السوريون في لبنان محاصرون بين قذائف الحديد وقذائف الكلام

لا يزال السياسيون اللبنانيون يلقون باللوم لفشلهم على مجتمع اللاجئين المهمش.

12 تشرين الثاني، 2024

ملخص تنفيذي  

تحولت سوريا فجأة إلى ملاذ آمن، أو هكذا قد يبدو الأمر إذا استمعنا إلى الخطاب السياسي اللبناني مؤخراً. الزعماء اللبنانيون من مختلف الأطراف في المشهد السياسي المنقسم اجتمعوا حول هذا التحوّل في السردية منذ منتصف أيلول، حين دفع التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر إلى ما يقرب من 350.000 من السوريين اللاجئين في لبنان إلى الفرار عائدين عبر الحدود إلى سوريا. لكن الواقع يتناقض تماماً مع هذه السردية. هيومن رايتس ووتش وثقت مؤخراً أن اللاجئين العائدين يواجهون “الخطر المحدق في الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والاضطهاد.” 

لماذا إذاً تتصاعد إشادة السياسيين اللبنانيين بالأمن والأمان على الجانب السوري من الحدود؟ ستظهر هذه الورقة أن هذا أحدث تجلّي لحملة مستمرة منذ سنوات ضد اللاجئين السوريين في لبنان، والتي قد عمدت إلى تشويه سمعة هؤلاء اللاجئين وجرّدتهم من إنسانيتهم، كما اتخذهم كبش فداء ومحطّ التهميش والعنف، من أجل المنفعة السياسية للقادة اللبنانيين. 

فالحرب الأهلية السورية، والتي بدأت في عام  2011 ولم تنته بعد، سببت النزوح القسري لحوالي 1.5 مليون سوري إلى لبنان. ثم بعد أن دخل لبنان في الانهيار الاقتصادي في عام 2019، أصبحت الهجمات اللاذعة التي شنها السياسيون اللبنانيون ضد هؤلاء السكان حادة. تبدو هذه الحملة منسقة ومدبرة، وهادفة لصرف اللوم عن الطبقة السياسية وتركيز الغضب الشعبي في غير مكانه. وفي هذا الحين قامت وسائل إعلام محلية و دولية إلى توصيف هذا الوضع، ولا تزال هذه الادعاءات ضد اللاجئين غير مدعومة بأي أدلة أو معطيات حقيقيّة.  

وعلى مدى العامين ونصف العام الماضيين، تتبعت “البديل” ما يقوله قادة لبنان عبر وسائل الإعلام المطبوعة ووسائل التواصل الاجتماعي. أظهر رصدنا الإعلامي حالات متكررة تزامن فيها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي داخل البلاد مع ارتفاع طفيف في الخطاب المناهض للسوريين، مما يشير إلى وجود استراتيجية متعمدة لتحويل اللوم ضدّهم. ومنذ التصعيد العسكري الإسرائيلي في منتصف أيلول تحولت هذه الرواية من انتقاد اللاجئين إلى تأطير حقيقة عودة البعض كإشارة إلى أن سوريا أصبحت الآن آمنة لعودة الجميع. 

توجد أمثلة عديدة لهكذا تصريحات من أفراد في الحكومة اللبنانية والنخبة السياسية من بينهم وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هيكتور حجار، والذي اقترح أن الظروف في سوريا قد تكون الآن أكثر أماناً من لبنان. كما أن النائب عن التيار الوطني الحر جبران باسيل أطّر موجة النزوح كفرصة لعودة السوريين، وزعيم القوات اللبنانية سمير جعجع أكّد أن عودة اللاجئين تثبت أن هناك مناطق آمنة في سوريا. لكن هذه المزاعم مضلّلة وخطيرة في آن: فسوريا ما تزال غارقة في العنف والاضطهاد، وليست واحة للملاذ منه. 

