مبادئ إرشادية
إذا أثبتت نتيجة الانتخابات أي شيء، فهو أن الانتفاضة الشعبية لعام 2019 لم تُنسى، وبما أن الأمر يسير بذاك الاتجاه، فإن المطالب الرئيسية للانتفاضة يجب أن تشكل المبادئ التوجيهية الأساسية لنواب المعارضة للمضي قدماً، وهي: المساءلة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، والمضي قدماً بعيداً عن الماضي.
تلعب المساءلة دوراً على مستويات متعددة، والتي يندرج ضمنها المساءلة عن سرقة الودائع المصرفية، بالإضافة إلى انفجار الميناء في 4 أغسطس (آب) في عام 2020، تبديد الأموال العامة، المكاسب غير المشروعة، والجرائم التي ارتكبت في الحرب الأهلية، على سبيل المثال لا الحصر.
وتتسم المطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية بنفس القدر من الأهمية، إذ إنه يجب على نواب المعارضة الوقوف بحزم ضد النخبة السياسية المصرفية التي تحتجز البلاد كرهينة لفترة طويلة، مما يمنع المواطنين العاديين من إحراز أي تقدم ملموس في حياتهم.
أخيراً، هناك إرث الحرب الأهلية (1975 – 1990)، يظل هذا الفصل المظلم من تاريخ لبنان حاضراً في كل مكان، حيث يواصل أمراء الحرب الذين تحولوا إلى سياسيين حكم البلاد، وعلى الرغم من قانون العفو لعام 1991، فإنه يجب أن يكون هناك على الأقل اعتراف بالجرائم المرتكبة خلال هذه الفترة، لأنه بدون الاعتراف لا يمكن أن تكون هناك مصالحة.
الاستراتيجية
لا يمكن لنواب المعارضة الاعتماد فقط على التكتيكات لمواجهة معركة شاقة كهذه، فهم بحاجة إلى استراتيجية تظهر أنهم قادرون على الوقوف إلى جانب مبادئهم التوجيهية وتمثيل معارضة حقيقية، بينما لا يُنظر إليهم على أنهم معرقلون فحسب، ويجب أن تستند هذه الاستراتيجية إلى أربع ركائز، هي: العمل القائم على القضايا، عدم التحيز، المعارضة الموضوعية، والتحالفات الاستراتيجية.
العمل القائم على القضايا
لقد مرّ اللبنانيون بالكثير من الجمود، والشكل الحالي للبرلمان يعني أنه لا يوجد حزب أو تحالف واحد لديه أغلبية واضحة، ولا يمكن النظر في مثل هذه الظروف إلى المعارضة على أنها قوة معرقلة فحسب، وبدلاً من ذلك، يحتاجون إلى إظهار الرغبة في العمل على أي قضية، مع أي حزب، وهذا الاستعداد سيجعل المعارضة تبرز لاكتساب المصداقية.
يجعل العمل القائم على القضايا صنع السياسة أكثر أهمية، ويشير إلى أن نواب المعارضة ليسوا مجرد قوة معرقلة، ولكنهم سيتخذون نهجاً علمياً لمراجعة القوانين ومناقشتها وإقرارها، وسيكون الأمر صعباً، لكن الإصرار على المشاركة القائمة على القضايا مع الأحزاب الأخرى سيسمح للمعارضة بالمطالبة بالانتصارات، وتغيير الأساس الذي يتفاوض عليه النواب ويقدمون تنازلات، علاوة على ذلك، فإن العمل القائم على القضايا يبقي المعارضة على مسافة بعيدة من جميع جوانب النقاش السياسي.
الحياد
في الواقع، لا يمكن النظر إلى نواب المعارضة على أنهم يميلون إلى جانب أكثر من الآخر، أي الوقوع في فخ ثنائي النقاش حول ما إذا كانت السيادة أو الإصلاح ضرورية أولاً، كما تفعل الجهات السياسية الفاعلة في لبنان، وبدلاً من ذلك، يجب على المعارضة أن تضع نفسها على مسافة متساوية من كلا المعسكرين التقليديين، كبداية، يجب موازنة معارضة أسلحة حزب الله مع معارضة أجندة القطاع المصرفي، وعرقلة النهاية العادلة للأزمة المالية، إذ إن الفشل في إرسال الإشارات الصحيحة بشأن أي من القضيتين يخاطر بتشويه المعارضة بالفرشاة الخاطئة في كل مرة.
معارضة موضوعية
لا تتسبب حكومة الوحدة الوطنية في كارثة إلا عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها، وكما رأينا في الماضي، نادراً ما تقوم الأحزاب التقليدية بعمل جيد في تقاسم السلطة، ولا ينبغي لنواب المعارضة تأييد حكومة كارتل حزبية، ولا مقاطعة تشكيلها تماماً، ومع ذلك، بصفتها كتلة أقلية ناشئة، والتي ستشتمها القوى السياسية التقليدية، فإن الدخول في حكومة وحدة وطنية سيعني أن الكتلة ستكون دائماً لاعباً ضعيفاً. ومع ذلك، من الأفضل أن يُنظر إلى المعارضة على أنها تدخل في تجارة الخيول بمجرد بدء هذه العملية ، ولكن ليس مع استمرارها، يمكن للمعارضة أن توازن بين الحاجة إلى التعامل مع الرغبة في ألا تكون شريكاً للأقلية في الحكومة من خلال الإصرار على شروط دخول الحكومة بشكل صريح.
