هل يمكن لعقوبات الاتحاد الأوروبي أن تفرض انتخابات نزيهة في لبنان؟

نصّب الاتحاد الأوروبي نفسه كضامن رئيسي للانتخابات البرلمانية اللبنانية بالتزامن مع فرض عقوبات ووضع مراقبين، لكن التاريخ يشير إلى أن الحيل الانتخابية القذرة سوف تمر دون عقاب،

20 نيسان، 2022

فإذا كانت المظاهر صادقة فإن القادة السياسيين اللبنانيين سيواجهون تحدياً شديداً من الاتحاد الأوروبي خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، والمقرر إجراؤها يوم الأحد 15 مايو (أيار). 

فقد تبنى المجلس الأوروبي في يوليو (تموز) الماضي إطاراً من العقوبات ضد أي شخص “يقوض الديمقراطية أو سيادة القانون في لبنان” كسلوك مطعون فيه، وأشار القرار بالتحديد إلى عرقلة إجراء الانتخابات أو تقويضها بشكل خطير. 

وبناء على خلفية هذا القرار أرسل الاتحاد الأوروبي بعثة مراقبة الانتخابات قبل موعد تنظيم الاقتراع، وقد وصل بالفعل عشرة محللين انتخابيين إلى لبنان، وسوف ينضم إليهم 70 موظفًا آخرين بحلول 15 مايو (أيار) في محاولة للتواجد على الأرض لملاحظة الانتهاكات ومعاقبة التلاعب بالانتخابات. 

يشير التاريخ لسوء الحظ إلى أن الزعماء الطائفيين في لبنان ليس لديهم ما يخشونه، على الرغم من أنهم لجأوا إلى شراء الأصوات والترهيب بالفعل في عام 2022، ولكن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات جيورجي هولفيني خفف من التوقعات حول تأثير مشروعه على هذه الانتخابات البرلمانية.  

وأوضح في مؤتمر صحفي عقد في بيروت في يوم 7 أبريل (نيسان) أن “بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات لا تحكم على نتائج الانتخابات ولن تصادق عليها بأي شكل من الأشكال” لتحسين العملية الانتخابية من أجل الاقتراع في المستقبل، وأن هذه البعثات جزء من طموح أوسع للاتحاد الأوروبي الذي يسعى لتحسين العملية الانتخابية والاقتراع في المستقبل، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان مع البلدان الشريكة. 

وكانت بعثات المراقبة السابقة للاتحاد الأوروبي قد أدانت التدخلات الانتخابية باستطلاعات الرأي السابقة بشكل معتدل في كل من لبنان ومصر المجاورة إقليمياً، وفي غضون ذلك هنأ القادة الأوروبيون الديمقراطيين الزائفين ذاتهم على جاذبيتهم المفترضة للناخبين. 

ويتمتع الاتحاد الأوروبي في هذه الجولة من الانتخابات اللبنانية بالأدوات الإلزامية لضمان تصويت عادل وديمقراطي مع ارتفاع المخاطر السياسية في هذه الانتخابات البرلمانية، وهي الأولى منذ انطلاق الثورة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 فإنه لا يمكن أن يكون هناك وقت لاتخاذ إجراء حاسم وأكثر نضجاً.

الرهانات

لدى القادة السياسيين في لبنان حافز قوي للفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بعد توصّل البلاد إلى “اتفاق على مستوى الموظفين” مع صندوق النقد الدولي لحزمة إنقاذ مالي ليبقى هناك أمل لخروج البلاد من أزمتها الاقتصادية غير المسبوقة.  

وقال الباحث السياسي نديم الكاك في حديثه لموقع The Alternative إنه: “هناك حاجة ملحة لإلغاء تأمين قرض صندوق النقد الدولي وحزم التعافي”، مضيفاً أن “إجراء هذه الانتخابات هو السبيل لهذه الطبقة السياسية التقليدية لإعادة تأكيد شرعيتها”،

ويمكن أن يساعد وجود بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات هؤلاء القادة ذاتهم على تجنّب الاتهامات بإجراء انتخابات غير عادلة كما فعلوا من قبل.

