفاؤه سيطروا بشكل مباشر على معظم المعابر غير الشرعية إلى سوريا، وذلك عبر حضورهم القوي في منطقة بعلبك-الهرمل. يذكر البحث ذاته أن التهريب في عكار، شمالي لبنان، تقوده مجموعة من العائلات المعروفة والقبائل والتجار والقادة السياسيين. أما في سوريا، فإن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد هي التي تدير عمليات التهريب، وتقوم بجمع الأتاوة من باقي المهربين، بحسب ضاهر. وبالتنسيق مع الفرقة الرابعة، يشارك حزب الله مباشرة بعملية التهريب مستخدماً المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها لنقل الأسلحة والمقاتلين من وإلى سوريا.  

ولم يجيب المكتب الإعلامي لحزب الله على طلب “البديلللتعليق على الموضوع. بينما دافع الأستاذ اللبناني للعلوم السياسية المنتمي إلى حزب الله، الشيخ صادق النابلسي، عن تهريب البضائع من لبنان إلى سوريا في مقابلة مع فرانس 24 في عام 2021، معتبراً أنه “جزء جوهري من المقاومة”، وأضاف “اليوم بفعل الضغوطات الأميركية والعقوبات لا خيار للبنانيين والسوريين إلا اجتياز الحدود وكسر بعض القوانين لضمان حاجاتهم الأساسية”. 

وفي فيلم وثائقي على فرانس 24 عرض هذا العام، نفى نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، تورط حزب الله في عمليات تهريب المخدرات، حيث قال: “نعتبر أن المخدرات حرام. وفي ديننا يمنع شرائها وبيعها والمتاجرة بها. كيف يمكننا تهريبها إذا كانت محرمة؟ هذا كلام خاطئ”. 

تبعات يتكبدها المستهلك: سرقة الحليب من الأطفال 

أعلن وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، فراس أبيض، في يناير (كانون الثاني) أن الحكومة ستوقف دعم حليب الأطفال ضمن آخر السلع التي رفع عنها الدعم، وأضاف أن الدعم يهدف إلى “تأمين الحليب للأطفال”، لكن التجار استفادوا من الدعم ببيع الحليب في السوق السوداء. وقال أبيض: إن الوزارة لاحظت أن الكميات الكبيرة من الحليب المدعوم التي يتم استيرادها، والتي تفوق حاجة البلد وتكاد تكفي بلدين، تختفي من السوق بعد وقت قليل من وصولها!”. 

في الواقع، صرح آباء لبنانيون عن صعوبة إيجاد حليب للأطفال في الصيدليات قبل أن يرفع الدعم، تقول أم من بر إلياس في وادي البقاع لموقع “البديل”: “اضطررت لطلب حليب الأطفال من سكان كثر في مناطق مختلفة قبل رفع الدعم لصعوبة إيجاده، لكننا لم نعثر إلا على كميات قليلة” 

أصبح حليب الأطفال متوفراً بسهولة بعد رفع الدعم الشهر الماضي، لكن بسعر مضاعف. وسعّرت وزارة الصحة علبة حليب الأطفال المستورد من شركة سيميلاك (Similac)التي تزن 400 غرام بما يعادل 7.50 دولار، وارتفع السعر إلى 17.25 دولار عند رفع الدعم، وأضافت الأم: “أصبح الحليب متوفراً لكن لا يمكنني دفع سعره لذلك أعطي ابنتي حليباً للراشدين”. 

يعتبر الكثير من السوريين على الناحية الأخرى من الحدود، الذين يعيش أكثر من 90 في المائة منهم تحت خط الفقر، حليب الأطفال المدعوم والمهرّب عبر الحدود من لبنان طوق نجاة للكثير من الأهالي. وأدى رفع الدعم في لبنان، بالإضافة إلى حد الحكومة السورية من منح رخص الاستيراد، وارتفاع الضرائب وتحديد الأسعار إلى نقص حليب الأطفال في سوريا.  

يقول رجل من ريف دمشق فضّل عدم الكشف عن اسمه: “تشكل أسعار حليب الأطفال المرتفعة ضغطاً اقتصادياً كبيراً على الكثير من العائلات”، وأضاف أن عائلته تعاني لإيجاد حليب الأطفال بأسعار معقولة “لقد أصبح الحليب أولويتنا الأساسية لأن بدونه الطفل سيموت”. 

المجتمعات الحدودية: نهرّب لنعيش  

 يؤثر مد وجزر التهريب بشكل مباشر على بعض المجتمعات المهمشة في لبنان، خاصة تلك التي تعيش على حدود عكار وبعلبك-الهرمل والبقاع. وأدى غياب الاستثمار الحكومي المستمر في هذه الأقضية، وفرص العمل الشحيحة إلى جعل التهريب نشاطاً حياتياً للمجتمعات الحدودية، كما تسهل العلاقات الوطيدة بين أهالي هذه المجتمعات تهريب السلع غير الشرعية خاصة في القرى المشتركة بين البلدين مثل بلدة قصر الهرمل 

In Wadi Khaled, a village in Akkar at the Syrian border, locals “rely on illegal cross-border traffic to meet basic needs, including the purchase of foodstuffs, building materials, medicine and fuel,” according to a 2011 article in the journal of Conflict, Security and Development. The same study recommended that “any effort to combat smuggling entail improving social support for the community and facilitating access to Lebanese markets and infrastructure.”  