أولاً، بالتناسب مع حجمها في البرلمان، سيتطلب أي إدراج في الحكومة أن تذهب وزارتان إلى ثلاث وزارات إلى نواب المعارضة، وبالنظر إلى التزامهم بمعالجة الأزمة المصرفية والاقتصادية، يجب أن تكون وزارة المالية واحدة منهم، أما ثانياً، فإنه يجب أن تصر المعارضة على إلغاء حق النقض القائم على 1/3 لأي كتلة سياسية في مجلس الوزراء، ومن المرجح أن تكون هذه الشروط غير مقبولة للوضع الراهن للطبقة التقليدية، مما يسمح للمعارضة بالخروج من بازار تشكيل الحكومة والدخول في معارضة جوهرية.
حشد الحلفاء
يحتاج النواب الـ13 كأقلية معارضة إلى حلفاء، ومع وصول العديد من النواب من خلفية المجتمع المدني، فإن هذه الروابط موجودة بالفعل وتحتاج إلى التعزيز جنباً إلى جنب مع العلاقة القائمة مع مراكز الفكر ووسائل الإعلام المستقلة.
لكن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به للعمل مع مجموعات العمل الجماعي التي يمكن أن تشكل سياجاً استراتيجياً ومكتظاً بالسكان لدعم المعارضة في اللحظات الحاسمة خلال المعركة السياسية القادمة، وعلى وجه التحديد، هناك حاجة إلى علاقات أعمق مع النقابات والنقابات العمالية من أجل إبعادها عن الخيار المشترك من قبل الطبقة السياسية التقليدية، وتعد مجموعات الاحتجاج على الخدمة المدنية في هذا السياق نقطة دخول رئيسية يمكن الاستفادة منها في المضي قدماً.
أول 100 يوم
تقدم الخطة الأولى لمدة 100 يوم نهجاً منظماً لتوجيه النواب الذين يدخلون البرلمان في مناصبهم خلال الأشهر الأولى الحاسمة، بالطبع، هناك الكثير مما يجب فعله للمساعدة في ترسيخ شرعية المعارضة وقدرتها على البقاء في أذهان الناخبين، ويجب أن يكون هناك مزيج من المكاسب السريعة والعمل التأسيسي للفترة التي تلي أول 100 يوم، وينبغي من الناحية المثالية التركيز على ثلاثة أهداف:
الهدف الأول: الدخول إلى ساحة النجمة
تعد إزالة الحواجز التي تعيق الطريق إلى البرلمان حالياً خطوة أولى جيدة، لكنها مجرد حواجز مادية، فقد كانت الحواجز أمام البرلمان موجودة قبل وقت طويل من إقامة الجدران الخرسانية في عام 2019، في الوقت الحالي، تفتقر اللجان البرلمانية إلى الشفافية وتعمل في سرية، يحتاج البرلمان اللبناني إلى إصلاحات إجرائية جادة تسمح بالتدقيق العام والمساءلة، وعلاوة على ذلك، نادراً ما تطلب اللجان دعم الخبراء، ومن خلال فتح جلسات اللجنة للتدقيق العام يمكن للمواطنين بعد ذلك المشاركة في العملية الديمقراطية، ومحاسبة ممثليهم.
الهدف الأول لنواب المعارضة هو فتح البرلمان للجمهور من خلال البث المباشر للجلسات البرلمانية واللجان، ونشر محاضر اجتماعات اللجان، وفرز ونشر أصوات النواب، كما هو الحال، لا يوجد سجل رسمي لأصوات النواب في البرلمان.
الهدف الثاني: الانضمام إلى اللجان الرئيسية
تضطلع اللجان البرلمانية بدور هام في أعمال الحكم في لبنان، وهذه اللجان مسؤولة عن ضمان المراجعة الفعالة للتشريعات ورصد أداء الحكومة، ويمكن لنواب المعارضة من خلال الانضمام إلى اللجان الرئيسية ضمان الشفافية والمراجعة الفعالة للتشريعات، ومع ذلك، يجب ألا يعمل نواب المعارضة كمراقب فحسب، بل يجب أن يتولوا أدواراً رئيسية كرؤساء أو أمناء لهذه اللجان.
تشمل اللجان ذات الأهمية الحاسمة للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي للبلد: لجنة المالية والميزانية، لجنة الإدارة والعدالة، لجنة الأشغال العامة والطاقة، بالإضافة إلى لجنة الدفاع والداخلية.
الهدف الثالث: سن القوانين
تنتظر عدة مشاريع قوانين لمراجعتها ومناقشتها من قبل اللجان البرلمانية، لا سيما فيما يتعلق بالأزمة المالية وصفقة صندوق النقد الدولي، منذ أن تولى نجيب ميقاتي منصبه كرئيس لمجلس الوزراء، تم إرسال العديد من مشاريع القوانين إلى البرلمان، ولم يتم اتخاذ أي إجراء يذكر.
يجب أن يعالج عمل المعارضة القائم على القضايا أولاً وقبل كل شيء الأزمة المالية، وأن يركز على التشريعات ذات الأولوية التالية: رفع السرية المصرفية، قانون مراقبة رأس المال، ميزانية 2022، قانون الطوارئ بشأن إعادة هيكلة البنوك، إصلاح قانون الضرائب، خصخصة أصول الدولة، بالإضافة إلى التعديلات على قانون المال والائتمان.