اتخذ مجلس الوزراء مؤخراً قراراً يسمح للبنك المركزي بإصدار تعاميم تفرض قيوداً على عمليات سحب الودائع في خطوة مثيرة للجدل ستؤدي بشكل واضح إلى التحايل على اللعبة الديمقراطية والسلطة التشريعية. وتعد هذه المناورة دليل صارخ على التجاهل المتزايد للعملية الديمقراطية الراسخة والأطر المؤسساتية التي تدعم الديمقراطية في لبنان، حيث يظهر دافع مجلس الوزراء لهذه الخطوة غير العادية واضحاً لحماية البنوك من الدعاوى القضائية التي تضم الكثير منها أعضاء مجلس الوزراء أنفسهم لحماية مصالحهم الشخصية المرتبطة بالنخبة المصرفية.
إن هذا الإجراء بقدر ما هو غير شفاف فإنه مخزٍ، ويشوبه كذلك حقيقة أنه يأتي في الفترة التي تسبق الدعاوى القضائية رفيعة المستوى المرفوعة ضد حاكم مصرف لبنان، والتي من المحتمل أن تكشف سجلاتها عن المعاملات الغامضة بين السياسيين والبنوك.
وتمثل هذه الخطوة الجريئة لمجلس الوزراء قلقاً لمستقبل تتركز فيه السلطة في أيدي القلة مع عدم الاهتمام بالضوابط والتوازنات المؤسساتية، كما ترسم صورة دولة يتخذ فيها مجلس الوزراء قرارات من جانب واحد، مما يؤدي بشكل منهجي إلى تعطيل عمل المؤسسات الأخرى.
تكمن مشكلة المال والسلطة القديمة-الجديدة في قلب هذه القضية. وكما ذكرنا بالتفصيل سابقاً، فإن العديد من أعضاء مجلس الوزراء لديهم روابط مباشرة أو غير مباشرة مع القطاع المصرفي، وقد أدت هذه العلاقة إلى إنشاء نظام حماية متبادل، حيث يقوم المسؤولون الحكوميون بتعديل القواعد أو خرقها لحماية مصالحهم الخاصة، وهو ما دفع بهذه المخالفات المتبادلة بين البنوك وأصحاب المناصب الحكومية إلى الاستهزاء بمبادئ الخدمة العامة والمساءلة.
ومع ذلك، وبغض النظر عن المخالفات المباشرة، فإن تحرك الحكومة يمثل أيضاً قضية أعمق وأكثر منهجية، لأنها تكشف عن سلطة حاكمة أصبحت متورطة بشكل كبير مع القطاع المصرفي لدرجة أنها على استعداد لخرق الدستور لحمايته من المساءلة، فهي ليست مجرد قضية قانونية أو اقتصادية، إنما هي أزمة حكم عميقة.
في الديمقراطيات السليمة، تقوم سلطات الدولة المختلقة بمراقبة بعضها البعض، كلّ حسب صلاحياتها، للحفاظ على التوازن فيما بينها وقطع الطريق أمام أي تجاوز لسلطة على أخرى. فعندما تتجاوز أي من السلطات حدود صلاحياتها، مثل مجلس الوزراء، فإن هذا التجاوز يعتبر تعدياً على النظام بأكمله، ويظهر أن مجلس الوزراء بتجاوزه مجلس النواب مهتم بحماية مصالحه الخاصة أكثر من حماية النظام الديمقراطي.
تراهن الحكومة التي اتخذت القرار في جلستها الأخيرة على تعب الشعب اللبناني الذي أصبح منهكاً بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف على الأزمة المالية وعلى حقيقة أنهم أوقفوا اللبنانيين، لكنهم لم ولن يفعلوا ذلك.
على الشعب اللبناني أن يدرك أهمية هذا الأمر، وأن يقاوم هذا التعدي على حقوقه ونظامه الديمقراطي. كما يجب عليه المطالبة بمساءلة المسؤولين، والإصرار على مبدأ فصل السلطات، إضافة للنضال من أجل الحفاظ على مؤسساته الديمقراطية، وعدم السماح لهذا القرار الفاضح أن يمر وأن يصبح هو المعيار.