لا شيء “مؤقت” عندما يتعلق الأمر بقوات الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام (اليونيفيل) الموجودة في لبنان منذ عام 1978. ومن المضحك أن تضطر قوة كقوات الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام الموجودة في الجنوب اللبناني منذ أربعين عامًا إلى تجديد مهمتها كل سنة منذ السبعينيات، لكن لهذا الالتباس أسباب مقنعة ظاهريًا.
قد تكون ولاية اليونيفيل واضحة على الورق، لكن قراءة لها عن كثب تتيح تفسيرات عديدة. فقد صوت مجلس الأمن في الأمم المتحدة بالإجماع في أغسطس (آب) على تجديد ولاية حفظ الأمن لسنة أخرى. عادة ما تجري هذه العملية سنويًا للمناقشة والاتفاق على دور اليونيفيل الذي تأسس في جنوب لبنان لمراقبة انسحاب الجيش الاسرائيلي واستعادة الجيش اللبناني للمنطقة.
طغى خلف الأبواب الموصدة على اتفاق هذا العام التوتر المتزايد للمحادثات التي تفسر ولاية مهمة حفظ السلام، حيث أثبتت المفاوضات في نيويورك صعوبتها بينما تردد رؤساء دول الأمم المتحدة للاتفاق على آخر مراحل مسودة القرار المعروفة بـ”المسودة الزرقاء” بحسب مصطلحات الأمم المتحدة، فيما حاولت عدة دول أعضاء ذات مواقف سياسية متباينة دفع عملية المفاوضات مرة أخرى نحو التوافق على مسودة القرار. ولمدة أسبوعين تشاجر الديبلوماسيون على اللغة المستخدمة في “المسودة الزرقاء”. وفي النهاية، لكل كلمة أهميتها، إذ إن الطريقة الوحيدة للوصول إلى حل وسطي تكمن باستخدام لغة غامضة ومحمّلة بالمساومات في نص القرار الذي يحمل عدة تفسيرات. لكن لهذا الالتباس عواقب وخيمة على أرض الواقع.
مساحة للتفسير
يختلف كثيرًا إقرار الولاية في نيويورك عن تطبيقها في جنوب لبنان. ومثل كل عام، استلم فريق اليونيفيل الولاية كأمر واقع وتلقى التعليمات لتطبيقها. أما في لبنان، فقد قرأ المحللون السياسيون الولاية بتمعن لتحديد ما تستلزمه اللغة الغامضة والمحمّلة بالمساومات.
تبيّن هذا الصيف أن المصطلحات الدقيقة قد تشعل مواجهات بلاغية تمحورت هذه المرة حول حرية تحرك اليونيفل. وبينما أسرع مسؤولون من حزب الله لاستنكار القرار الأخير تحت ذريعة تحول قوات حفظ الأمن إلى “قوات احتلال”، فإن وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، عبد الله بو حبيب، اعترض على الصياغة الجديدة باعتبار تضمنه “بندًا لا يتوافق مع الاتفاق الإطاري الموقّع بين لبنان والأمم المتحدة“.
وبعد ذلك سارعت اليونيفيل إلى تنظيم اجتماعات مع السفارات في بيروت والأحزاب السياسية اللبنانية للتأكيد على تفسيرها للولاية وتوضيح أي سوء تفاهم قد يحصل.
أوضح المتحدث الرسمي باسم اليونيفيل في لبنان، أندريا تينينتي، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لـ”البديل” أنه: “في بيئة اعلامية شديدة التسييس والاستقطاب من المهم ضمان التحقق من المعلومات بدقة لنتمكن من إيصال رسائل واضحة لجمهورنا المستهدف“.
عندما يتبع الجنود شعراء سياسيين
بينما يحترف الديبلوماسيون الاتفاقات السياسية الغامضة، فإنه يتوجب على الجنود تطبيقها على أرض الواقع. لا نعرف كثيرًا عن تفسير الوحدات العسكرية المعينة في مهمات حفظ السلام للولايات الغامضة على أرض الواقع، لكن دراسة حديثة في مالي حددت عدة طرق تفسر بها واجبات وتفاعل قوات حفظ السلام مع وحدات زميلة لها.
