إن الحملة التي تشنها إسرائيل ضد الأونروا تهديد للأمن في المنطقة

تكشف ادعاءات إسرائيل الكاذبة عن خطر تسييس المساعدات، مما قد يورط المانحين.

29 نيسان، 2024

تكشّفت أخيراً “المحاكمة الصوريّة” التي قادتها إسرائيل ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). فإن التقرير المستقل من قبل وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، والذي نشر في 20 نيسان، حول المزاعم بأن موظفي الأونروا شاركوا في هجمات 7 تشرين الأول، ذكر من بين استنتاجاته أن المسؤولين الإسرائيليين فشلوا في تقديم “أي دليل لدعم مزاعمهم”.

أشار التقرير إلى العديد من التحديات التي تواجهها الوكالة بما فيها “الافتقار إلى التواصل وتبادل المعلومات” مع الجهات المانحة بشأن قضايا مثل الحياد والميزانيات المالية. ومع ذلك، فقد سلط التقرير الضوء أيضاً على أن الأونروا لديها تدابير “قوية” لضمان التزام عملياتها بمبادئ الحياد الإنساني. تشمل هذه إطار الحياد الشامل للأونروا لعام 2017 والالتزامات الواضحة لموظفي الوكالة. ويأتي تقرير كولونا أيضاً في أعقاب تقرير استخباراتي من واشنطن أنها، وهي أقوى حليف لإسرائيل، لديها ثقة منخفضة في الادعاءات الإسرائيلية ضد الأنروا.

إن هذه الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد الأونروا ما هي إلا أحدث جولة من سعي تل أبيب الحثيث لتقويض الوكالة وعرقلة عملياتها وانتهاك أهدافها والدفع من أجل حلّها. ففي شباط من العام الجاري،  رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية بشكل استباقي النتائج والتوصيات المحتملة لتقرير كولونا باعتبارها حلول تجميلية، في حين أن التقرير نفسه جاء نتيجة الضجة التي أثارتها الاتهامات الإسرائيلية في كانون الثاني، والتي دفعت 16 دولة غربية مانحة للأونروا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى التحرك بشكل جماعي وتعليق تمويل الأنروا بقيمة 440 مليون دولار.

ففي الأسابيع الأخيرة، وبعد أن أدركت معظم الحكومات الدولية أنها خدعت بمزاعم إسرائيل الفارغة، أعادت تمويلها للأنروا بهدوء. إلا أن استمرار واشنطن – والتي كانت أكبر الممولين للأونروا – بحجب الدعم، أوصل العجز في ميزانية الأونروا لعام 2024 إلى 267 مليون دولار اعتباراً من 22 نيسان، أي ما يقرب من ثلث الدخل السنوي المتوقع للوكالة وفقاً لدوروثي كلاوس، مديرة شؤون الأونروا في لبنان. وهذا لا يعرض فقط سكان غزة للخطر، بل يهدد سلامة اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن.

بمطالبة الأونروا بتنفيذ إصلاحات كشرط لاستعادة تمويلها، عززت الدول الغربية قبضة إسرائيل على عمليات الوكالة.

فقد لعبت الأونروا على مدى عقود دوراً محورياً في تقديم الخدمات العامة للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة. والأونروا فعلياً أكبر منظمة إنسانية في غزة، حيث يعمل لديها 13,000 موظف وتدير 300 منشأة تدعم الفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع. أما في لبنان، وهو يحضن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين 93% منهم يرزحون تحت خط الفقر، تعمل الأونروا ككيان شبه حكومي في 12 مخيماً للاجئين. وتقدم الوكالة خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم وإدارة المياه والنفايات والمساعدة النقدية وفرص العمل.

خضعت الوكالة لبرنامج تقشف شديد في أعقاب تخفيضات إدارة ترامب للدعم الأمريكي في عام 2018، واعتبر حينها كثير من المراقبين أن هذا الحجب للدعم كان بناء على طلب إسرائيل. إذ تم “تخفيض الميزانيات حتى العظم” وفقاً لكلاوس، والتي أضافت أن مع تخفيضات التمويل الحالية، لن تكون الأونروا قادرة على مواصلة نشاطاتها الأساسية إلا حتى نهاية حزيران، في حين قام مكتب الوكالة في لبنان بتخفيض المساعدات النقدية للفئات الضعيفة بنسبة 40%.

بمطالبة الأونروا بتنفيذ إصلاحات كشرط لاستعادة تمويلها، عززت الدول الغربية قبضة إسرائيل على عمليات الوكالة. فقد أعاد الاتحاد الأوروبي 50 مليون يورو للأونروا مع حجب مبلغ إضافي قدره 32 مليون يورو مشروط باستكمال التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة وتنفيذ جملة من الإصلاحات.

ولطالما نظر القادة الإسرائيليون إلى الأونروا بكونها تهديداً، بحجة إلى أن تفويض الوكالة يؤكد أن للجانب الفلسطيني"حق العودة."