والخطاب السائد اليوم السياسيين اللبنانيين لم ينفصل بالكامل عن ما سبقه من أنماط التشهير – فقد تم الافتراء على اللاجئين السوريين بكونهم عملاء لإسرائيل وناقلين لعدوى الأمراض المنتشرة. كما من المرجح أن تستمر السردية الجديدة في ظل الحرب في توليد العداء الذي نشأ عن الإطار السابق، مما يخلق المزيد من عدم الأمان لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين ما زالوا في لبنان، ويصب المزيد من الوقود على خطر الاشتعال الاجتماعي. 

قاعدة بيانات البديل تتبع اللوم  

قبل التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد لبنان لم تكن النخبة اللبنانية المنقسمة قادرة على الاتفاق على أي شيء يذكر. لكن من بين النقاط القليلة التي وجدوا فيها أرضية مشتركة كان لوم اللاجئين السوريين على كل شيء في البلاد تقريباً – بدءاً من ارتفاع الجرائم واندلاع أعمال العنف و نقص الخبز. فالعديد التقارير و الدراسات أظهرت أن هذه الادعاءات كاذبة بشكل لا يحتمل اللبس. إلا الحرص على الحقيقة نادراً ما كان هاجس النخبة اللبنانية. فما يهمهم هو الحفاظ على الدعم داخل دوائرهم الانتخابية الطائفية، وبالتالي سلطتهم في مراكز القوى داخل أجهزة الدولة والتي من خلالها قاموا بنهب الثروة العامة. 

قبل سنوات من اندلاع الحرب المستمرة في لبنان، قاد جشع النخبة السياسية والمصرفية البلاد إلى واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، مما تسبب في انهيار قيمة العملة بنسبة 98% وحجب البنوك مدخرات ملايين الأشخاص. وكان بقاء النخب يعتمد على تركيز اللوم على أماكن أخرى، ولا يمكن أن يكون هناك كبش فداء أنسب مما يقرب من 1.5 مليون سوري لاجئين في لبنان. وقد وفرت التحيزات الاجتماعية الكامنة ضد السوريين الوقود لإشعال النار، في حين عاش اللاجئون أنفسهم في حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي دون وصول يذكر إلى الحماية القانونية ودون أي قدرة على الدفاع عن أنفسهم في الرأي عام. 

وللأسف لاقى هذا التشهير العلني بالسوريين صدىً واسعاً لدى شرائح من الشعب اللبناني. وتم استخدام التحريض ضد للسوريين على مستوى المجتمع المحلي لتبرير السياسات القمعية ضد مجتمع اللاجئين السوريين، وأعطى تفويضاً مطلقاً للعنف الغوغائي ضدهم. ومن خلال تصنيف جميع السوريين بشكل جماعي إما على أنهم تهديد أمني أو مسببي الكوارث المتعاقبة في البلاد، حشدت الطبقة السياسية المشاعر القومية لتبرير تدابير أمنية صارمة للتعامل معهم، شملت قوانين استبعدت السوريين من العمل في معظم القطاعات والحصول على الرعاية الصحية، فضلاً عن تقييد حقوقهم بحرية الحركة داخل لبنان. 

المصدر: قاعدة بيانات الرصد الإعلامي لبديـل - 1 مارس 2022 إلى 28 أكتوبر 2024

لتحليل هذه السردية بشكل صحيح، أنشأت البديل قاعدة بياناتها الخاصة برصد وسائل الإعلام في آذار 2022، والتي تتتبع التصريحات العامة والشعارات التي يطلقها القادة السياسيون اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمطبوعة. تراقب قاعدة البيانات التكرار والمحتوى المواضيعي لما يقوله السياسيون وتصنفها إلى مجموعة واسعة من المواضيع الرئيسة والفرعية – منها مسألة “اللاجئين/المهاجرين” و”النازحين السوريين”. ومع مرور الوقت أعطتنا قاعدة البيانات هذه قدرة للفحص الدقيق في اتجاهات الخطاب العام حول مسائل وأحداث محددة. 

