ملخص تنفيذي
اعتاد المزارعون في لبنان الصمود أمام الأزمات العاصفة بهم، إلا أن الصراع الأخير بين إسرائيل وحزب لله ألحق ضرراً يتجاوز فقدان المحاصيل، فقد كشف هشاشة بنيوية في النظام الزراعي اللبناني. إذ تعرضت مناطق زراعية رئيسية في الجنوب وسهل البقاع لضربات عسكرية مدمرة شملت استخدام الفسفور الأبيض، مما أجبر المزارعين على محاولة إنقاذ محاصيلهم تحت القصف. وفي الوقت نفسه تعطلت سلاسل الإمداد وارتفعت تكاليف العمالة بشكل كبير.
لكن الحرب هذه لم تكن السبب الوحيد في خلق الأزمة الحالية. فقد عانى قطاع الأغذية الزراعية في لبنان لسنوات من نقص التمويل والتفاوت في القدرات، مما أدى إلى تهميش صغار المزارعين وإضعاف قدرتهم على التفاوض. أمّا التجار فقد استغلوا الفوضى واشتروا المنتجات بأسعار زهيدة وباعوها بأرباح طائلة، بينما لجأ المزارعون إلى تبادل المحاصيل فيما بينهم لدعم مجتمعاتهم المحلية.
تستعرض هذه الورقة التحليلية أثر الحرب على قطاع الأغذية الزراعية عبر تقييم سريع قائم على مقابلات مع مزارعين وتعاونيات ومنظمات غير حكومية وأصحاب المصلحة في هذا القطاع. ترصد الورقة الاضطرابات المباشرة في الإنتاج والعمالة وسلاسل التوريد، وتسلط الضوء على هشاشة أوضاع صغار المزارعين والعمال غير الرسميين. وتؤكد النتائج على ضرورة جمع البيانات وتحليلها بشكل أكثر شمولاً لفهم التأثير الشامل للحرب على الأمن الغذائي، وتوجيه السياسات نحو حلول أكثر فعالية واستدامة.
يجب تبني إصلاحات جدية لمعالجة جملة التحديات التي يعانيها القطاع الزراعي. فقبل الحرب كانت الزراعة تعاني من نقص مزمن في الاستثمار حيث خصص لها 0.5% فقط من الموازنة الوطنية. ومع ارتفاع المخاطر الآن على صناع القرار اتخاذ خطوات لتحقيق الاستقرار في القطاع تشمل تنظيم الأسواق ودعم صغار ومتوسطي المزارعين وتعزيز القدرة على الصمود من خلال تبني التقنيات الزراعية المستدامة.
وتجاهل هذه التحديات يهدد مستقبل المزارعين الذين يعملون أصلاً ضمن هوامش ربح ضيقة، وقد يؤدي إلى خسارة دائمة في الإنتاجية الزراعية. ومع الأرض المحروقة والبنية التحتية المتضررة والديون المتزايدة، يبدو التعافي بعيد المنال. لكن بتدخل مدروس وسياسات قائمة على الأدلة يمكن للبنان أن يبدأ بإعادة بناء نظامه الغذائي ليصبح أكثر عدالة وصلابة وجاهزية لمواجهة الصدمات المستقبلية. يمثل هذا التقييم دعوة لإجراء بحوث أكثر شمولاً وتنسيقاً لوضع الأساس لقطاع أغذية زراعية أكثر صحة ومرونة.
مقدمة
شهدت الحرب الأخيرة وخاصة التصعيد العسكري الإسرائيلي منذ أيلول وحتى الاتفاق على وقف إطلاق النار في نهاية تشرين الثاني، آثاراً عميقة على سلسلة الإمدادات الغذائية في لبنان. وعلى الرغم من الحاجة الملحة لجمع البيانات وتحليلها بشكل شامل لتقييم التأثير الكامل، فإن هذا التقييم الأولي الذي أجراه “البديل” يمثل خطوة لتوجيه هذه الجهود المستقبلية.