يستعد اللبنانيون لانتخاب أعضاء مجالس البلديات بحسب ادعاءات السياسيين اللبنانيين، لكن اللبنانيين بحاجة لأكثر من وعود فضفاضة للاقتراع وإجراء الانتخابات في وقتها المحدد.
وتعهد وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي مؤخراً بالقول: “لن أقترح تأجيل الانتخابات البلدية”، ومع ذلك، رجّح الخبراء السياسيون لموقع “البديل” أن يتم تأجيل انتخابات البلدية والاختيارية (المخترة) مرة أخرى، مما قد يؤثر بشدة على مستقبل هذه السلطات المحلية.
يقول رئيس كلية العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت، كريم بيطار، لموقع “البديل”: “لا أعتقد أنه سيتم تنظيم الانتخابات البلدية”، وتابع مضيفاً “من المرجح ألا تُنظم الانتخابات البلدية في ظل الفراغ الرئاسي، وتولي حكومة تصريف الأعمال مهامها خلال الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي ضربت لبنان”.
وبينما تتعمق الأزمة الاقتصادية في المجتمع اللبناني، فإن تنظيم الانتخابات البلدية يعد ضرورياً للمحافظة على الحوكمة والتمثيل المحليين، والمسار الديمقراطي أيضاً. وعلى عكس الجهات النافذة، لا يمكن للبلديات أن تتحوّل إلى بلديات تصريف أعمال لتقوم بمهامها، بل يتوجّب على قائم المقام في كل قضاء القيام بعمل البلديات.
ضحية الجمود السياسي
أعلن مجلس النواب تأجيل الانتخابات البلدية رسمياً في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بعدما كان مقرراً تنظيمها في مايو (أيار) في عام 2022، حيث تم تأجيلها لمدة عام بسبب نقص الموارد البشرية والمادية، ومدد القرار ولاية أكثر من ألف بلدية مُشكّلة على المستوى المحلي للحوكمة في لبنان، وموزّعة على ثماني محافظات و26 قضاء.
تخضع البلديات لأحكام قانون البلديات الصادر في عام 1977، والذي يعطيها الحق بإدارة محلية لامركزية لشؤون المجتمعات الواقعة ضمن نطاقها الجغرافي، وتعتبر الانتخابات البلدية التي أجريت في التسعينيات إحدى النجاحات التي سمحت بإعادة الحياة المدنيّة بعد الحرب الأهلية، حيث ينتخب المقترعون اللبنانيون المجالس البلدية لولاية مدتها ستة أعوام باقتراع قائمة من المرشحين الذين يفوزون في حال حصولهم على العدد الأكبر من الأصوات.
تشارف ولاية البلديات الحالية على الانتهاء في ظل الجمود السياسي الذي بلغ شهره الخامس، فينما تتصارع القوى الطائفية بين بعضها على تسمية الرئيس المقبل منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) للعام الماضي، ويحد المأزق الحالي من النطاق الدستوري للعمل القضائي للمجلس النيابي باختيار رئيس جمهورية جديد، مما يؤجل جميع أعمال الدولة مانعاً تصويت مجلس النواب على تمديد آخر لولاية البلديات.
يقول عضو مجلس إدارة الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، عمار عبود، لموقع “البديل”: “لن يعود البلد إلى العمل حتى يقرروا (…) كيفية توزيع الحصص”، ويتابع مضيفاً “أي عندما نعين رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب ونتفق على قانون انتخاب”.
حاجتنا لإبقاء المشكلة محلية
تعتمد المجتمعات المحلية على البلديات لتنمية وإدارة البنى التحتية الأساسية كالمياه والطرقات والنظافة، وحتى المنشآت الصحية من الدرجة الثالثة في بعض الأحيان.
ولا تزال الكثير من البلديات تلعب دوراً مهماً بالحفاظ على المنشآت العامة محلياً على الرغم من التضخم المالي، لذلك فإن غياب البلديات سيؤثر كثيراً على المجتمعات المحلية، وسيضطر السكان المحليون للاعتماد على العاصمة المركزية لكل قضاء لحل مشاكلهم المحلية في حال حل البلدية بعد انتهاء ولايتها، كما لن تتمتع البلديات بسلطة التوقيع على القرارات أو الحصول على ميزانية.
