يبلغ عمر التهريب عبر الحدود اللبنانية-السورية من عمر الحدود، وعلى الرغم من أن الحالة الاقتصادية شهدت نشاطاً تجارياً في السنوات الأخيرة، إلا أن العقوبات الدولية التي فرضت على سوريا بعد الانتفاضة في عام 2011 أدت إلى إحياء التجارة السرية بين الجيران في عام 2019.
لقد كان لتجارة المخدرات غير الشرعية دور محوري لحفاظ النظام السوري على تأمين العائدات على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليه. أما في لبنان، فقد كانت المساعدات التي تحافظ على وصول السلع الأساسية للمواطنين في ظل التضخم المتسارع بمثابة نعمة لمهربي الوقود والأدوية والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات عبر الحدود.
أدى كل ذلك إلى معاناة المواطنين على جهتي الحدود من تقلبات شديدة بالأسعار ونقص المواد الأولية، وظهرت هذه الديناميكية بوضوح بعد أن أوقفت وزارة الصحة اللبنانية دعم حليب الأطفال الشهر الماضي، مما أثر على العائلات التي تعيش في المناطق الحدودية بين البلدين.
في الوقت نفسه، تواصل السفارات الأجنبية في لبنان، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، جهودها لتعزيز قدرات قوى الأمن اللبنانية لمنع التهريب عبر الحدود.
ومع ذلك، فإن هذه المبادرات المخصصة ينقصها التماسك والقدرة على فهم حقيقة ما يجري على الأرض: يجني اللاعبون الأقوياء من لبنان وسوريا أرباحاً كبيرة من تجارة التهريب، بينما تعتمد المجتمعات المهمشة التي تعيش في المناطق الحدودية بشكل متزايد على التهريب كمصدر عيش أساسي بعد عقود من إهمال الدولة لها.
يناقش موقع “البديل” في هذه القصة الطويلة “الرابحون والخاسرون والديناميكيات” التي تدفع قدماً بالتهريب غير الشرعي عبر الحدود اللبنانية-السورية.
العقوبات الدولية والدعم ونهضة التهريب
يبلغ طول الحدود اللبنانية–السورية 400 كم، ومع وجود ستة معابر حدودية يمكن للمسافرين أن يتوقعوا التدقيق بأوراقهم الرسمية من قبل مسؤولي الجمارك.
ومع ذلك، فإن الحدود التي رُسمت بشكل سيء يوجد فيها مناطق حدودية واسعة بدون مراقبة أو لا تتمتع برقابة كافية، وهي تمتد من الجبال الوعرة إلى الحقول الزراعية المفتوحة. وقد أدى ذلك إلى وجود 150 معبر غير رسمي يستخدمها المهربون بانتظام للهرّب من مسؤولي وعناصر الحدود.
“من السهل والبسيط تهريب الأشخاص أو البضائع. هكذا كان الوضع على مدى سنوات، لكنه ساء بعد الانتفاضة السورية”، كما يقول الصحفي غير المقيم في معهد الشرق الأوسط كرم الشعار لموقع “البديل”.
تعاني سوريا من نقص شديد بالعملات الأجنبية بسبب العقوبات الدولية والانهيار الاقتصادي منذ عام 2011. وفي مقابل ذلك، عززت إنتاج وتوزيع الكبتاغون، وهو منشط أمفيتامين غير شرعي. فقد قُدرت إيرادات الدولة من تجارة المخدرات بـ5.7 مليار دولار في عام 2021، وشكلت أكبر دخل للحكومة من العملات الأجنبية، حيث لعب حزب الله وطرق التهريب عبر لبنان دوراً هاماً في تصدير الكبتاغون السوري إلى العالم.
كما ازدهر تهريب البضائع القانونية خلال العقد الماضي، وفقاً للشعار الذي أضاف “تأثرت عمليات التهريب بالبضائع المدعومة وأسعارها على جانبي الحدود”.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أقرت الحكومة اللبنانية برنامج دعم متنوّع يشمل الطعام والنفط والأدوية وسلع أخرى بعد أن بدأ الانهيار الاقتصادي في البلاد عام 2019. ورجح وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أن البرنامج يستنزف موازنة الدولة، إذ يكلفها ستة ملايين دولار سنوياً. فقد أدلى الوزير بهذا التصريح عندما بدأت الحكومة برفع الدعم مطلع عام 2021، قبل أن يرفع رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ميزانية الدعم إلى عشرة ملايين دولار سنوياً.
تزامن رفع الدعم في لبنان مع قرار رفع الدعم عن النفط في سوريا، مما فاقم الفرق بأسعار التجزئة بين البلدين، والذي أدى إلى ارتفاع عمليات التهريب من لبنان إلى سوريا مسبباً نقصاً متكرراً بالنفط في لبنان. ورجحت نقابة أصحاب محطات المحروقات أن أكثر من مليار ليتر من النفط، أي ما يبلغ مئات الملايين من الدولارات، هُرب بطريقة غير شرعية عبر الحدود خلال سنة واحدة، وعندما أوقف لبنان دعم النفط تبدد تهريب النفط تدريجياً.
النفط ليس إلا مثالاً واحداً على فشل الدعم الذريع، ورجح ميقاتي أن المستهلك اللبناني مُنع من ثلاثة أرباع البضائع المدعومة بسبب التهريب والتخزين. كما سهل تزايد التهريب الحدودي صعود مصالح التهريب المتينة خلال العقد الماضي.
يوضح الأستاذ المنتسب إلى الجامعة الأوروبية جوزيف ضاهر لموقع “البديل” ذلك بالقول: “الفرق الأكبر بين ما يحدث اليوم، وما كان يحدث قبل عام 2011، هو أن اليوم هناك لاعبان أساسيان، هما حزب الله في لبنان والحاجز الرابع في سوريا”.
يظهر بحث شارك ضاهر بإعداده، أن حزب الله وحلفاؤه سيطروا بشكل مباشر على معظم المعابر غير الشرعية إلى سوريا، وذلك عبر حضورهم القوي في منطقة بعلبك-الهرمل. يذكر البحث ذاته أن التهريب في عكار، شمالي لبنان، تقوده مجموعة من العائلات المعروفة والقبائل والتجار والقادة السياسيين. أما في سوريا، فإن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد هي التي تدير عمليات التهريب، وتقوم بجمع الأتاوة من باقي المهربين، بحسب ضاهر. وبالتنسيق مع الفرقة الرابعة، يشارك حزب الله مباشرة بعملية التهريب مستخدماً المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها لنقل الأسلحة والمقاتلين من وإلى سوريا.
ولم يجيب المكتب الإعلامي لحزب الله على طلب “البديل” للتعليق على الموضوع. بينما دافع الأستاذ اللبناني للعلوم السياسية المنتمي إلى حزب الله، الشيخ صادق النابلسي، عن تهريب البضائع من لبنان إلى سوريا في مقابلة مع فرانس 24 في عام 2021، معتبراً أنه “جزء جوهري من المقاومة”، وأضاف “اليوم بفعل الضغوطات الأميركية والعقوبات لا خيار للبنانيين والسوريين إلا اجتياز الحدود وكسر بعض القوانين لضمان حاجاتهم الأساسية”.
وفي فيلم وثائقي على فرانس 24 عرض هذا العام، نفى نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، تورط حزب الله في عمليات تهريب المخدرات، حيث قال: “نعتبر أن المخدرات حرام. وفي ديننا يمنع شرائها وبيعها والمتاجرة بها. كيف يمكننا تهريبها إذا كانت محرمة؟ هذا كلام خاطئ”.