تشويش دستوري: لا حكومة ولا رئيس

لبنان أمام حالة من الفوضى على المستوى التنفيذي قبيل الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال.

13 تشرين الأول، 2022

انعقد البرلمان اللبناني في محاولة ثانية لانتخاب رئيس جديد الأسبوع الماضي، ولكن انتهت الجلسة بعد دقائق فقط، والسبب: عدم اكتمال النصاب القانوني بانتظار المحاولة التالية لانتخاب رئيس للدولة في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل الموعد النهائي كما ينص الدستور في 31 أكتوبر (تشرين الأول).

ومع ذلك، يبدو للمرة الثالثة أن الفرصة غائية عند النظر إلى البرلمان اللبناني المجزأ وغياب أي إجماع على المتنافسين، قد يملي الفراغ الرئاسي على الحكومة المؤقتة الحالية تولي أدوار الرئاسة، تاركة السلطة التنفيذية اللبنانية بأكملها في أيدي القيادة التي لم تصوت لها البلاد بعد بالثقة.

جرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد في عام 2016، وأسفرت عن فراغ رئاسي مدته عامين ونصف، مما أثار مخاوف من تكرار الشيء نفسه مرة أخرى، ليترك لبنان في حالة من الفوضى التنفيذية. تتصاعد المخاطر اليوم، خصوصًا مع جنوح البلاد باتجاه عام ثالث من الانهيار الاقتصادي والمالي الذي أسقط 80٪ من السكان في فقر مدقع وشهد فقدان الليرة اللبنانية 95٪ من قيمتها.

في مواجهة حكومات تصريف الأعمال التي لن تنتهي على ما يبدو والفراغ الرئاسي المحتمل، فإن مستقبل السلطة التنفيذية اللبنانية – المكونة من الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء – ليس مؤكدًا على الإطلاق. قد يتسبب الفراغ الرئاسي في كارثة للسلطة التنفيذية اللبنانية التي تعمل في ظل القدرة المؤقتة منذ الانتخابات البرلمانية في مايو (أيار). ومع اقتراب الأزمة، قد يتطلع المواطنون إلى الدستور – أساس سيادة لبنان – للحصول على التوجيه.

حكومة تصريف الأعمال

بات غياب الاستقرار في السلطة التنفيذية حجر الأساس منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، هذا ولم يشهد لبنان مزيدًا من الفراغات الرئاسية فحسب، بل شهد أيضًا حكومات تعمل بإمكانيات تصريف الأعمال لفترات زمنية أطول . [1]

يُقصد بحكومات تصريف الأعمال، حسب تعريفها، أن تخدم لفترة قصيرة فقط، أي بضعة أيام “بشكل مثالي”، لضمان استمرار الخدمات العامة. ومع ذلك ،فقد حكمت الحكومات المؤقتة في لبنان لشهور، بل وحتى لسنوات.

في الواقع، سيطرت حكومة تصريف الأعمال لبنان لفترة أطول مما فعلت حكومة مخولة بالكامل منذ الانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حيث خدمت حكومة رئيس الوزراء السابق حسن دياب بصفة مؤقتة لأكثر من عام، من أغسطس (أب) 2020 إلى سبتمبر (أيلول) 2021، و على الرغم من فوز رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في تصويت برلماني على الثقة لتشكيل الحكومة، فقد تم اعتبار حكومة ميقاتي مستقيلة بعد الانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) 2022، ومنذ ذلك الحين تعمل بصفة مؤقتة.

وقال مؤسس شركة “Justicia” للمحاماة، بول مرقص، إن: “سلطات حكومة تصريف الأعمال محدودة للغاية، خاصة وأن اتفاق الطائف أدخل تعديلات على الدستور“، وأضاف “لم يعد بإمكان حكومة تصريف الأعمال ممارسة حتى الحد الأدنى من الوظائف كما سبق”.

تنص المادة 64 من الدستور التي قدمتها اتفاقية الطائف على ما يلي: “لا تمارس الحكومة صلاحيتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها ولا اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال“. [2] 

ووفقًا لمرقص من المفهوم عمومًا اقتصار الرعاية على الوظائف الإدارية لتجنب الأضرار التي قد تلحق بالخدمات العامة، وتابع مضيفًا “لا يمكن لتلك الحكومة تقديم أي التزامات نيابة عن الدولة، وهو ما يمكن تركه للحكومة المقبلة”.

ظروف استثنائية

من الممكن توسيع نطاق المهام الضيقة للحكومة المؤقتة في سيناريوهين. أولًا عند مواصلة دور الرعاية لأيام، بل لأشهر أو سنوات، وثانيًا في أوقات الأزمات أو الظروف الاستثنائية.

وأوضح الباحث في القانون الدستوري محمد المغباط بأنه “إذا استمرت ولاية حكومة تصريف الأعمال لفترة طويلة، مثل سنة أو سنتين، فسيتم توسيع نطاق عملها”.

في مواجهة الانهيار الاقتصادي في البلاد، من الإنصاف افتراض أن لبنان يعمل حاليا في ظل ظروف استثنائية.

