لبنان على مفترق طرق: سياسة ردع جديدة وقرار دولي أو حرب طويلة الأمد

لوقف إطلاق النار، على حزب الله والولايات المتحدة وإسرائيل العودة إلى القرار 1701

14 تشرين الثاني، 2024

بعد إعادة انتخاب الرئيس الأميريكي السابق دونالد ترامب، يبدو أن الجهود المبذولة للتفاوض على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل اكتسبت زخماً متجدداً. حيث التقى المبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكستين ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في واشنطن يوم الإثنين لتباحث الأمر. 

وفي تشرين الأول الماضي سافر هوكستين إلى بيروت، لكن زيارته لم تسفر عن أي نتائج، حيث أوضح أن بالنسبة للولايات المتحدة فإن “التزام الجانبين ببساطة بـ [قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة] 1701 ليس كافياً” وأنه يجب أن يكون هناك اتفاق جديد و”صيغة تضع نهاية لهذا الصراع إلى الأبد.” ويبدو أن تجاهل قرارات الأمم المتحدة أصبح شائعاً بين المسؤولين الأميركيين في الآونة الأخيرة، مما قد تكون له عواقب وخيمة. 

وفي آخر تطور في هذا السياق طالبت إسرائيل والولايات المتحدة لبنان بقبول ترتيب جديد، يمكن بموجبه للقوات الإسرائيلية أن تشارك في “التنفيذ الفعّال” لنزع السلاح في جنوب لبنان. وبعبارة أخرى سيكون لإسرائيل سيطرة عسكرية فعلية على الأراضي اللبنانية. ومن المستحيل أن توافق أي دولة ذات سيادة ــ أو جهة فاعلة غير تابعة للدولة ــ على مثل هذه الشروط، أو أن يتخلى لبنان أو حزب الله عن الردع العسكري. ولذلك فإن الإصرار الأميركي والإسرائيلي على هذه الشروط الجديدة لن يؤدي إلا إلى إطالة الحرب. 

ويبقى إذاً السبيل الوحيد القابل للتطبيق نحو السلام هو بناء إجماع جديد حول القرار 1701. فهذا القرار الأممي هو ما أنهى حرب إسرائيل الأخيرة ضد لبنان في 2006 حيث عمل كآلية لوقف الأعمال العدائية ووضع الخطوط العريضة للتدابير اللازمة لإنهاء التواجد المسلح في المنطقة الحدودية. وعلى الرغم من وجود مسائل عالقة في التنفيذ الكامل للقرار – والتي كان الطرفان على علم بها – إلا أن القرار وضع حداً للقتال على أرض الواقع. الالتزام بتنفيذ الـ 1701 يمكن أن يوقف الأعمال العدائية هذه المرة أيضاً، وعلى حزب الله أن يبادر بالخطوة الأولى. 

يبقى إذاً السبيل الوحيد القابل للتطبيق نحو السلام هو بناء إجماع جديد حول القرار 1701.

الخطر المحدق بحرب طويلة 

يوم الأحد الماضي أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بعد 40 يوماً من القتال العنيف، هُزم حزب الله. وبحسب ما ورد قال كاتس خلال حفل رسمي: “مهمتنا الآن هي مواصلة الضغط من أجل جني ثمار هذا النصر.” ويبدو أن إسرائيل مقتنعة بقدرتها على إرغام حزب الله على الاستسلام بالقوة. لكن اللجوء إلى الحل العسكري في لبنان يعني حرباً لن تكون مثل حرب 2006. آنذاك تعثر الهجوم البري الإسرائيلي، وتآكل الدعم الشعبي مع تزايد الخسائر. أما اليوم يحظى رئيس الوزراء نتنياهو بدعم الرأي العام الإسرائيلي، مدعوماً بالنجاحات العسكرية التي قضت على قيادة حزب الله وعطلت شبكات اتصالاته. 

إلا أنه على الرغم من هذه الخسائر، فإن حزب الله اليوم أفضل استعداداً وأفضل تجهيزاً، وأكثر انضباطاً مما كان عليه في عام 2006. ومن غير المستغرب أن إسرائيل لم تتمكن من كسب أكثر من بضعة كيلومترات من الأرض منذ بدء توغلاتها البرية، في حين أن الرشقات الصاروخية تستمر بشكل يومي على شمال ووسط إسرائيل. وما لم تحدث بعض التغيرات الكبرى، أو تحول دبلوماسي في ظل إدارة ترامب من شأنه أن يضغط على إسرائيل، فإن المعطيات الحالية تشير أننا مقبلون على حرب طويلة. 

الرادع الأساس 

استأنف حزب الله أعماله القتالية ضد إسرائيل دعماً لحليفته حماس، وحتى وقت قريب كان وقف إطلاق النار مشروطاً بمبادرة وقف لإطلاق النار في غزة. ويعلم الحزب أنه في حين أن العديد من اللبنانيين يفهمون تدخله المستمر، فإن الكثيرين غير راضين (على أقل تقدير) عن تصرفاته على مدى العقدين الماضيين. 

فمن خلال دعمه للنظام السوري في العقد الماضي، والمساعدة في الحفاظ على حكم النخبة اللبنانية الفاسدة بعد انهيار الاقتصاد اللبناني عام 2019، ومنع التحقيق في انفجار ميناء بيروت عام 2020، خلق حزب الله الكثير من العداء في الداخل والخارج، وكان اعتماده شبه المطلق على إيران للحصول على النفوذ الدبلوماسي والتفوق العسكري. 

