المجلس الأعلى في لبنان: ·ممارسات بلا جدوى

من المرجح أن تمنع الثغرات القانونية و أصحاب المصالح العدالة من إدارة مسارها.

25 آب، 2022

تستعد الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان للظهور بشكل المستجيب لمطالب الحقيقة والمساءلة بعد مرور عامين على انفجار ميناء بيروت المأساوي الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، فقد انتخب البرلمان اللبناني سبعة أعضاء في المجلس الأعلى في 26 يوليو (تموز) الماضي، وهي أرفع محكمة في البلاد، والتي تتمتع بالسلطة الدستورية لمحاكمة الرئيس ورئيس الوزراء وحتى الوزراء.

ومع ذلك، على الرغم من اللقب السامي وعقود من الانتهاكات المحتملة للسلطة من قبل النخبة السياسية في لبنان، لم يدين المجلس أي شخص في الواقع، حيث تم استدعاؤه للعمل مرتين فقط منذ عام 1990، أولاً ضد الرئيس أمين الجميّل آنذاك، ثم ضد وزير النفط والصناعة السابق شاهي برصوميان، ولم تتم إدانة أي منهما، بينما كانت هناك محاولة فاشلة لإحالة ثلاثة وزراء سابقين إلى المجلس الأعلى بتهم فساد في عام 2019.

والآن، قد تكون أحدث قضية للمجلس هي انفجار مرفأ بيروت عام 2020. ويمكن أن يكون للمجلس لم يكلف رسميا بعد بالقضية، وقد لا يكون كذلك أبدا، نظرا للحاجة إلى أغلبية برلمانية من ثلثي المسؤولين الحكوميين لمقاضاة كبار المسؤولين العموميين في البلد.

في حين يبدو أنه يلعب دورا بالغ الأهمية في النظام القانوني للبلاد، إلا أن الجوانب العملية المتعلقة بالمجلس تكشف أنه أحد المظاهر المبكرة لظاهرة حولتها الطبقة السياسية اللبنانية إلى شكل فني حقيقي: الإصلاحات التي تبدو رائعة على الورق ولكنها لا تزال تعوقها بنود حارس البوابة التي تحول دون تنفيذها على الإطلاق.

وحتى لو كلف البرلمان المجلس بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، فإن تشكيلته – سبعة نواب متحالفين سياسيا وثمانية قضاة يمكن أن يتعرضوا للخطر سياسيا – لا تعطي سببا يذكر للأمل في أن يكون هناك أي سعي صارم لتحقيق العدالة. ويمثل النواب السبعة الذين انتخبوا مؤخرا للجلوس في المحكمة طيفا متساويا من المؤيدين في النظام الطائفي اللبناني.

الإجراءات الداخلية

تم إنشاء المجلس الأعلى كجزء من اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى رسمياً الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، وتم تحديد تكوين واختصاص المجلس في المواد 70 و71 و80 من الدستور، حيث تنص المادة 70 على أنه يجوز لأغلبية الثلثين في البرلمان توجيه الاتهام إلى “رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم”، كما تنص المادة 80 على أن مهمة المجلس الأعلى هي محاكمة “الرئيس والوزراء”، وتقرر المادة الأخيرة أيضاً أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بأغلبية عشرة أصوات، وأن الإجراءات الأخرى يحددها قانون خاص.

ويتناول القانون رقم 13 لعام 1990 كيفية عمل المجلس، ولكنه يتضمن العديد من الثغرات القانونية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يحدد القانون ما يشكل خرقاً للواجبات الوزارية، ويرى بعض الخبراء أن الإخلال بالواجب يشير إلى أن أي إجراء يتم القيام به يتعارض مع النزاهة المطلوبة لخدمة المصلحة العامة.

وتمنح المادة 42 من القانون رقم 13 المجلس سلطة كاملة لمقاضاة الوزراء على أي جريمة مزعومة، حيث يحق للمجلس تعديل الوصف القانوني للأفعال المذكورة في لائحة الاتهام. وبعبارة أخرى يمكن أن تضيق أو توسع نطاق التحقيق.

بيد أن الإحالة إلى المجلس معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً، حيث يبدأ ذلك بعريضة موقعة من 26 نائباً على الأقل، ويتم تقديمها إلى رئيس البرلمان، ومن ثم تحتاج إلى أغلبية الثلثين من الأصوات البرلمانية للمضي قدماً، في حين أن المجلس نفسه غير ملزم بأي حد زمني، مما يترك إمكانية التأخير الدائم في التحقيقات والعقبات أمام تحقيق فعال لا تتوقف عند هذا الحد.

بمجرد أن يتولى المجلس الأعلى القضية، يتعيّن عليه تنصيب “لجنة تحقيق” تتكون من رئيس وعضوين أصليين وثلاثة نواب بديلين ينتخبهم البرلمان في اقتراع سري بأغلبية مطلقة، وتنص المادتين 27 و43 من القانون 13 على أن أعضاء لجنة التحقيق لا يمكن أن يكونوا أيضاً أعضاء منتخبين في المجلس الأعلى، مما يعني فعلياً أن التحقيق الفعلي يقوم به أعضاء البرلمان أنفسهم.

ومن خلال دمج السياسيين والقضاة في هيئة واحدة، ينفي هيكل المجلس ذاته المفهوم الأساسي للفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، وتبيّن الأحكام القانونية العديدة والتناقضات كيف أن هيئات مثل المجلس وغيره من “أصحاب المصالح” تعمل فقط لتهدئة المطالب المحلية والدولية بالإصلاح والمساءلة.

 يحق للبنانيين أن يشعروا بالشك عندما يتعلق الأمر بالمجلس الأعلى في لبنان، ومن المرجح أن يتم استخدام حلول عديدة في طريقة عمل المجلس الأعلى كأداة لمنع القضاء من ملاحقة أي شخص، وعلى هذا النحو فإن الحقيقة والمساءلة ستبقيان بعيدا المنال بالنسبة للضحايا والناجين من انفجار ميناء بيروت الذي وقع في 2020.

المواضيع ذات الصلة