عند الحديث عن مواجهة الانهيار الاقتصادي في البلاد، فإن الافتراض أن لبنان يعمل في ظروف استثنائية حاليًا، قال مرقص: “في مثل هذا الوقت، يجب إن تتدخل حكومة تصريف الأعمال“، وأضاف”القول إن صلاحياتها محدودة لا يعني أنه لا ينبغي عليها التدخل للحيلولة دون وقوع المزيد من الخسائر أو الأضرار”.

ومع ذلك، تأتي الظروف الاستثنائية مع خطر إساءة الاستخدام حيث يمكن للسلطة التنفيذية توظيف مثل هذه الظروف لتبرير العمل خارج ولايتها الدستورية ودفع أجندة سياسية، بدلًا من خدمة المصلحة العامة.

لا يفاجئ الساسة أصحاب المصالح الخاصة معظم اللبنانيين، ولعل التوتر الحالي بين الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ليس سوى حديث اليوم.

أن أستقيل أم لا أستقيل؟

يتساءل العديد من اللبنانيين من سيقود السفينة، بينما يبحر لبنان من كارثة إلى أخرى، في ظل الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال، وغياب متنافسين رئاسيين صاعدين في الأفق.

ينص الدستور اللبناني على أنه في حالة وجود منصب رئاسي شاغر، أن يتولى رئيس الوزراء دور الرئيس، وإن كان ذلك بصفته الضيقة،

وقال المغباط: “لا يوجد نص قانوني واضح يحدد ما إذا كان بإمكان حكومة تصريف الأعمال تولي دور الرئاسة أم لا”، وتابع موضحًا “لكن مبدأ الاستمرارية يجب أن يدوم“.

مما يعني أنه إذا كان في لبنان حكومة تصريف أعمال حتى نهاية الفترة الرئاسية الحالية في لبنان، فإنه يتوجب على الحكومة المؤقتة تولي دور الرئيس,

وتزعم بعض التقارير أن الرئيس عون يسعى لإصدار مرسوم ينص على استقالة حكومة ميقاتي، وحتى مع ذلك، فإن دستورية مثل هذه المناورة مشكوك فيها. [3]

يقول أستاذ الدراسات السياسية والإدارة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، هلال خشان، إن “(ميشال) عون يريد إهداء شعبه حكومة جديدة، وتحديدًا حكومة صهره“.

باعتبار حكومة ميقاتي مستقيلة بعد الانتخابات النيابية في مايو (أيار) الماضي، فإن الرئيس عون يحتاج فقط إلى إصدار مرسوم بقبول استقالة رئيس الوزراء وحكومته، ومع ذلك، لا يستطيع عون اعتبار حكومة ميقاتي مستقيلة قبل تشكيل حكومة جديدة.

وبحسب مرقص فإن “العرف الدستوري” أن يصدر الرئيس مرسومًا يعتبر الحكومة المؤقتة مستقيلة رسميًا، لكن على رئيس الجمهورية أن يصدر في الوقت نفسه ثلاثة مراسيم هي: قبول استقالة الحكومة، قبول استقالة رئيس الوزراء، وتعيين رئيس وزراء جديد.

وقال مرقس إن: “المراسيم الثلاثة تصدر في وقت واحد حالما يكون هناك إجماع بين الرئيس ورئيس الوزراء تصدر“، وبحسب المغباط تتمتع الأعراف الدستورية بمكانة قانونية عالية من حيث الاجتهاد القضائي اللبناني، وأضاف موضحًا “أولًا النص الدستوري، ثم العادات الدستورية، ثم القانون”.

ماذا بعد؟

يتطلب انتخاب رئيس جديد أغلبية مطلقة، وهو أمر غير مرجح في ضوء التركيبة البرلمانية المجزأة في لبنان، وغياب المتنافسين أصحاب القدرة على البقاء في الأفق، وفي حالة عدم تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية ولاية عون، يمكن أن يجد لبنان نفسه في أزمة دستورية.

على الرغم من تأكيدات الرئيس عون ورئيس الوزراء المؤقت ميقاتي حول تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية الولاية الرئاسية، فإنه كما يقول خشان: “لم يتمكن رئيس الوزراء من تشكيل حكومة منذ عدة أشهر، فلماذا يتمكن من تشكيل حكومة في الأسابيع الثلاثة الماضية؟”، وأضاف “أنا أشكّ في ذلك كثيرًا”.

وفي الوقت ذاته، يمكن القول إن المصاعب أشد من أي وقت مضى، إذ إنه يتطلب إنقاذ لبنان من الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية مجموعة من الإصلاحات الشاملة على النحو الذي ينص عليه صندوق النقد الدولي، وسيطلب من رئيس السلطة التنفيذية أن يلعب دورًا محوريًا في توجيه البلاد حتى يتم ملء الفراغ الرئاسي.

يود المؤلف والمحرّرون التعبير عن خالص شكرهم لشربل قرقماز على دعمه الراسخ في المساهمة في المقال.

المواضيع ذات الصلة