مثلأ رصدت قاعدة بيانات البديل 1,324 بياناً استهدف اللاجئين السوريين أدلى بها سياسيون لبنانيون في الفترة ما بين 1 آذار 2022 و28 تشرين الأول 2024. من بينها، أدلى أعضاء التيار الوطني الحر بـ 412 (31%)، و250 (18%) لحزب القوات اللبنانية. تشير هذه الأرقام إلى أن هذين الحزبين ذوي الأغلبية المسيحية كانا رأس حربة في في شيطنة السوريين في لبنان. وكما هو موضح أدناه، فالأحزاب السياسية من مختلف الأطياف لم تعنى بالدفاع عن اللاجئين من التشهير والافتراء، لأنهم أيضاً استفادوا من إلهاء الرأي العام عما يحصل في البلاد.  

أزمة الخبز 

وفي أول حالة موثقة لتزايد الخطاب السياسي المناهض لسوريا تزامناً من الأزمة الاقتصادية في لبنان، وزيادة التمييز والعنف ضد السوريين، جاءت في تموز وآب 2022. وخلال تلك الفترة، وصلت أزمة نقص الخبز في لبنان إلى ذروتها، وسبب تزايد الطلب إلى ارتفاع سعر الخبز أربع مرات مما هو معتاد. 

كانت هناك أسباب متعددة لهذا النقص الحادّ. فانفجار مرفأ بيروت الكارثي عام 2020 دمر صوامع القمح الكبرى في لبنان، ومعظم مخازنها الاحتياطية من الحبوب. ومنذ ذلك الحين تبادلت الأحزاب السياسية اللبنانية اللوم عن الكارثة، وأوقفت التحقيق فيها بينما لم تحرز تقدماً يذكر في إعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرها الانفجار. هذا، وإلى جانب الارتفاع السريع في تكاليف الغذاء والوقود، ترك البلاد في حالة ضعف حين أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تقلبات في إمدادات القمح العالمية في ربيع عام 2022. واللافت أن لبنان كان يستورد أكثر من 60 بالمئة من قمحه من أوكرانيا.

ورداً على نقص الخبز، ألقى السياسيون اللبنانيون اللوم على السوريين في دفع الاقتصاد اللبناني إلى الانهيار. واتُّهم السوريون بسرقة الخبز أو، بحسب أمين سلام وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، “استهلاك 400 ألف رغيف خبز يومياً”. وقفز المتوسط لعدد التصريحات المناهضة لسوريا في شهري تموز وآب إلى 31 تصريح ​​شهريأً، مقارنة بمتوسط ​​8.5 شهرياً في الفترة من آذار إلى حزيران 2022. وتلا ذلك موجة متجددة من التمييز والعنف استهدفت السوريين، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية، وفرض البلديات حظر التجوّل، ومنع السوريين من شراء الخبز من المتاجر. 

واستمر هذا الارتفاع الملحوظ في الخطاب ضد السوريين خلال شهري أيلول وتشرين الأول 2022، حيث بلغ المتوسط ​​28 بياناً سياسياً يستهدفهم كل شهر. والجدير بالذكر أن هذا جاء في الوقت الذي ازدادت فيه حدّة المأزق السياسي بشأن انتخاب رئيس جديد. إذ انتهت ولاية الرئيس ميشال عون في تشرين الأول 2022 وأدى عدم التوافق على مرشح جديد إلى دفع البلاد منذ ذلك الحين إلى الجمود المؤسساتي. 