كما أدى رفض حزب الله الاندماج في استراتيجية الدفاع الوطني، والاحتفاظ بأسلحته خارج قيادة وسيطرة الجيش اللبناني إلى سوء إدارة هائل للأمن القومي وترك البلاد عرضة للجيش الإسرائيلي ذي التفوق العسكري المهول. والدمار الذي تلحقه إسرائيل بلبنان اليوم هو اليوم مصدر قلق كبير – فكلما طال أمد النزوح الهائل من جنوب وشرق البلاد، كلما تزايدت التوترات الاجتماعية والغضب تجاه حزب الله. 

وفي الوقت نفسه فإن ترسانة حزب الله الرادعة من الصواريخ والمقاتلين هي ورقة المساومة الحقيقية الوحيدة في لبنان. ودون حزب الله فمن شبه المؤكد أن دبابات الميركافا الإسرائيلية كانت ستتوغل في بيروت وتثبت نظاماً تابعاً لها دون مواجهة مقاومة تذكر. فإن اللبنانيين الذين يطالبون حزب الله بالتخلي عن سلاحه من أجل السلام إما يعيشون في عالم الخيال أو هم مجرد مفاوضين سيئين. 

لكن إذا كان حزب الله راغباً في إنقاذ أي شكل من أشكال الوحدة الوطنية اللبنانية، فيقع عليه عبء الجلوس إلى الطاولة حاملاً خطة سياسية لتنفيذ القرار رقم 1701. وعليه أيضاً أن يثبت قدرته على العمل ضمن إطار وطني، وليس فقط العمل كوكيل لإيران في المنطقة. 

لكي تنجح هذه المبادرات، ونظراً لانعدام الثقة من قبل منتقديها، فيجب أن تتم على مراحل. في البداية سيكون مطلوباً من حزب الله شرح كيفية تنسيقه رسمياً مع القوات المسلحة اللبنانية لتشكيل قوة ردع مشتركة، تماماً كما فعل في عام 2017 حين قاتلوا معاً ضد تنظيم داعش. ثم سيتعين على حزب الله أن يقبل بأن يتحدث الجيش الوطني والحكومة نيابة عنه وأن يأخذ مكانه في مثل هذا التشكيل دون التهديد بالسلاح أو حق النقض على القرارات السياسية. 

ومن هنا سيحتاج الحزب إلى توضيح استراتيجية الدفاع الوطني في لبنان، والتي لا يمكنها الاعتماد فيها على الجيش اللبناني وحده، وهي يعاني من نقص مؤسف في الموارد. وتحتاج هذه الاستراتيجية إلى أسلحة حزب الله – لكن في ظل خارطة طريق واضحة للتكامل بين المكوّنين. 

إن أي استراتيجية دفاعية جديدة تترك لبنان دون رادع ضد آلة الحرب الإسرائيلية محكوم عليها بالفشل، وستعزز مبررات إيران وحزب الله للحفاظ على قوة ردع خارج نطاق الدولة.

إطار جديد للردع 

إن أي استراتيجية دفاعية جديدة تترك لبنان دون رادع ضد آلة الحرب الإسرائيلية محكوم عليها بالفشل، وستعزز مبررات إيران وحزب الله للحفاظ على قوة ردع خارج نطاق الدولة. قإن الحديث عن إطار جديد للأمن الوطني ودعم القوات المسلحة اللبنانية في مؤتمرات مثل تلك التي نظمتها فرنسا في أواخر تشرين الأول يظل غير مجدي لأنه يأتي دون ضمانات أمنية ملموسة للبنان. 

إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو أي قيادة غربية أخرى، جاداً بشأن دعم لبنان، فسوف يقدم طرحاً أكثر واقعية من مجرد الحديث عن حظر الأسلحة على إسرائيل. يمكن مثلاً لفرنسا أن تقدم طائرات رافال أو أنظمة دفاع جوي، مما يسمح للقوات المسلحة اللبنانية بإنشاء رادعها الخاص. بالطبع هذا يعني أن فرنسا ستتجاوز الولايات المتحدة من حيث الدعم المادي للقوات المسلحة اللبنانية – وهو أمر غير مرجح قبل، على أقل تقدير، أن يتخذ حزب الله وإيران موقفاً محدداً وجيد بشأن الدفاع الوطني اللبناني. 

وكل ما هو واضح في هذه المرحلة هو أن الحل الدبلوماسي الدولي مطلوب، لكن الحل ليس بتجاهل الإجماع الذي تم التوصل إليه في عام 2006. وعلى الغرب وإدارة ترامب القادمة أن تواجه حقيقة مفادها أنه بدون العودة إلى القرار 1701، والضمانات الأمنية وتمكين لبنان من الردع العسكري، فإن الحروب مع إسرائيل سوف تستمر. 

ثم على حزب الله وإيران أن يفهما أنهما لا يستطيعان إدارة جيش خاص في لبنان والإفلات من العواقب المميتة. وإلا فإن الجميع سوف يجدون أنفسهم يوماً ما عائدين إلى ساحة المعركة، وهم ما زالوا يتحدثون عن “صيغة جديدة” أخرى. 

المواضيع ذات الصلة