وأضاف الكاك في حديثه بأنه “إذا تمكن [الزعماء الطائفيين] من إثبات أنهم أجروا انتخابات خاضعة لمراقبة دولية […] وتمنحهم الشرعية التي يحتاجون للتفاوض مع الجهات الأجنبية والتحدث نيابة عن الناس”، 

فقد كانت وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية في الواقع هي التي دعت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات البرلمانية هذا العام.

قليل من الخوف 

يكشف انفتاح الوزارة على الرقابة الدولية ثقة الطبقة السياسية في أن مثل هذه المهمات نادراً ما تؤدي إلى إدانة جدية، وفي الواقع فقد دعت الحكومة اللبنانية سابقاً بعثة أوروبية لمراقبة الانتخابات البرلمانية لعام 2018، مما يبشر لاستطلاعات شهدت تدخلاً خطيراً.  

وسلط الكاك، وهو عضو في حزب “لـِ حقي” المعارض، الضوء على استخدام الماكينات والأدوات المؤسسية لترويع الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة. 

إذ يرى أن ممثلي الأحزاب الطائفية كانوا يتابعون ترتيب العائلات عند دخولهم مراكز الاقتراع، وبناءً على هذه المراقبة تمكنت الأحزاب لاحقاً من تحديد العائلات التي انشقّت أثناء فرز الأصوات. 

لقد غرس هذا التكتيك الخوف في نفوس الناخبين القلقين من الانعكاسات الاجتماعية والمالية إذا صوتوا ضد حزب منطقتهم المحلية التي ينتمون إليها، ولهذه الاعتبارات أهمية كبيرة في لبنان حيث يعتمد العديد من المواطنين على شبكات المحسوبية الفاسدة للحفاظ على سبل عيشهم ومستويات معيشتهم الأساسية.

ولم يكن ترهيب الناخبين الشكل الوحيد للتدخل في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، فقد أقرّ لبنان قانون انتخابي قبل الاقتراع تعرض لانتقادات واسعة مما أدى إلى تعزيز نفوذ الأحزاب الطائفية القائمة في البلاد. 

وعلى الرغم من كل هذه العوامل فقد قلل تقرير بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي لعام 2018 بشدة من دور شراء الأصوات ولم يذكر تخويف وترهيب الناخبين اللبنانيين. وكانت إحدى التوصيات الرئيسية للبعثة حول زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية اللبنانية مما يشير إلى تخصيص حصة للنساء في قوائم المرشحين في الانتخابات المقبلة. 

وأما بالنسبة للأحزاب الطائفية في لبنان فإنها لم تستجب لتوصيات تقرير المراقبة بإقامة نظام كوتا، فقد شكلت الإناث 14.4٪ فقط من إجمالي المرشحين للبرلمان في عام 2018، بينما تسعى هذا العام 155 امرأة إلى منصب تشريعي بنسبة 15٪ فقط من المرشحين. 

تشريع غير الشرعي 

يوافق العالم السياسي كريم بيطار على أنه – بعيداً عن ثني الأحزاب الطائفية عن الانخراط في تكتيكات قذرة – يمكن لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات أن تضفي إحساساً باللياقة على انتخابات غير عادلة.  