سعت إسرائيل بدورها إلى تقويض التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية. حسب بيان للأمين العام للأمم المتحدة فإن “تعاون السلطات الإسرائيلية التي أطلقت هذه الادعاءات سيكون حاسماً لنجاح التحقيق.” إلا أن متحدثاً باسم الأمم المتحدة أكد أن إسرائيل لم تقدم لمكتب الرقابة أدلة تثبت ادعاءاتها، في حين أن الجهات ذات النفوذ والمؤيدة لإسرائيل، أبرزها مؤسسة “رقابة الأمم المتحدة” هاجمت بشراسة مصداقية تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية.

ولطالما نظر القادة الإسرائيليون إلى الأونروا بكونها تهديداً، بحجة إلى أن تفويض الوكالة يؤكد أن للجانب الفلسطينيحق العودة.” إذ تعتبر الوثيقة الأساسية للأونروا جميع أحفاد اللاجئين الفلسطينيين من عام 1948 لاجئين وبالتالي مؤهلين للعودة إلى بلادهم. وتظل الوكالة رسمياً “مؤقتة” إلى أن يحين الوقت الذي يرى فيه الحل السياسي إعمال هذا الحق، وعندها يمكن حلّ الأونروا.

في آذار من العام الجاري، وفي محاولة للاستيلاء على هذا التفويض، طرحت إسرائيل مقترح لوكالة جديدة تحل محل الأونروا وتدير عمليات تسليم المساعدات واسعة النطاق إلى غزة. وفي الوقت نفسه، فإن واشنطن اليوم تعيد توجيه المساعدات المالية المخصصة لغزة والضفة الغربية من الأونروا إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID أي جهاز واشنطن الأساسي للمساعدات الخارجية. وقال كريس غانيس، المتحدث الرئيسي باسم الأونروا من عام 2007 إلى عام 2020 أن “هذا خطاب إنساني شكليّ وسطحيّ. إذ لن يكون من الممكن إعادة بناء بيروقراطية الأونروا بالسرعة الكافية.” وفي الواقع، فخلال هذه الفترة، سيُترك اللاجئون الفلسطينيون دون شبكة أمان خلال أصعب فترة من الضعف والمعاناة يمرّون بها منذ عقود.

وقد لا نجد ما يبعث على الارتياح في حفنة الجهات الفاعلة الدولية التي تحاسب الحكومات الغربية على قراراتها. ففي المملكة المتحدة، قام مكتب محاماة بالطعن بقرار الحكومة البريطانية بوقف تمويل الأونروا لأسباب متعددة، بما في ذلك انتهاك الالتزامات الدولية والإخلال بالأطر الحكومية الداخلية.

وتقدمت دولة نيكاراغوا أيضاً بقضية أمام محكمة العدل الدولية متهمة ألمانيا بـ “تسهيل الإبادة الجماعية” بحق الفلسطينيين في غزة، مستشهدة بقرار ألمانيا الأوليّ بوقف تمويل الأونروا. وجاءت الإعلانات المنسّقة للدول المانحة عن تخفيض تمويلها للأونروا في كانون الثاني بعد يومين فقط من أمر محكمة العدل الدولية بـ “توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية شديدة الحاجة بشكل عاجل من قبل جميع الأطراف المعنية على نطاق واسع” للفلسطينيين في قطاع غزة.

ومع تراجع المانحين الغربيين من المشهد، لم تقدم الدول العربية سوى مقترحات غير جدية، وهذا استمرار للتوجه الذي تنتهجه دول الخليج منذ عام 2018 حين خفضت تمويلها الأونروا بشكل ملحوظ. ومما لا شك فيه أن الدول العربية تدرك – كما الدول الغربية بحاجة أن تدرك – أنه في حالة انهيار الأونروا، فإن عبء توفير الخدمات الأساسية لـ 5.9 مليون لاجئ فلسطيني سيقع بشكل مباشر على عاتق الدول المضيفة. وهذا السيناريو من شأنه أن يسعد إسرائيل، في حين تسارع إلى تطبيع مسألة اللاجئين المستمرة منذ 75 عاماً، وإضعاف النسيج الاجتماعي لأعدائها، وتوجيه ضربة موجعة لحق الفلسطينيين في العودة.

 

ويتعيّن على صناع السياسات في الغرب اليوم أن يعترفوا بأن تخفيض تمويلهم بناء على طلب إسرائيل قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وينذر أيضاً بالمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

ولمنع كل هذه المصائب التي قد تحل بالفلسطينيين والمنطقة من حولهم، تحتاج الأونروا إلى دعم مالي مستدام ويمكن التنبؤ به لعدة سنوات، مصحوباَ بضخّ فوري قصير الأجل لأموال إضافية لمعالجة الوضع المروّع في غزة، ولمواصلة دعم الملايين من اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في أنحاء المنطقة. ويتعيّن على صناع السياسات في الغرب اليوم أن يعترفوا بأن تخفيض تمويلهم بناء على طلب إسرائيل قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وينذر أيضاً بالمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. ومن أجل استعادة مصداقيتهم، عليهم أيضاً محاسبة إسرائيل على حملتها الوحشية ضد وكالة الغوث الفلسطينية. وإن لم يتمّ كل ذلك، فعلى صناع السياسات الغربيين أن يستعدوا للمساءلة عن تواطؤهم في الجرائم المستمرة، والتي يصفها العديد من المراقبين، بما في ذلك فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، بأنها إبادة جماعية.

المواضيع ذات الصلة