التفاؤل ضروري، لكن الاستغراق في أحلام اليقظة قد يكون خطيراً. ينطبق هذا على الحكومة الجديدة في لبنان، فعلى الرغم من أنها تمثل تحولاً نادر الحدوث، تبقى العقبات أمام الإصلاح الحقيقي كبيرة. لن يتحقق التغيير الجذري بين ليلة وضحاها، وعلى كل من يسعون إلى مستقبل أفضل للبنان أن يدركوا ذلك، وأن يغتنموا المرحلة الحالية كما هي: فرصة لترسيخ الاستقرار الاقتصادي والأمني، وتعزيز مؤسسات الدولة، ووضع الأساس للانتخابات البرلمانية في العام 2026، حين تتمكن الحركة التغييرية من تعزيز حضورها التشريعي.
شهد لبنان منذ العام 2019 ما يكفي من الأزمات لتدمير أي دولة أخرى، من أسوأ انهيار مالي في التاريخ الحديث، إلى انفجار ميناء بيروت، وحرب مدمرة مع إسرائيل. على سبيل المثال لا الحصر. وفي خضم ذلك كله واصلت النخب السياسية الكليبتوقراطية نهب ما تبقى من الخزانة العامة، في حين ترك البرلمان المعطَّل البلاد من دون رئيس لأكثر من عامين.
لذلك من غير المستغرب أن الرئيس جوزاف عون، عندما تعهد في خطاب القسم في أوائل كانون الثاني بحصر السلاح تحت سيطرة الدولة وإصلاح القضاء ومكافحة الفساد، لاقى صدى كبيراً بين اللبنانيين. ثم ارتفع منسوب التفاؤل مجدداً حين تولى نواف سلام، الشخصية غير المتوقعة، رئاسة الحكومة وتعهد أيضاً بإجراء إصلاحات شاملة لاستعادة ثقة المواطنين. وعندما أعلن سلام في الثامن من شباط عن تشكيل حكومة أغلب أعضائها من تكنوقراط حقيقيين، بدا للحظة أن التغيير الجذري أصبح قاب قوسين أو أدنى.
لو كانت أزمات لبنان محض مسائل تقنية، لكانت قد حُلّت منذ زمن بعيد. لا يعاني لبنان من نقص في المعرفة أو الخبرة، ولا من نقص في الجهود التي بُذلت على مدى عقود من أجل الإصلاح. إلا أن كل هذه الجهود ضاعت في مرمى نيران الصراع الطائفي على السلطة، وسيطرة الطبقة الحاكمة المتجذرة على الدولة.
هنا يكمن ضعف الحكومة الجديدة. في الواقع، ما يجسده عون وسلام وما يُلهم “أمل الشعب” قد يهددهما بجعلهما غير قادرين على تنفيذ السياسات. قبل انتخابه رئيساً كان عون قائداً حازماً وجاداً للقوات المسلحة اللبنانية. أما سلام، والذي ترك منصبه كرئيس لمحكمة العدل الدولية ليعود إلى لبنان، فقلما تجد سيرة أنصع من سيرته بالنزاهة. لكن ما أوصلهما إلى السلطة لم يكن سمعتهما “الطيبة”، بل جهود هائلة بُذلت من الخارج. إذ سعت واشنطن وباريس والرياض للاستفادة من ضعف موقف حزب الله بعد الحرب مع إسرائيل، ودفعوا النخبة السياسية المنقسمة في لبنان لضمان حصول عون وسلام على موافقة البرلمان.