فهو يرى أنه “عندما يتعلق الأمر بالمجتمع الدولي سيكونون قادرين على إخبار السفراء: لقد أجرينا الانتخابات في الوقت المحدد كما تعلمون، وقد أرسلتم مراقبين ولم يلاحظ المراقبون تلاعب كبيرًا يوم الانتخابات”، 

كما أنه بالنسبة للبيطار تميل المشاريع مثل بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي إلى اعتماد تركيز محدد عند التحقق من الانتهاكات، إذ يقول: “إنهم لا يرون أي خطأ يوم وجودهم في لبنان”، ويتابع مضيفاً “ليس في يوم الانتخابات الذي يحدث فيه التلاعب”. ·

ولعبت بعثات المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي دور مراقبة مقبول في ظل اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة، وبصرف النظر عن الانتخابات البرلمانية اللبنانية لعام 2018، فإن ممثلي الاتحاد الأوروبي الذين راقبوا الانتخابات الرئاسية في مصر في عام 2014، قد فاز بها الجنرال السابق في الجيش عبد الفتاح السيسي بنسبة لا تُصدق 96.9٪ من إجمالي الأصوات.

وبعد أيام من الانتخابات أصدرت بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي تقييماً أولياً أشار إلى أن عدة عوامل قد أضعفت الانتخابات، بما في ذلك التنظيم غير الكافي لتمويل الحملات الانتخابية، ومع ذلك هنأ الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي السيسي بفوزه بعد أسبوع من التصويت، ومنح نظامه اعترافاً دولياً.
وكتب هايد: “إن احتمال عدم إدانة المراقبين لانتخابات تم التلاعب بها هو سبب رئيسي يجعل الديمقراطيين الزائفين على استعداد لدعوتهم في المقام الأول”. [9]

وبصرف النظر عن الانتخابات البرلمانية اللبنانية لعام 2018، لعبت بعثات المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي دورا رقابيا حميدا مماثلا وسط اتهامات بتفشي الانتهاكات. في عام 2014، راقب ممثلو الاتحاد الأوروبي الانتخابات الرئاسية المصرية، التي فاز بها الجنرال السابق في الجيش عبد الفتاح السيسي بنسبة لا تصدق 96.9٪ من إجمالي الأصوات. 

وبعد أيام من الانتخابات أصدرت بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي تقييماً أولياً أشار إلى أن عدة عوامل قد أضعفت الانتخابات، بما في ذلك التنظيم غير الكافي لتمويل الحملات الانتخابية، ومع ذلك هنأ الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي السيسي بفوزه بعد أسبوع من التصويت، ومنح نظامه اعترافاً دولياً.  

لقد كان الاتحاد الأوروبي في الواقع أكثر ميلاً إلى انتقاد انتخابات معيبة في حالة عدم وجود بعثة مراقبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نظم الدكتاتور السوري بشار الأسد الانتخابات الرئاسية في العام الماضي، والتي حصل فيها على 95.1٪ من إجمالي الأصوات (بحسب أرقام رسمية)، بينما كثرت المزاعم بأن نظام الأسد قد قام بتهديد وترهيب الناخبين.

وعلى عكس لبنان ومصر لم يدعو الأسد الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، ومع ذلك، أصدر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بياناً بعد الاقتراع يقول فيه: “لم تستوف الانتخابات أياً من معايير التصويت الديمقراطي الحقيقي”.  

وواجه الاتحاد الأوروبي مخاطر أقل في إدانة نتائج الانتخابات الرئاسية السورية بعد أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد قبل عقد من الزمن، وعلى عكس ذلك لا تزال الدول الأوروبية تحتفظ بعلاقات اقتصادية قوية مع نظام السيسي في مصر، بما في العلاقات المرتبطة بتجارة الأسلحة والغاز الطبيعي. 

رفض كل من المجلس الأوروبي وبعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان طلبات التعليق على هذا المقال.

حان وقت الجد 

نصّب الاتحاد الأوروبي نفسه كضامن رئيسي للانتخابات البرلمانية في لبنان مع فرض العقوبات والمراقبين، حيث تتمتع بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات بموارد بشرية ومالية أكبر من الموارد البشرية والمالية التي تتمتع بها هيئة الرقابة على الانتخابات في لبنان، وهي لجنة الإشراف على الانتخابات، ويعود ذلك إلى نقص التمويل والمخاطر السياسية، والجدير بالذكر أن رئيس المفوضية رفض عمل لجنة الخبراء الدائمة ووصفه بأنه مثل “تمرين يضع علامة في المربع”.  

