وفي حين أن تركيا لم تعلن رسمياً انخراطها في مجريات الأرض إلا أن حجم العملية ونجاحها يشيران بوضوح إلى موافقة أنقرة ودعمها الضمني، ما قد يمنح تركيا امتيازات كبيرة على عدة جبهات —خاصة إذا تمكنت المعارضة من تعزيز مكاسبها بشكل فعّال.
فإن السيطرة على حلب وتقدم المعارضة —ما إذا استمر— سيمنح تركيا نفوذاً كبيراً في صياغة مستقبل سوريا خلال المفاوضات. وهذا التحول الجذري في توازنات القوة يلغي فعلياً اتفاقيات سابقة بين تركيا وروسيا تم بوفقها رسم مناطق خفض التصعيد وتسيير دوريات مشتركة، وإنشاء منطقة عازلة حول إدلب.
أما أبرز ما يثير إحباط تركيا فهو تعثّر محادثات التطبيع مع دمشق والتي تم أغلبها بمبادرة من أنقرة، وهي محادثات سبق أن انهارت بسبب اختلافات قيل أنها “غير قابلة للتسوية”. إذ طالبت تركيا تعاون دمشق ضد مجموعات حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردية وطلبت مساعدة الحكومة السورية لتسهيل عودة أكثر من 3 مليون من اللاجئين السوريين في تركيا.
ومن جانبها أصرّت دمشق على انسحاب تركيا بشكل كامل من شمال سوريا و إنهاء دعمها لجماعات المعارضة، ويبدو الآن أن الفشل في حل هذه المآزق دفع أنقرة إلى أخذ زمام الأمور.
“ألعاب الحرب” السورية
وسط هذه الفوضى اغتنمت جماعات المعارضة المدعومة تركياً الفرصة لطرد المقاتلين الأكراد من معاقلهم المتبقية في شمال غرب سوريا، وخاصة كانتون “تل رفعت” شمال حلب، عبر عملية “فجر الحرية” التي انطلقت في 30 تشرين الثاني. يمثل هذا التطور انتصاراً عسكرياً كبيراً لتركيا، لأنه يزيد من تقييد نطاق عمليات المسلّحين الأكراد ويعزز الحاجز الأمني لأنقرة على طول حدودها الجنوبية والمناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية في سوريا.
وربما الأهم من ذلك كله أن اكتساب النفوذ على حلب والمناطق المحيطة بها سيوفر لتركيا ميزة رئيسية في التعامل مع عودة اللاجئين السوريين. ففي الأشهر الأخيرة، ووسط تصاعد الخطاب المناهض للاجئين و الصراعات السياسية الداخلية حول الوجود السوري، واجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضغوطاً متزايدة للتحرك في هذا الصدد. ففي ظل وجود ملايين السوريين المقيمين في تركيا – والعديد منهم من أصول حلبية – فإن احتمال عودتهم الطوعية إلى مدينتهم المألوفة سيكون أسهل بكثير من محاولة إعادة توطينهم قسراً في “المناطق الآمنة” التي تسيطر عليها تركيا في أماكن أخرى من الريف الشمالي لسوريا.
يضاف على ذلك وجود علاقات اقتصادية تاريخية تجمع رجال الأعمال الحلبيين والأتراك، إلى جانب دور حلب التاريخي كمركز اقتصادي في المنطقة مما يوفر أساساً عملياً لإعادة الإدماج ويجعل هذا السيناريو ممكناً اقتصادياً وذي منفعة اجتماعية للاجئين العائدين.