في الأسابيع الأخيرة ، سيطر على البيت الأبيض والكنيست طموح متهوّر يتمثل بما سمّي “تفكيك” حزب الله. وبدلاً من الحسابات المنطقية المستندة إلى النتائج المحتملة، يبدو أن هذا الهدف قد سيطر على صناع القرار السياسي وهم في سكرة قتل إسرائيل لأكثر من 25 من قادة حزب الله الشهر الماضي، والذي جاء بعد عمليات عدوانية أدت إلى إصابة الآلاف من أعضاء الحزب.
وكان من الممكن أن تدرك أن هذا الطموح الجديد سيقود نحو الهاوية، وأن المطالبين به أساؤوا فهم حزب الله والمجتمع اللبناني والنسيج السياسي في البلاد بشكل جذري. ففي أفضل الأحوال فإن هذه الجهود سوف تفشل. أما في أسوأ الأحوال، فإنها سوف تودي لبنان إلى حرب أهلية جديدة، مما يزيد من تدويل الصراع الذي صار إقليمياً. هناك طريق بديل لتأمين السلام على الحدود الجنوبية للبنان، ولكن هذا يتطلب إعادة تقييم رصينة تحول التركيز من محاولة تدمير حزب الله إلى معالجة الأسباب التي تجعل العديد من اللبنانيين ينظرون إلى الجماعة باعتبارها ضرورة وجودية.
شدد مسؤولون في إدارة بايدن، في تصريحات صحفية كما في مشاورات خاصة مع الأطراف المعنية الإقليمية، على “الفرصة” التي توفرها ضربات إسرائيل ضد حزب الله لكسر “قبضة” الحزب على لبنان. بالنسبة لواشنطن، يشمل ذلك إجبار حزب الله على نزع سلاحه وكسر عامين من الجمود السياسي الأمر الذي حال دون قيام البرلمان اللبناني بانتخاب رئيس جديد.
أما ما سميت “رسالة إلى شعب لبنان” من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تخللها المزيد من التهديد. وقال إن “حزب الله أضعف مما كان عليه منذ سنوات عديدة”، داعياً اللبنانيين إلى “النهوض واستعادة بلدكم” خشية أن تلحق إسرائيل بلبنان “الدمار والمعاناة كما نرى في غزة”. ويبدو أن تأكيده الملحوظ على أن حزب الله “سيقاتل إسرائيل من المناطق المكتظة بالسكان” يحاول استباقياً تبرير توسيع إسرائيل قصفها منذ ذلك الحين للأحياء المدنية في المناطق غير المرتبطة بحزب الله.
بعض الانتهازيين من السياسيين اللبنانيين تبنوا رواية مفادها أن الوقت قد حان لإخضاع حزب الله وقطع علاقاته مع إيران. غير أن هذا التفكير قصير النظر وخاطئ.
قراءة خاطئة للمشهد
أولاً، يرتكز الموقف الأمريكي والإسرائيلي على افتراض أن حزب الله قد وصل إلى مرحلة الانهيار العسكري أو يقترب منها، وأن الغزو البري الإسرائيلي المستمر لن يؤدي إلا إلى دفعه بهذا الاتجاه. وفي حين أن الحزب فقد مؤخراً مجموعة كبيرة من كبار قادته، فإن التخطيط الشامل للخلافة والقيادة اللامركزية في حزب الله يعني أنه تم استبدالهم منذ ذلك الحين. ولا يزال هيكله التنظيمي قائماً.
كما أن مخزون حزب الله من الصواريخ والمسيرات المسلحة لم يمسّ أيضاً، والذي، حتى بحسب التقديرات الإسرائيلية الأكثر تفاؤلاً، لا يزال يصل إلى عشرات الآلاف. وقد تجلت قدرة حزب الله على استخدام ترسانته في تصعيد ضربة على قاعدة عسكرية إسرائيلية جنوب حيفا أسفرت عن مقتل أربعة جنود وإصابة حوالي 70 آخرين.