على سبيل المثال لا الحصر، سيضطر سكان عاليه، وهي مدينة جبلية صغيرة قريبة من بيروت للسفر إلى بعبدا التي تبعد ما يقارب 11 كم لحل مشاكل مناطقهم، وقالت المحامية المقيمة في عاليه زينة جابر: “يعطي هذا الوضع فرص استفادة للمافيات المحلية وشبكات الزبائنية السياسية التي ستقوم بدور البلدية”.
كما سيؤثر غياب البلديات على مشاريع التنمية المحلية التي يطبقها ممولون أجانب معتمدين بشكل رئيسي على البلديات، والتي يكون من ضمنها مشاريع تحسين خدمات المياه، وتركيب ألواح الطاقة الشمسية.
لا تزال البلديات جهة الحوكمة الوحيدة التي تقوم بعملها بعد تراجع قدرة حكومة لبنان المركزية على توفير الخدمات، وعلى عكس انتخابات مجلس النواب، لا توجد في المجالس البلدية حصص مذهبية تشجع على التحالفات الانتخابية العابرة للطوائف سامحة للمرشحين غير المنتمين للتحالفات الطائفية والسياسية التقليدية بتحقيق المكاسب.
الفرصة الأفضل للتغيير
ظهرت مجموعات من المجتمع المدني كلاعب مهم في الانتخابات البلدية الأخيرة في عام 2016، وكان من ضمنها مجموعة بيروت مدينتي التي فازت بالانتخابات بنسبة 40 في المائة من مجموع الأصوات في إحدى الدوائر الانتخابية في بيروت.
من المرجح أن تتغير ديناميكيات الأحزاب التقليدية في الانتخابات البلدية القادمة، كما هو الحال مع مجلس النواب السابقة، بعد تراجع شعبية تيار المستقبل وسيطرة حزب الله في بعض المناطق، وبحسب بيطار فإن الجهات التغييرية تستطيع خرق هذه الانتخابات في طرابلس، وحتى بيروت إذا نجحت بالاتحاد فيما بينها.
ويبقى السؤال عن مدى استعداد القوى التقدمية للمعركة القادمة على المستوى المحلي، بعدما حازت على 13 مقعداً في انتخابات مجلس النواب العام الماضي، لكن الزميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند حاج علي، يشك في إمكانية القوى التغييرية على مواجهة الطبقة السياسية في الانتخابات البلدية القادمة.
يقول حاج علي: “لقد أظهر نواب التغيير عجزهم عن إحداث أي تغيير خلال السنة الماضية“، ويتابع مضيفاً “كما أضعف التبجّح الذي رأيناه من عزم كثيرين على خوض تجربة سياسية”.
يسعى النواب المستقلون إلى تجنّب تأجيل ثانٍ للانتخابات البلدية في ظل العوائق المتعددة، فقد صرح النائب التغييري المستقل مارك ضو لـ”البديل” عن مسعاهم لضمان تنظيم الانتخابات، والتي تشمل الاعتماد على مجلس الوزراء بدلاً من الرئيس لتوقيع قرار إجراء الانتخابات، وإيجاد التمويل اللازم لتنظيمها الذي يبلغ قرابة تسعة ملايين دولار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن استخدام لبنان لحقوق السحب الخاصة (SDR) من صندوق النقد الدولي.
يوضح ضو بأنه “هذه هي حدود القواعد الدستورية وهي ليست عملية واضحة”، ويضيف: “يمكن لمن يريد تقويضها الرجوع إلى مواد قانونية وأمور تقنية عدة”.
لا يزال تنظيم انتخابات البلديات غير مؤكداً بلا انتخاب رئيس جديد للبنان، لذا قد لا تعمل الجهات المحلية للحوكمة بلا ولاية جديدة للبلديات، على الرغم من أنها جوهرية للحفاظ على السياسات الأساسية العامة، وهو احتمال مخيف في بلد على وشك الانهيار.