Following the 2011 Syrian uprising, sectarian divisions in the Akkar region began to influence the smuggling trade in north Lebanon. Residents of Wadi Khaled, a Sunni-majority village, generally supported the Syrian opposition, which prompted the Syria regime and the Lebanese army to crack down on smuggling through the area, according to a 2021 study by the International Centre for Migration Policy Development (ICMPD). This had dire economic impacts locally, according to the centre, though it noted that in more recent years these restrictions have relaxed only slightly.       

The former president of the Fard Municipality in Wadi Khaled, Aref Al-Khaf, told The Alternative that smuggling was now forbidden in the area.  

“I wish there was smuggling, we would have cash,” he told The Alternative, tongue in cheek. 

In Baalbek-Hermel, the ICMPD report noted that the smuggling boom post-2011 created a new class of locally powerful “kingpins” in the trade. The smuggling organisations they run can openly move goods from one country to the other along large stretches of the border where Lebanese security services are absent and the Syrian army, where present, does not intervene.   

Lebanon’s economic collapse since 2019 hit border communities particularly hard. That year some 69.6% of Akkar residents were experiencing multidimensionally poverty, according to a study by Lebanon’s Central Administration of Statistics and the World Bank. A UN report covering the following two-year period found the number of households in the area experiencing multidimensional poverty had risen to 92%. The same report found that roughly half of all households in Akkar, Baalbek-Hermel and Bekaa were living in “extreme poverty.”     

The Lebanese government’s implementation and subsequent repeal of its subsidy program, and the boom this created for smuggling, thus had outsized impacts in these border areas.   

“This affects the local communities’ income,” Zaki Mehchi, a policy fellow at the London School of Economics and Political Science who has studied this issue, told the Alternative. He adds that while only a portion of the population in these communities directly benefit from smuggling, this portion has been increasing in the last decade.  

Long-term policy that seeks to address illicit trade through border communities should, according to Mehchi, aim to “improve their living conditions and to generate legal job opportunities for them to reallocate human resources from serving in illegal smuggling activities to legal productive economic activities.” 

 Foreign Security Assistance “Bonanza”  

In the past two decades, countries around the world, led by the West, have invested significantly into training and equipping the Lebanese military and security services. Much of the emphasis has been on border management and has aligned with American and European concerns about countering threats from terrorism, narcotics trafficking, illegal migration, among others.  

Simone Tholens, an international relations scholar, has gone so far as to call it a “security assistance bonanza”, constituting a form of “statebuilding lite.”   

By far the largest donor has been the United States, which since 2006 has provided the Lebanese army with more than US$3 billion in various forms of military assistance, including aircraft, vehicles, weapons, ammunition and training.  

Other western donors have included the UK, France, Germany, Italy, Poland, while non-western assistance has come from Saudi Arabia, the United Arab Emirates, Qatar, China and Russia.   

London, for instance, donated 100 armored patrol vehicles in 2021, having previously built some 75 border towers, sent hundreds of other vehicles and trained more than 10,000 Lebanese on border security measures. Meanwhile, a decade-long, nearly €20 million EU program to help Lebanese security institutions “fight against terrorism and serious cross-border crimes” is set to wrap up this November. 

As Tholens notes in a 2017 article, security assistance to Lebanese military and security bodies also “reflects a strategic policy choice to counter Hezbollah and ultimately Iranian influence” without directly challenging them in Lebanon. She adds, however, that the ad hoc nature of the security assistance and a lack of an overarching policy to guide it has undermined, rather than reinforced, the cohesion of the security bodies responsible for protecting Lebanon’s border.    

“In terms of western funding for Lebanon’s border guards, I think it’s absolutely ineffective,” said Shaar, of the Middle East Institute.  

As research published in the journal of Conflict, Security and Development indicated, putting an end to smuggling depends more on the willingness of border personnel – whether in command or on patrol – to do their job than a border force’s staffing or technological capabilities.  

The collapsing value of salaries in the security services since 2019, however, has undermined their viability, forcing many members to take on second jobs, leave the corps entirely, and dramatically raised the susceptibility to corruption. For example, a major-general’s monthly salary of LL8,455,000, once equivalent to just over US$5,600, now amounts to $106 (at the parallel market exchange rate of LL80,000 per US$1 at the time of writing), while a private now earns roughly US$17 per month. 

Neither the Lebanese Armed Forces’ land border unit, nor the Internal Security Forces, replied to The Alternative’s requests for comment.  

Looking Ahead 

Illicit cross-border trade is among the key issues that needs to be addressed for Lebanon to recover. Indeed, it is also one of the conditions the International Monetary Fund has imposed on Lebanon to receive expanded financial assistance. However, attempts to curb smuggling solely through security means are unlikely to show meaningful success, though they may bring short-term suffering to border communities. 

“You won’t have any serious improvements regarding tackling smuggling without tackling socioeconomic inequalities,” said Daher, from the European University Institute. 

With Lebanon’s general economic collapse, which is disproportionately felt in marginalized border communities in Akkar, Baalbeck-Hermel and Bekaa, the need for new livelihood opportunities beyond smuggling is acute. Obvious potential avenues for intervention would involve investments in productive sectors such as agriculture and industry. 

Given the powerful actors at the top of the smuggling hierarchy, however, working with local communities to disincentivize smuggling should be seen as means to gradually reduce the currently massive scale of illicit cross-border trade, rather than a grand remedy for dramatic and immediate results. 

Related