نظام المياه في لبنان ينهار، هناك حاجة إلى حليف حيوي

تعمل الأزمة المالية المستمرة على تآكل القدرة على تشغيل الخدمات الأساسية في لبنان، مما يهدد بأعماق جديدة في الأزمة الإنسانية.

13 تشرين الأول، 2022

إذا كانت المياه حياة فإنه يبقى لقطاع المياه في لبنان قطرة واحدة قبل الإفلاس. بمعدل فقر يتخطى 80 في المائة، ينهب المواطنون أنابيب المياه والكابلات لبيعها مقابل مبلغ من المال يطعمون به أسرهم، بينما تزداد الخلافات على المياه وتتصاعد في بعض هذه الحالات إلى العنف.

يجب أن تتخذ الجمعيات العالمية المساعدة إجراءات سريعة بحذر شديد بينما تتفكك مؤسسات الدولة، وسيزداد الوضع سوءاً على المدى البعيد في ظل تطبيق حلول ترقيعية، كالاعتماد على مافيات توزيع المياه. قد يساعد الدولة لاحقاً استجابة المنظمات غير الحكومية العالمية لأزمة المياه الحالية في لبنان على تأمين خدمات المياه الأساسية لإنقاذ الفئات الأكثر تضرراً في لبنان. نحتاج لحلول مبتكرة ليتجنب الملايين العطش، وقد يكون الاتحاد مع البلديات الحل الأمثل للبنان.

قطاع المياه الغارق

واجه لبنان نقصاً حاداً بالمياه لسنوات عدة حتى ما قبل الأزمة الاقتصادية بسبب سوء إدارة قطاع المياه، كما ساهم تدفق مليون ونصف سوري إلى لبنان منذ 2011 بازدياد العبء على مخزون المياه وتوزيعها. وضخّمت الأزمة الاقتصادية منذ 2019 الكثير من التحديات والمخاطر، حيث يعتبر البنك الدولي هذه الأزمة إحدى أسوأ الأزمات منذ خمسينيات القرن الـ19.

اليوم، المؤسسات الأربعة الكبرى المسؤولة عن ضخ المياه في الشمال والجنوب والبقاع وبيروت مهددة بالتوقف التام، ويستحيل على مؤسسات المياه العامة إعادة تأهيل بنيتها التحتية وخدماتها في ظل انخفاض سعر الصرف بلا استرداد التكلفة. لم يعد بوسع هذه المؤسسات أن تدفع ثمن الوقود المحرك لمضخات المياه أو أن تدفع رواتب موظفيها التي باتت تبلغ ما يقارب الـ30 دولاراً شهرياً.

تفرغ مكاتب مؤسسات المياه العامة في تمام الساعة الـ11 صباحاً في هذه الأيام لأن الموظفين لا يسعهم ملء سياراتهم بالوقود للمجيء إلى العمل، كما أنهم لم يعودوا مندفعين للعمل. تتفاقم المشكلة متأثرةً بتسرب المياه وتكدّس الخسائر الناجمة عن المياه “الضائعة” التي لا تؤمن دخلاً، بينما يواجه معظم السكان مخاطر عسيرة بنقص وشح المياه.

التحول الخطر للقوى

تدخل الممولون العالميون بسرعة لتجنب وقوع الكارثة، وركزوا على توفير المياه لمخيمات اللاجئين السوريين غير الرسمية خلال العقود الماضية. اليوم يُسلط الضوء على منشآت المياه العامة، لكن الممولين لا يمكنهم دفع ثمن هذا الانهيار.

ولضمان بقاء هذه المؤسسات واقفة على قدميها، استثمر المانحون الدوليون والسفارات بكثافة في بناء قدرات المؤسسات العامة وضمان استمرار تشغيل بنيتها التحتية.

استثمر ممولون عالميون وسفارات عدة ملايين الدولارات لتأهيل المنشآت العامة وبنيتها التحتية لضمان استمرارية عمل هذه المؤسسات، لكن هذه المعادلة سمحت بتهرّب الدولة اللبنانية المنهارة ووزارة الطاقة والمياه من مسؤوليتهما بما يتعلق بقطاع المياه عبر تحميله للممولين، ويتجلى ذلك عبر غياب إرادة السياسيين لجعل قطاع المياه أولوية وطنية. كذلك، يترك مستقبل قطاع المياه في لبنان بأيدي بعض الجمعيات العالمية المساعدة التي تتعارك فيما بينها لفهم سياق معقد لم يعد يستطيع أحد فيه أن يدفع ثمن فاتورة المياه.

حليف مفقود

فشل المجتمع الدولي حتى الآن بذكر حليف أساسي في معركة تأمين المياه بالتساوي للجميع: البلديات. لأن بعض البلديات في لبنان يمكن أن تحشد الناس بسهولة وأن تلعب دوراً أساسياً بالتوصل إلى حلول لمشاكل تأمين المياه كوسطاء بين المجتمعات المحلية ومنشآت المياه، وبعض البلديات تلعب هذا الدور لكن بشكل غير متطابق.

يمكن لهذه السلطات اللامركزية مساعدة المجتمعات على إشراك المواطنين وتيسير عمل منشآت توزيع المياه لزيادة فعاليتها وحل المشاكل المتعلقة بتوزيع المياه، كما يمكن للبلدية أن تسهل وصول المياه إلى مناطق الأطراف عبر ربطها بمنشآت المياه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، حاولت اليونيسيف مؤخراً تطبيق مقاربة مماثلة في مشروع تجريبي في ضاحية بيروت الجنوبية، لكن ما زال مبكراً اكتشاف إمكانية تطبيق ذلك على الصعيد الوطني لالتباس الشق القانوني.

يحتاج لبنان إلى تجديد طارئ لإطار عملهم المؤسساتي لتوضيح وضبط أدوار ومسؤوليات البلديات لإدارة قطاع المياه وتبني هذه المقاربة المحلية. كما يجب على الممولين الانتباه لارتفاع الفساد وتفشي التدخلات السياسية بقطاع المياه عبر دراسة الميول الاقتصادية – السياسية لكل منطقة عن كثب وتفسير إجاباتها ضمن هذا السياق.

لبنان يعلمنا درساً

يلقن لبنان المجتمع الدولي الساعي للتنمية دروساً مهمة وهو في طريقه إلى الانهيار، بينما يمكن للجمعيات الدولية المساعدة لعب دور مهم بتقوية خدمات توزيع المياه العامة والبنى التحتية اللازمة لتوزيعها في المستقبل، لكن ذلك يجب أن ينفذ بحذر كبير.

تزداد الحاجة لشراء القوى الداخلية (مثل البلديات) لمركزة خدمة توزيع المياه، خاصة في ظل الانهيار المؤسساتي، كما يمكن تطبيق مقاربة أكثر احتراماً لحقوق الإنسان فقط عبر دراسة كل من السياقين الاقتصادي والسياسي لكل منطقة عن كثب لتجنب إحداث ضرر أكبر في المستقبل.

حان الوقت لكي تعمل الجمعيات العالمية المساعدة معاً على ابتكار حلول خلاقة قبل أن تجف أنابيب اللبنانيين.

تم نشر هذه المقالة على Devex هنا.

المواضيع ذات الصلة