انهيار العملة  

في آذار ونيسان 2023 انخفضت قيمة الليرة اللبنانية إلى 140 ألفاً لكل دولار أميركي وهو مستوى جديد وكانت له دلالات رمزية بكونه أدنى مستوى تاريخي لانهيار العملة، في حين ارتفع التضخم إلى أعلى مستوى له على الإطلاق وهو 270%. وكشفت قاعدة بياناتنا عن تصاعد في الخطاب السياسي المناهض للسوريين خلال هذه الفترة. ثم خلال الأشهر الثلاثة بين آذار وأيار 2023 تم رصد 171 بياناً وتصريحاً سياسياً يستهدف اللاجئين السوريين – بزيادة قدرها 434% عن الـ 32 بيان التي تم رصدها في الأشهر الثلاثة السابقة (كانون الأول 2022 إلى شباط 2023).

والسردية المشتركة بين النخبة السياسية (والمتجسدة في هذه التصريحات) ربطت بين أزمة اللاجئين السوريين والأزمة النقدية والاقتصادية في لبنان. فعلى سبيل المثال هيكتور حجار المحسوب سياسيا على التيار الوطني الحر ووزير الشؤون الاجتماعية ذكر: “رفضنا إعطاء المساعدات للاجئين السوريين بالدولار لأن الشعب اللبناني يرفض هذا النزوح.” 

 في حين قال حسين الحاج حسن، وزير الصناعة ونائب في حزب الله: “يتحمل لبنان اليوم أعباء النزوح السوري، وليس لدينا مشكلة مع النازحين كأشخاص ولكننا نتحمل أعباء هذا النزوح اقتصادياً ومالياً، ودول العالم لم تقدم للبنان أي تعويض عن تحمله هذه الأعباء.” 

الترويج الانتهازي للخوف قد يؤدي إلى العنف 

استخدمت الطبقة السياسية حوادث العنف بين السكان المحليين اللبنانيين واللاجئين السوريين لدعم خطابها. وظهر ذلك بوضوح بعد الاشتباكات التي اندلعت بين سوريين ولبنانيين في منطقة عرمونعاليه في جبل لبنان في 30 أيلول 2023، ومن ثم منطقة الدورة في بيروت بعد خمسة أيام. 

تظهر قاعدة بيانات البديل أنه تم الإدلاء بـ 36 تصريح سياسي استهدف السوريين في الفترة ما بين 30 أيلول و6 تشرين الأول 2023. وتصور هذه التصريحات السوريين كتهديد للاستقرار وكمحرضين على العنف في لبنان، مثل: “أزمة النزوح السوري تتفاقم، وخطر النازحين الذين هم فوق القانون يشكل تحذيراً خطيراً خاصة بعد حادثة عرمون-عاليه أمس”. (فريد الخازن النائب عن كسروان). وبشكل عام كان هناك زيادة بنسبة 112% في عدد التصريحات السياسية المناهضة للسوريين مقارنة بالمعدل الأسبوعي (أي 17) في أيلول 2023. 

ومع ذلك فإن التصعيد الأكثر خطورة حتى الآن في الخطاب والتمييز والتحريض على العنف ضد السوريين حدث في 7 نيسان 2024 بعد أن اختطف أعضاء عصابة سورية باسكال سليمان عضو حزب القوات اللبنانية، وقتلوه في نهاية المطاف في ما وصفته السلطات لاحقاً بأنها “محاولة لسرقة سيارته.” ووفقاً لقاعدة بياناتنا ففي الأسابيع الثلاثة التي تلت الحادث (8-30 نيسان) أدلى سياسيون لبنانيون بـ 158 تصريحاً استهدف اللاجئين السوريين، مما يمثل ارتفاعا هائلاً بنسبة 868% مقارنة بالمعدل الشهري لهكذا تصريحات في الأشهر السابقة اي كانون الاول (11 تصريح)، وشباط ( تصريح 18)، وآذار ( تصريح 20). 

وسواء كانت الزيادة الهائلة في التصريحات تعكس نوايا السياسيين إما لتأجيج التوترات أو استثمارها سياسياً ــ أو الاثنين معاً ــ في أعقاب مقتل سليمان، فقد تم الإبلاغ عن كثير من حوادث العنف في المناطق ذات الأغلبية المسيحية في جميع أنحاء لبنان. شمل ذلك إنشاء نقاط تفتيش مرتجلة وغير رسمية لنصب كمائن للسوريين، واقتحام ونهب المنازل والمصالح للسوريين، وإصدار تهديدات تأمر اللاجئين غير المسجلين بإخلاء المناطق السكنية على الفور.  

