تظهر قاعدة بيانات البديل أنه تم الإدلاء بـ 36 تصريح سياسي استهدف السوريين في الفترة ما بين 30 أيلول و6 تشرين الأول 2023. وتصور هذه التصريحات السوريين كتهديد للاستقرار وكمحرضين على العنف في لبنان، مثل: “أزمة النزوح السوري تتفاقم، وخطر النازحين الذين هم فوق القانون يشكل تحذيراً خطيراً خاصة بعد حادثة عرمون-عاليه أمس”. (فريد الخازن النائب عن كسروان). وبشكل عام كان هناك زيادة بنسبة 112% في عدد التصريحات السياسية المناهضة للسوريين مقارنة بالمعدل الأسبوعي (أي 17) في أيلول 2023.
ومع ذلك فإن التصعيد الأكثر خطورة حتى الآن في الخطاب والتمييز والتحريض على العنف ضد السوريين حدث في 7 نيسان 2024 بعد أن اختطف أعضاء عصابة سورية باسكال سليمان عضو حزب القوات اللبنانية، وقتلوه في نهاية المطاف في ما وصفته السلطات لاحقاً بأنها “محاولة لسرقة سيارته.” ووفقاً لقاعدة بياناتنا ففي الأسابيع الثلاثة التي تلت الحادث (8-30 نيسان) أدلى سياسيون لبنانيون بـ 158 تصريحاً استهدف اللاجئين السوريين، مما يمثل ارتفاعا هائلاً بنسبة 868% مقارنة بالمعدل الشهري لهكذا تصريحات في الأشهر السابقة اي كانون الاول (11 تصريح)، وشباط ( تصريح 18)، وآذار ( تصريح 20).
وسواء كانت الزيادة الهائلة في التصريحات تعكس نوايا السياسيين إما لتأجيج التوترات أو استثمارها سياسياً ــ أو الاثنين معاً ــ في أعقاب مقتل سليمان، فقد تم الإبلاغ عن كثير من حوادث العنف في المناطق ذات الأغلبية المسيحية في جميع أنحاء لبنان. شمل ذلك إنشاء نقاط تفتيش مرتجلة وغير رسمية لنصب كمائن للسوريين، واقتحام ونهب المنازل والمصالح للسوريين، وإصدار تهديدات تأمر اللاجئين غير المسجلين بإخلاء المناطق السكنية على الفور.
إلا أن مضمون معظم التصريحات السياسية بين 8 و30 نيسان لم يتطرق إلى حادثة سليمان نفسها. على العكس، فقد أعرب السياسيون عن مخاوفهم بشأن الانقسامات الطائفية بين المسيحيين والشيعة وبين المسيحيين، واكتظاظ السجون اللبنانية بالسوريين، وما سمي “التهديد الديموغرافي” بسبب ارتفاع معدل الولادات السورية، وعدم كفاية الدعم المقدم من المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على إدارة عبء اللاجئين الذي يتحمله. وهذا التحوّل في الخطاب يعكس تلاعب السياسيين واستغلالهم لحوادث بارزة مثل مقتل باسكال سليمان، لجعل السوريين كبش فداء لجملة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في لبنان، والكثير منها جدليّة أو حساسة للغاية (من حيث استحضار الذاكرة الجماعية للحرب الأهلية). ففعلاً:
“لسوء الحظ، في لبنان، ينجح إلقاء اللوم على اللاجئين السوريين بسبب التاريخ الصعب الذي عاشه لبنان مع سوريا. ونتيجة لذلك، يربط العديد من اللبنانيين بين اللاجئين السوريين والنظام السوري الذي احتل لبنان منذ فترة طويلة” بحسب نادين خشن، المحامية الحقوقية والمدافعة عن حقوق اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان والباحثة في مجال حقوق اللاجئين لدى الشبكة السويسرية للدراسات الدولية (SNIS).
الإعلام اللبناني: شريك في التحريض
إن شيطنة اللاجئين السوريين من قبل النخبة السياسية وجدت شركاء متعاونين بين وسائل الإعلام اللبنانية. فوسائل الإعلام اللبنانية كانت خاضعة تقليدياً لسيطرة مجموعة فرعية صغيرة من الأفراد المنتمين إلى أشخاص سياسيين مكشوفين (PEP) وأحزاب سياسية. مثلاً قناة المنار هي القناة التلفزيونية الرسمية لحزب الله، وقناة MTV مملوكة لعائلة المرّ المرتبطة تاريخياً بالأحزاب السياسية التي يهيمن عليها المسيحيون. ومع ذلك ومنذ الأزمة الاقتصادية عام 2019 سعت شركات الإعلام إلى التقرب من الأشخاص المكشوفين سياسياً كوسيلة للبقاء اقتصادياً، وفي المقابل استفادت النخبة السياسية من ترويج أجنداتها الخاصة عبر وسائل الإعلام.