إن ما يثير القلق في حالة لبنان إقدام القوات العسكرية على “ابتكار معنى” في مهمات حفظ السلام، حيث يبلغ عدد عناصر حفظ السلام (اليونيفيل) 9923 عنصرًا من 48 بلدًا مختلفًا، وينتمي أفراد هذه الوحدة إلى ثقافات عسكرية مختلفة تتمتع بخبرات سابقة. بيد أن توحيد البروتوكول يجعل لكل وحدة تفسيرها الخاص الذي يختلف ولو قليلًا عن تفسير غيرها من الوحدات، ولكل وحدة ردها الخاص على الحوادث الأمنية. غالبًا ما تواجه قوات حفظ السلام حالات معقّدة في الجنوب اللبناني حيث تحدث مواجهات أو سوء تفاهم مع أهالي هذه المناطق وقد تتصاعد إلى العنف.
يتضمن آخر تقرير رفعته اليونيفيل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدة حوادث حصلت خلال دوريات اليونيفيل السنة الماضية، وتعتمد مهمة حفظ السلام على هذه التقارير الدورية لضمان تتبع مجلس الأمن لما يحدث على أرض الواقع.
تحدث “بديل“ مع عدة أعضاء رفيعي المستوى من يونيفيل. لكن المحادثات لم تسجل لأسباب تتعلق بسرية الاتفاقات مع الوكالة، وقال هؤلاء الأعضاء إنهم يقللون أحيانًا من شأن الحوادث المذكورة في التقارير للحفاظ على التوازن المحلي والسياسي الهش في المنطقة، ولتجنب أي تصعيد قد يحصل، كما أوضح أحد المصادر أنه: “يجب أن تعلم أن لا قائد في اليونيفيل يستفيد من بدء الحرب”.
غموض طويل الأمد
بدأ الالتباس المقصود بعد حرب الثلاثة والثلاثين يومًا بين حزب الله وإسرائيل في لبنان في عام 2006، والتي عززت خلالها ولاية اليونيفيل، حيث أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1701 الذي تضمن كغيره من القرارات بندًا خلافيًا: “…حيث لن تتوفر الأسلحة بلا موافقة الحكومة اللبنانبة“.
لكن دور اليونيفيل في نزع السلاح، أي سلاح حزب الله خصيصًا، ما زال نقطة نزاع بين بعض الدول الأعضاء التي تتجاهل شعبية حزب الله المتجذرة في المجتمعات المحلية، ومشاركته في المجلس النيابي اللبناني.
ويوضح خبير في العلاقات الدولية وحفظ السلام لـ”بديل” أنه: “لا تذكر بالتحديد مسؤولية اليونيفيل في نزع سلاح الميليشيات في هذه القرارات التي يمكن تفسيرها بعدة طرق. لكنها تلمح لهذه المسؤولية”.
وأضاف الخبير الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه بأن “الفرق بين اليونيفيل ومهمات أخرى يكمن بأن أغلبية أفراد اليونيفيل هم جنود، وأن الحكومة اللبنانية ستستنكر حالًا عمل منظمة الأمم المتحدة إذا تولت مهمة نزع السلاح لأن تحالف التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي يشكل الأغلبية”.
عن أهمية الكلمات
على المدى البعيد لا يوجد حل بسيط لأنه لا حل إلا الحل السياسي، بينما تستخدم اليونيفيل كأداة للقوات الجيوسياسية حتى الآن، وستبقى كذلك. بيد أن هذا الحل ليس مثاليًا إلى أن يعم السلام، ويبدو أن قوات حفظ السلام ما زالت الخيار الأمثل كدرع بشري مسلح يلبس الخوذ الزرقاء.
كتبت الدكتورة والزميلة الجديدة في جامعة أوكسفورد، سوزان قاسم – والتي تعمل حاليًا على كتاب عن اليونيفيل – في إحدى مقالاتها البحثية تقول إن: “مهمات حفظ السلام ستتمكن فقط من تأدية واجبها لكنها لن تحل أساس المشكلة أي الاحتلال الإسرائيلي وأزمة اللجوء الفلسطيني بلا حل أوسع للقضية العربية – الإسرائيلية“.
ومع ذلك، فإن مجلس الأمن على المدى القريب سيبذل جهده ليضمن وضوح الولاية لجميع القوات السياسية وغير السياسية ليتجنب سوء التفاهم، كما يمكن أن تترجم الولاية في سياق الجنوب اللبناني لتجنب توقعات أن قوات حفظ السلام تفشل بمهمتها، خاصة بما يتعلق بسلاح حزب الله.
لأن سوء تفاهم واحد قد يؤدي إلى تصاعد الأزمة بعنف مما ينبئ بعواقب إقليمية كارثية، ولا ينبغي لقوات حفظ السلام أن تقرأ ما بين السطور للحفاظ على السلام.