إلا أن مضمون معظم التصريحات السياسية بين 8 و30 نيسان لم يتطرق إلى حادثة سليمان نفسها. على العكس، فقد أعرب السياسيون عن مخاوفهم بشأن الانقسامات الطائفية بين المسيحيين والشيعة وبين المسيحيين، واكتظاظ السجون اللبنانية بالسوريين، وما سمي “التهديد الديموغرافي” بسبب ارتفاع معدل الولادات السورية، وعدم كفاية الدعم المقدم من المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على إدارة عبء اللاجئين الذي يتحمله. وهذا التحوّل في الخطاب يعكس تلاعب السياسيين واستغلالهم لحوادث بارزة مثل مقتل باسكال سليمان، لجعل السوريين كبش فداء لجملة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في لبنان، والكثير منها جدليّة أو حساسة للغاية (من حيث استحضار الذاكرة الجماعية للحرب الأهلية). ففعلاً:   

“لسوء الحظ، في لبنان، ينجح إلقاء اللوم على اللاجئين السوريين بسبب التاريخ الصعب الذي عاشه لبنان مع سوريا. ونتيجة لذلك، يربط العديد من اللبنانيين بين اللاجئين السوريين والنظام السوري الذي احتل لبنان منذ فترة طويلة” بحسب نادين خشن، المحامية الحقوقية والمدافعة عن حقوق اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان والباحثة في مجال حقوق اللاجئين لدى الشبكة السويسرية للدراسات الدولية (SNIS). 

الإعلام اللبناني: شريك في التحريض  

إن شيطنة اللاجئين السوريين من قبل النخبة السياسية وجدت شركاء متعاونين بين وسائل الإعلام اللبنانية. فوسائل الإعلام اللبنانية كانت خاضعة تقليدياً لسيطرة مجموعة فرعية صغيرة من الأفراد المنتمين إلى أشخاص سياسيين مكشوفين (PEP) وأحزاب سياسية. مثلاً قناة المنار هي القناة التلفزيونية الرسمية لحزب الله، وقناة MTV مملوكة لعائلة المرّ المرتبطة تاريخياً بالأحزاب السياسية التي يهيمن عليها المسيحيون. ومع ذلك ومنذ الأزمة الاقتصادية عام 2019 سعت شركات الإعلام إلى التقرب من الأشخاص المكشوفين سياسياً كوسيلة للبقاء اقتصادياً، وفي المقابل استفادت النخبة السياسية من ترويج أجنداتها الخاصة عبر وسائل الإعلام. 

تقول دلال حرب، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، في مقابلة مع البديل أن وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي تعمل في كثير من الأحيان على ترسيخ الصور النمطية والمعلومات المضللة حول اللاجئين السوريين.   

وقالت حرب: “هذه الصور النمطية ليست فقط غير دقيقة، بل إنها تسهم أيضاً في إدامة الانقسام وتوليد العداء، ويمكن أن تتصاعد إلى اضطرابات وصراعات أهلية.” تشمل الصور الشائعة للسوريين في وسائل الإعلام أنهم يعتمدون على المساعدات وأن لديهم العديد من الأطفال، وأنهم غير متعلمين. 

تتضمن الأمثلة الإعلانات والدعم لحملة تراجعوا عن الضرر لقناة MTV اللبنانية. كما تم انتقاد غرفة التجارة والزراعة والصناعة بسبب بثّ ورعاية إعلانات فيها إثارة للكراهية تجاه اللاجئين السوريين في البلاد.    