تقول دلال حرب، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، في مقابلة مع البديل أن وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي تعمل في كثير من الأحيان على ترسيخ الصور النمطية والمعلومات المضللة حول اللاجئين السوريين.
وقالت حرب: “هذه الصور النمطية ليست فقط غير دقيقة، بل إنها تسهم أيضاً في إدامة الانقسام وتوليد العداء، ويمكن أن تتصاعد إلى اضطرابات وصراعات أهلية.” تشمل الصور الشائعة للسوريين في وسائل الإعلام أنهم يعتمدون على المساعدات وأن لديهم العديد من الأطفال، وأنهم غير متعلمين.
تتضمن الأمثلة الإعلانات والدعم لحملة “تراجعوا عن الضرر“ لقناة MTV اللبنانية. كما تم انتقاد غرفة التجارة والزراعة والصناعة بسبب بثّ ورعاية إعلانات فيها إثارة للكراهية تجاه اللاجئين السوريين في البلاد.
وفي الآونة الأخيرة، كان يُخشى أن يكون منشور وسائل التواصل الاجتماعي الذي نشره جمال ريان، مذيع قناة الجزيرة، قد أثار المزيد من التوترات في لبنان. ادعى ريان على موقع X (تويتر سابقاً) أن اللاجئين السوريين كانوا يعملون كعملاء لإسرائيل، زاعماً أنهم يقدمون معلومات عن مواقع قادة حزب الله بما فيهم حسن نصر الله. والمنشور (الذي رصده البديل) تم حذفه منذ ذلك الحين من قبل الريان.
الهزة الدولية
ساعد الخطاب السياسي العدائي فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين على صرف الانتباه عن حقيقة أن الطبقة السياسية لم تطور أي حلول ذات معنى على المدى الطويل للانهيار الاقتصادي في لبنان. فإن الأقرب إلى سياسة محددة بين السياسيين اللبنانيين كان إلقاء اللوم على وكالات الإغاثة الدولية لدعمها السوريين، وفي الوقت نفسه المطالبة بمزيد من المساعدات الثنائية. كما أوضح كارلوس نفاع، الخبير في شؤون اللاجئين وسياسات الحدود في لبنان، متحدثاً لـ البديل:
“لم تفعل الحكومة اللبنانية أي شيء لمعالجة المسألة السورية – فهي لم تخلق لا رؤية ولا سياسة متماسكة، ولم تأخذ زمام المبادرة لحشد المجتمع الدولي للتوحّد تحت عنوان واضح لمعالجة الأزمة بشكل فعال من خلال نهج سياساتي.”
وفي أيار 2024 رصدنا 331 تصريحاً مناهضاً للسوريين من سياسيين لبنانيين، وهو ما يمثل زيادة تزيد عن 10 أضعاف مقارنة بالمعدلات الشهرية الوسطية على مدار العامين السابقين (وهي 16 في 2022؛ و 33 في 2023). وتزامنت ذلك مع “مؤتمر بروكسل” السنوي بشأن سوريا وتركيا، وإعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات للبنان بقيمة مليار يورو. وهذا المؤتمر السنوي يجمع الجهات المانحة الدولية ووكالات الأمم المتحدة والحكومات الإقليمية لتحديد الأولويات وحشد التمويل للاستجابة الإنسانية للصراع والنزوح السوري. وفي مؤتمر بروكسل 2023 ضمن للبنان مليون يورو من المساهمات على شكل منح، بالإضافة إلى دفعات مقدمة بقيمة 121 مليون يورو لعام 2024، وكلها لتحمل لبنان وطأة أزمة اللاجئين السوريين.
ومن التصريحات التحريضية على السوريين رصد البديل العديد من الانتقادات المباشرة للمجتمع الدولي. هذه تصريحات صدرت عن سياسيين لبنانيين من مختلف الأطياف السياسية وهي بمثابة جهد جماعي لإلقاء اللوم على المجتمع الدولي بسبب تقديمها “الهزيل“ لمليار يورو “مسمومة“. وتأسف سياسيون على المبالغ الموعودة: “ما أثير مؤخراً في قضية المليار يورو يجب أن يكون مقدمة، لأن حق لبنان يصل إلى خمسين مليار دولار تحملها لبنان ككلفة للنزوح.” كما صرح قاسم هاشم النائب عن حركة أمل. كما وجه البعض، مثل سيمون أبي رميا عضو البرلمان عن التيار الوطني الحر، التهديدات: “نحن غير مستعدين للعب دور حرس الحدود لحماية أوروبا من موجات النزوح السوري.”
