يتجلى تأثير فقدان الوصول إلى الرعاية الصحية بأوضح صوره في حالة النساء الحوامل في غزة، اللاتي يقدر عددهن بخمسين ألف حين بدأت الحرب. فقد أجهضت العديد منهن، أو ولدن أجنة ميتة أو واجهن عمليات قيصرية بمعدات غير مطهرة و بدون مخدر، بينما تتزايد أعداد المواليد الجدد الذين يموتون ببساطة بعيد ولادتهم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لأن الأمهات الجائعات يلدن أطفالاً يعانون من نقص خطير في الوزن.
فإن الحملة الإسرائيلية في غزة – والتي اتهمتها أكبر محكمتين دوليتين في العالم بالإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية وبدأت بإجراءات ضد الدولة الإسرائيلية وقادتها – استمرت بلا هوادة منذ أن نشرت مجلة “لانسيت” دراستها. ومع عدم وجود سبب للاعتقاد بأن نسبة (أربعة إلى واحد) من الوفيات غير المباشرة إلى الوفيات المباشرة قد انخفضت، فإن مقتل 40 ألفاً من سكان غزة بوسائل عنيفة يعني أن إجمالي الوفيات نتيجة الحملة الإسرائيلية قد يتجاوز الـ 200 ألف – أي 9 بالمئة من سكان غزة قبل الحرب.
ادعى الجيش الإسرائيلي في آب أنه قتل 17 ألفاً من مقاتلي حماس. وبينما لم تعلق حماس على هذا الرقم فإنها قالت أن التصريحات الإسرائيلية السابقة ضخمت خسائر حماس بأكثر من الثلثين. وبغض النظر عن أيهما أقرب إلى الحقيقة، فإن ما يوضحه هذا الرقم هو أن المقاتلين يشكلون جزءاً صغيراً من إجمالي الـ 200 ألف حالة وفاة التي تتحمل إسرائيل المسؤولية عنها.
ولوضع عدد القتلى في غزة ضمن سياق الفظائع التاريخية، يجب التذكر أن معسكر الإبادة الأول الذي أنشأه النازيون بالقرب من خيلمنو في بولندا التي كانت تحتلها ألمانيا، قام بإبادة ما لا يقل عن 172 ألف مدني، في حين أن القنابل النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على اليابان خلال الحرب نفسها، تشير التقديرات إلى أن آثارها الإشعاعية قد قتلت أكثر من 210 ألف شخص.