وفي الآونة الأخيرة، كان يُخشى أن يكون منشور وسائل التواصل الاجتماعي الذي نشره جمال ريان، مذيع قناة الجزيرة، قد أثار المزيد من التوترات في لبنان. ادعى ريان على موقع X (تويتر سابقاً) أن اللاجئين السوريين كانوا يعملون كعملاء لإسرائيل، زاعماً أنهم يقدمون معلومات عن مواقع قادة حزب الله بما فيهم حسن نصر الله. والمنشور (الذي رصده البديل) تم حذفه منذ ذلك الحين من قبل الريان.  

الهزة الدولية  

ساعد الخطاب السياسي العدائي فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين على صرف الانتباه عن حقيقة أن الطبقة السياسية لم تطور أي حلول ذات معنى على المدى الطويل للانهيار الاقتصادي في لبنان. فإن الأقرب إلى سياسة محددة بين السياسيين اللبنانيين كان إلقاء اللوم على وكالات الإغاثة الدولية لدعمها السوريين، وفي الوقت نفسه المطالبة بمزيد من المساعدات الثنائية. كما أوضح كارلوس نفاع، الخبير في شؤون اللاجئين وسياسات الحدود في لبنان، متحدثاً لـ البديل: 

“لم تفعل الحكومة اللبنانية أي شيء لمعالجة المسألة السورية – فهي لم تخلق لا رؤية ولا سياسة متماسكة، ولم تأخذ زمام المبادرة لحشد المجتمع الدولي للتوحّد تحت عنوان واضح لمعالجة الأزمة بشكل فعال من خلال نهج سياساتي.” 

وفي أيار 2024 رصدنا 331 تصريحاً مناهضاً للسوريين من سياسيين لبنانيين، وهو ما يمثل زيادة تزيد عن 10 أضعاف مقارنة بالمعدلات الشهرية الوسطية على مدار العامين السابقين (وهي 16 في 2022؛ و 33 في 2023). وتزامنت ذلك مع “مؤتمر بروكسل” السنوي بشأن سوريا وتركيا، وإعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات للبنان بقيمة مليار يورو. وهذا المؤتمر السنوي يجمع الجهات المانحة الدولية ووكالات الأمم المتحدة والحكومات الإقليمية لتحديد الأولويات وحشد التمويل للاستجابة الإنسانية للصراع والنزوح السوري. وفي مؤتمر بروكسل 2023 ضمن للبنان مليون يورو من المساهمات على شكل منح، بالإضافة إلى دفعات مقدمة بقيمة 121 مليون يورو لعام 2024، وكلها لتحمل لبنان وطأة أزمة اللاجئين السوريين. 

ومن التصريحات التحريضية على السوريين رصد البديل العديد من الانتقادات المباشرة للمجتمع الدولي. هذه تصريحات صدرت عن سياسيين لبنانيين من مختلف الأطياف السياسية وهي بمثابة جهد جماعي لإلقاء اللوم على المجتمع الدولي بسبب تقديمها الهزيل لمليار يورو “مسمومة. وتأسف سياسيون على المبالغ الموعودة: “ما أثير مؤخراً في قضية المليار يورو يجب أن يكون مقدمة، لأن حق لبنان يصل إلى خمسين مليار دولار تحملها لبنان ككلفة للنزوح.” كما صرح قاسم هاشم النائب عن حركة أمل. كما وجه البعض، مثل سيمون أبي رميا عضو البرلمان عن التيار الوطني الحر، التهديدات: “نحن غير مستعدين للعب دور حرس الحدود لحماية أوروبا من موجات النزوح السوري.”  