فإن تصاعد التصريحات السياسية المحرضة على السوريين بالتزامن من المؤتمرات رفيعة المستوى تقرأ على أنها محاولة من النخبة السياسية لمحاولة زيادة المساعدات المالية التي قد يتلقاها لبنان من المجتمع الدولي، من خلال التأكيد على عبء الأزمة السورية على البلاد. والجدير بالذكر أنه منذ بدء تدفق اللاجئين في عام 2011، استقبلت الحكومة اللبنانية أكثر من مليار دولار و 867 مليون يورو من المساعدات الإنسانية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتصاعدت الدعوات لوقف تمويل الدعم للنازحين السوريين في لبنان في موجة التصريحات السياسية في أوائل أيار من العام الجاري. وتحديداً قام السياسيون وعدد من وسائل الإعلام بتوجيه الاتهام ضد وكالات الأمم المتحدة، بدعوى أنها تساهم في تفاقم أزمة اللاجئين السوريين وفي خلق حالة من عدم الاستقرار داخل لبنان، فضلاً عن منع ترحيل السوريين إلى سوريا. وقد استغل ذلك التصور السائد بأن اللاجئين السوريين يتلقون معاملة تفضيلية من قبل المنظمات الدولية مقارنة بالمواطنين اللبنانيين في ظل ازدياد الفقر في لبنان، إذ يلعبون على الانقسامات الملحوظة بين “من يملك” و”من لا يملك.”
محامية حقوق الإنسان نادين خشن تقول: “يبدو أن أحد التكتيكات الرئيسية للحكومة اللبنانية خلال العامين الماضيين كان استخدام اللاجئين السوريين كبش فداء وخطاب الكراهية والتضليل ضدهم في الأيام التي سبقت مؤتمر بروكسل. ومن ناحية أخرى لا يمكننا أن نلوم الحكومة اللبنانية على مناشدتها بزيادة التمويل – فجميع البلدان المضيفة للاجئين تستخدم نفس التكتيكات. والصحيح أن الدول الغربية لا تقدم نصيبها العادل من الاهتمام بأزمة اللاجئين ــ مثل تقديم الموارد الكافية للبلدان المضيفة أو القيام بالمزيد من عمليات إعادة التوطين ومعالجة طلبات اللجوء. ومع ذلك فمنذ الأزمة الاقتصادية عام 2019 أصبحت الحكومة اللبنانية في حاجة ماسة إلى التمويل. وفي الواقع على الحكومة بذل المزيد من الجهود لمعالجة أزمة اللاجئين.”
والروايات السياسية حول المساعدات الدولية واللاجئين السوريين حاولت إلقاء اللوم على القوى الخارجية واتهام المنظمات الدولية والحكومات الأجنبية باستخدام اللاجئين لتقويض لبنان. وهذا الخطاب يهدف إلى إعفاء القادة المحليين من المسؤولية وتصويرهم على أنهم ضحايا المؤامرات العالمية، مما أدى إلى تحويل الانتباه عن افتقار السياسيين إلى المساءلة ورفضهم للإصلاحات.”
التطلع إلى المستقبل
يظهر رصدنا لوسائل الإعلام تزامن أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية مع تصاعد الخطاب المناهض لسوريا، مما يشير إلى وجود تكتيك متعمد لتحويل اللوم. فإن اتخاذ السوريين كبش فداء ساهم في حفظ قوة النخبة السياسية وضمان تدفقات أموال الداعمين الدوليين، بينما تركت الأسباب الجذرية للانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان تتفاقم.
وفي حين أن وتيرة التصريحات التي تستهدف اللاجئين السوريين في البلاد قد انخفضت منذ أيلول 2024، بالتزامن مع بداية التصعيد الإسرائيلي الأخير في البلاد، فمن المرجح أن تستمر السردية الجديدة (أي أن سوريا آمنة للعودة ) في تعزيز العداء ضد من يبقي من اللاجئين في لبنان. وبالتالي من المعقول أنه حين سيصمت السلاح، أي في “اليوم التالي” للحرب، فإن اللاجئين السوريين سيصبحون مرة أخرى أدوات في جهود الحكومة اللبنانية لدفع اللوم عنها، بينما تصارع الدولة المسؤولية الجمّة والمتمثلة في إعادة الإعمار بعد الحرب.