وأوضح هولفيني خلال مؤتمر صحفي في بيروت أن فريق المراقبة لن يحاول التحقق من نتائج الانتخابات، ومع ذلك فإن السياسيين الأوروبيين ليسوا مقيدين باختصاصات بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي، حيث يمكن لمسؤولي الاتحاد الأوروبي من الناحية النظرية أن يقدموا أدلة على انتهاكات انتخابية، بما في ذلك أي حوادث حددها مراقبو الانتخابات كأساس لتفعيل العقوبات ضد الأحزاب المخالفة. 

يبقى أن نرى ما إذا كانوا يستخدمون هذه الأداة القوية مع إعلان الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً عن الحاجة إلى إجبار النخب السياسية اللبنانية المتعنتة على تبني إصلاحات حقيقية، بما في ذلك تقديم عملية ديمقراطية أكثر متانة، حيث لم تلق المناشدات الموجهة للقادة الطائفيين آذاناً صاغية منذ عقود من الزمن، ومع ذلك فإن التهديد الموثوق بتجميد الأصول وحظر السفر قد يفي بالغرض. 

[1] الاتحاد الأوروبي، 2022، “لبنان: الاتحاد الأوروبي ينشر بعثة لمراقبة الانتخابات”، على الإنترنت على: https://www.eeas.europa.eu/eeas/lebanon-european-union-deploys-election-observation-mission_en

[2] لوريان توداي، 2022، “عون يستقبل رئيس بعثة مراقبة الانتخابات في الاتحاد الأوروبي”، على الإنترنت: https://today.lorientlejour.com/article/1296140/aoun-receives-head-of-eu-elections-observation-mission.html

[3] دليل بعثات مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي، على الإنترنت على: https://eeas.europa.eu/archives/docs/eueom/pdf/handbook-eueom_en.pdf

[4] نديم الكعك، 2019، “طريق التغيير السياسي في لبنان؟ دروس وروايات من انتخابات 2018″، مبادرة الإصلاح العربي، على الإنترنت: https://www.arab-reform.net/publication/a-path-for-political-change-in-lebanon-lessons-and-narratives-from-the-2018-elections/

[5] سارة لودويك، 2021، “الانتخابات النيابية اللبنانية: مخاطر كبيرة وسط الأزمة”، معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، على الإنترنت: https://timep.org/explainers/lebanons-parliamentary-elections-high-stakes-amid-crisis/

[6] التقرير النهائي لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في الجمهورية اللبنانية لعام 2018، على الإنترنت: http://www.eods.eu/library/final_report_eu_eom_lebanon_2018_english_17_july_2018.pdf

[7] Ibid.

[8] L’Orient Today, 2022, “Candidate filing period ends with 1,043 having thrown their names in the hat”, online at: https://today.lorientlejour.com/article/1293816/candidate-filing-period-ends-with-1043-having-thrown-their-names-in-the-hat.html

[9] Susan D. Hyde, The Pseudo-Democrat’s Dilemma: Why Election Observation Became an International Norm, “Does Election Monitoring Matter?”, Cornell University Press, p 127.

[10] European Union, 2021, “Syria: Statement by the High Representative Josep Borrell on the presidential elections”, online at: https://www.eeas.europa.eu/eeas/syria-statement-high-representative-josep-borrell-presidential-elections_en

[11] TIMEP, 2018, “TIMEP Brief: European Arms Sales to Egypt”, online at: https://timep.org/reports-briefings/timep-briefs/european-arms-sales-to-egypt/

[12] Sunniva Rose, 2022, “Lebanon: toothless watchdog ‘unable to properly monitor election”, The National News, online at: https://www.thenationalnews.com/mena/lebanon/2022/01/28/lebanon-toothless-watchdog-unable-to-properly-monitor-election/

المواضيع ذات الصلة