فإن تصاعد التصريحات السياسية المحرضة على السوريين بالتزامن من المؤتمرات رفيعة المستوى تقرأ على أنها محاولة من النخبة السياسية لمحاولة زيادة المساعدات المالية التي قد يتلقاها لبنان من المجتمع الدولي، من خلال التأكيد على عبء الأزمة السورية على البلاد. والجدير بالذكر أنه منذ بدء تدفق اللاجئين في عام 2011، استقبلت الحكومة اللبنانية أكثر من مليار دولار و 867 مليون يورو من المساعدات الإنسانية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

وتصاعدت الدعوات لوقف تمويل الدعم للنازحين السوريين في لبنان في موجة التصريحات السياسية في أوائل أيار من العام الجاري. وتحديداً قام السياسيون وعدد من وسائل الإعلام بتوجيه الاتهام ضد وكالات الأمم المتحدة، بدعوى أنها تساهم في تفاقم أزمة اللاجئين السوريين وفي خلق حالة من عدم الاستقرار داخل لبنان، فضلاً عن منع ترحيل السوريين إلى سوريا. وقد استغل ذلك التصور السائد بأن اللاجئين السوريين يتلقون معاملة تفضيلية من قبل المنظمات الدولية مقارنة بالمواطنين اللبنانيين في ظل ازدياد الفقر في لبنان، إذ يلعبون على الانقسامات الملحوظة بين “من يملك” و”من لا يملك.”  

محامية حقوق الإنسان نادين خشن تقول: “يبدو أن أحد التكتيكات الرئيسية للحكومة اللبنانية خلال العامين الماضيين كان استخدام اللاجئين السوريين كبش فداء وخطاب الكراهية والتضليل ضدهم في الأيام التي سبقت مؤتمر بروكسل. ومن ناحية أخرى لا يمكننا أن نلوم الحكومة اللبنانية على مناشدتها بزيادة التمويل – فجميع البلدان المضيفة للاجئين تستخدم نفس التكتيكات. والصحيح أن الدول الغربية لا تقدم نصيبها العادل من الاهتمام بأزمة اللاجئين ــ مثل تقديم الموارد الكافية للبلدان المضيفة أو القيام بالمزيد من عمليات إعادة التوطين ومعالجة طلبات اللجوء. ومع ذلك فمنذ الأزمة الاقتصادية عام 2019 أصبحت الحكومة اللبنانية في حاجة ماسة إلى التمويل. وفي الواقع على الحكومة بذل المزيد من الجهود لمعالجة أزمة اللاجئين.” 

والروايات السياسية حول المساعدات الدولية واللاجئين السوريين حاولت إلقاء اللوم على القوى الخارجية واتهام المنظمات الدولية والحكومات الأجنبية باستخدام اللاجئين لتقويض لبنان. وهذا الخطاب يهدف إلى إعفاء القادة المحليين من المسؤولية وتصويرهم على أنهم ضحايا المؤامرات العالمية، مما أدى إلى تحويل الانتباه عن افتقار السياسيين إلى المساءلة ورفضهم للإصلاحات.” 

التطلع إلى المستقبل 

يظهر رصدنا لوسائل الإعلام تزامن أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية مع تصاعد الخطاب المناهض لسوريا، مما يشير إلى وجود تكتيك متعمد لتحويل اللوم. فإن اتخاذ السوريين كبش فداء ساهم في حفظ قوة النخبة السياسية وضمان تدفقات أموال الداعمين الدوليين، بينما تركت الأسباب الجذرية للانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان تتفاقم. 

وفي حين أن وتيرة التصريحات التي تستهدف اللاجئين السوريين في البلاد قد انخفضت منذ أيلول 2024، بالتزامن مع بداية التصعيد الإسرائيلي الأخير في البلاد، فمن المرجح أن تستمر السردية الجديدة (أي أن سوريا آمنة للعودة ) في تعزيز العداء ضد من يبقي من اللاجئين في لبنان. وبالتالي من المعقول أنه حين سيصمت السلاح، أي في “اليوم التالي” للحرب، فإن اللاجئين السوريين سيصبحون مرة أخرى أدوات في جهود الحكومة اللبنانية لدفع اللوم عنها، بينما تصارع الدولة المسؤولية الجمّة والمتمثلة في إعادة الإعمار بعد الحرب. 

 

المواضيع ذات الصلة